تعود العلاقة ما بين حركة حماس وإيران إلى عام 1990 ، أي بعد ثلاث سنوات على تأسيس هذه الحركة ، وخلال مؤتمر أقامته إيران بداعي دعم الانتفاضة الفلسطينية دعت اليه حركة حماس وحضره عنها القيادي الحمساوي خليل القوقا . وبعد عام على ذلك افتتحت حركة حماس مكتباً لها في طهران تولى رأسته القيادي الحمساوي عماد العلمي . بعدها توثقت العلاقة بين الطرفين وخاصة بعد ان توترت علاقة طهران مع منظمة التحرير الفلسطينية لمشاركتها بالمباحثات السياسية مع الكيان الصهيوني . وأخذت إيران تتعامل مع حماس بأعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بناء على وثيقة مشتركة بين الطرفين .
وقد ساهم فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 في تعزيز العلاقات بين الطرفين واعلنت طهران دعمها المالي والعسكري لحماس وزودتها بالكثير من الأسلحة النوعية وبالمئات من ملايين الدولارات . وقد وصل التقارب بينهما إلى حد ان خالد مشعل في لقاء له مع ابن الإمام الخميني قال ان حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني .
وقد تراجعت هذه العلاقة بين الطرفين مع بداية اندلاع الأحداث في سورية ووقوف حركة حماس مع قوى المعارضة فيها وخاصة مع تنظيم الإخوان المسلمين ، ومساندة إيران اللامحدود للنظام السوري ، ومغادرة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس حينها دمشق إلى قطر . مما أثار حفيظة إيران عليها وتراجع دعمها المالي والعسكري لها .
وفي تلك الأثناء فقد اعتمدت حماس على دعم الدول العربية الخليجية وعلى رأسها دولة قطر وكذلك على دعم تيار الإسلام السياسي وعلى رأسه تركيا .
وفي عام 2016 ومع تصاعد الأحداث في سورية وانتشار الفيديوهات والصور عن القتلى والخراب والدمار الذي حصل بها وخاصة في حلب والذي كان لإيران دوراً فيها من خلال دعمها للنظام في دمشق أو من خلال دعمها لحزب الله المشارك بالقتال إلى جانب النظام بالإضافة إلى المليشيات المسلحة الإيرانية في سورية وعلى رأسها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي كان يقوده الجنرال قاسم سليماني فقد ساءت العلاقات بين الطرفين وتوترت وأوقفت ايران مساعداتها المالية لحماس . واستمر الوضع كذلك إلى ان صرح القيادي الحمساوي صالح العاروري لصحيفة شرق الإيرانية بأن العلاقة ما بين حماس وإيران وحزب الله ليست مرتبطة مع ما يحدث في سورية وان حركة حماس لم تنحاز لأي طرف أثناء الأزمة السورية . وعندما اصبح القيادي الحمساوي يحيى السنوار قائداً لحماس بمنتصف آذار عام 2017 قفزت العلاقة بين الطرفين قفزات واسعة للأمام . وخاصة مع توتر علاقة حماس مع الدول الخليجية واتهامهم لها بأنها حركة ارهابية وخاصة بعد تفجر الخلاف الخليجي مع دولة قطر وانقطاع المساعدات المالية منها سوى الواردة من قطر . وبذلك عادت العلاقات ما بين إيران وحماس إلى ما كانت عليه بالرغم من ان العلاقة العسكرية بينهما لم تنقطع لغايات كانت ولا زالت إيران تسعى اليها سوف تتضح في سياق هذا المقال ، حتى ان قاسم سليماني كان قد زار قطاع غزة عدة مرات وربما تم ذلك من خلال الأنفاق والتي كانت من أفكاره وافكار القيادي في حزب الله عماد مغنية ، ولكن هل كانت هذه الزيارات تتم من غير علم اجهزة المخابرات المصرية أو الصهيونية ؟ الله اعلم ولكني اشك بذلك .
وبهذا فقد عادت إيران لتصبح المزود الأول لحركة حماس بالأموال والسلاح بالإضافة لما كانت تقدمه قطر . وكان قاسم سليماني مقرباً من القيادات الحمساوية ومحل إحترام وتقدير من قبلهم . لهذا فقد كان سماع نبأ مصرعه في الغارة الأمريكية على موكبه اثناء خروجه من مطار بغداد وقع الصاعقة عليهم .
وقد أصدرت حركة حماس بيانًا قالت فيه تتقدم حركة المقاومة الفلسطينية حماس بخالص التعزية والمواساة للقيادة الإيرانية والشعب الإيراني باستشهاد اللواء قاسم سليماني رحمه الله ، أحد ابرز القادة العسكريين الإيرانيين والذي كان له دورا بارزا في دعم المقاومة الفلسطينية بمختلف المجالات . كما تقدمت حركة حماس بالتعزية للشعب العراقي باستشهاد عدد من ابنائه ومنهم ابو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي جراء الغارة الأمريكية والذي ظهر في احد الفيديوهات وهو يقول ان تحرير القدس ليس هو المهم ولكن تحرير السعودية هو الأهم .
كما قام وفد من حركة حماس بالمشاركة في تشييع جثمان قاسم سليماني في إيران بقيادة رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية وعضوية كل من صالح العاروري وموسى ابو مرزوق وعزت الرشق وأسامة حمدان وممثل الحركة في طهران خالد قدومي . وقالت الحركة ان هذه الزيارة تأتي وفاءاً للقائد سليماني ولمسيرته في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة . وتحدث هنية اثناء التشيع وقال ان مقتل سليماني جريمة نكراء ووعد بأستمرار المقاومة رغم اغتيال قادتها داخل فلسطين وخارجها . وقال اتينا من فلسطين لنقدم التعازي إلى سماحة القائد السيد علي خامنئي والجمهورية الإسلامية باستشهاد الفريق سليماني الذي قدم لفلسطين والمقاومة ما أوصلها إلى ما هي عليه واطلق على سليماني لقب شهيد القدس .
كما قام الوفد بتقديم العزاء لقائد الثورة الإسلامية علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني ولرموز وأركان الدولة في إيران .
ثم قام الوفد بزيارة منزل سليماني وتقديم العزاء لعائلته . علماً انه قبل حادثة الاغتيال هذه كان في طهران وفدا يمثل حركة حماس للمشاركة في تأبين والد سليماني الذي كان قد توفي قبل ذلك بفترة قصيرة . وكان الوفد برئاسة صالح العاروري .
كما أقيم في غزة بيت عزاء لسليماني تضمن رفع صور له واعلام لفصائل فلسطينية بالإضافة للأعلام الإيرانية .
وقد اثارت ردود الفعل المبالغة فيها من قبل حماس على مقتل سليماني وتمجيدها له وبإيران والقيادة الإيرانية انتقاد الكثيرين من دول وشعوب المنطقة وذلك للدور الذي تقوم به إيران فيها وخاصة الدور الذي تلعبه بكل من العراق وسورية ولبنان واليمن والهادف إلى بسط سيطرتها على هذه الدول ثم الانطلاق منها إلى دول عربية أخرى خاصة السعودية وبقية دول الجزيرة العربية وإعادة امجاد الدولة الفارسية الغابرة . وبالرغم من المجازر التي ارتكبتها مليشيات الحشد الشعبي وحزب الله في هذه الدول بالإضافة لفيلق القدس الذي كان يقوده سليماني والذي اصبح هو الذي يدير المعارك في هذه الدول والتي تستهدف السنة منهم على وجه الخصوص . كما اثارت هذه المواقف الغضب على حركة حماس لوصفها قاسم سليماني بأنه شهيد وأنه شهيد القدس في حين انه لم يعمل لا هو ولا فيلقه ولا إيران أي شيئ لتحرير القدس . حتى ان بعض شيعة إيران لا ينظرون إلى مدينة القدس كما ننظر نحن اليها ، حيث يعتقدون ان القدس التي اسرى الله رسوله اليها هي مكان في الجنة فيما القدس التي نعرفها ما هي الا أورشليم . وان دعم إيران وفيلق القدس لحركة حماس ليس موجهاً ضد دولة الصهاينة ولكن لتكريس وإطالة امد الانقسام الفلسطيني ما بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وإمارة حماس في غزة وقطع الطريق على أي محاولة لإجراء مصالحة بينهما خدمة للعدوا الصهيوني ، خاصة ان هناك علاقة قديمة تجمع ما بين اليهودية القديمة والدولة الفارسية القديمة والتي تعود لفترة السبي الأشوري ليهود الدولة اليهودية الشمالية والتي كانت عاصمتها السامرة في العام 697 قبل الميلاد على يد الملك الآشوري سنحاريب . والسبي البابلي الأول عام598 قبل الميلاد والثاني عام 587 قبل الميلاد ليهود الدولة اليهودية الجنوبية والتي كانت عاصمتها أورشليم على يد الملك البابلي نبوخذنصر والذي قام بسبيهم إلى مدينة بابل ، وان السبب في الحالتين كان فسادهم وإيقاعهم الفتن والثورات وانتشار الجريمة بينهم وتعاونهم مع المصريين في محاربة الدولة الآشورية ثم الدولة البابلية وقد تم إسكانهم في بلاد ما بين النهرين واقطعهم الملك نبوخذنصر ارضاً خصبة هناك ، ولكن تم منعهم من العودة إلى فلسطين . إلى ان أسس الملك كورش الدولة الفارسية في عام 550 قبل الميلاد ثم تمكن من السيطرة على الأراضي التي كانت خاضعة للدولة الآشورية والدولة البابلية ، وأصبحت دولته الفارسية مترامية الأطراف . وقد قام المذكور بعد ذلك بالسماح لليهود بالعودة إلى فلسطين والى مملكتي الشمال والجنوب ليكونوا عونًا له في محاربته للمصريين وتوسيع حدود دولته باتجاه الغرب . ولهذا فأن اليهود لا يزالون يدينون له بالفضل لانه أعادهم إلى مملكتهم وأمدهم بالأموال لإعادة بناء معابدهم وأعاد اليهم نفائسهم وأموالهم التي كانت قد سلبت منهم .
وقد بقي الاعتراف اليهودي بهذا الفضل للفرس قائما لهذه الأيام حيث اطلق اسم الملك كورش على احد الشوارع في إسرائيل كما قامت منظمة اسرائيلية غير حكومية بسك عملة وضعت على جانب منها صورة الملك كورش الذي أعاد اليهود إلى القدس وعلى الوجه الآخر صورة ترامب الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كما كان سيفعل الملك كورش عندما وعد ببناء بيت له في القدس كما يزعمون ، وان ترامب حقق هذه النبوءة ببناء بيت في القدس الا وهي السفارة الأمريكية . كما أصدرت الدولة الصهيونية طابعا بريدياً يحمل صورة لأسطوانة كورش والتي يزعمون انها تحمل أفكاره . ولا يزال اليهود حتى الآن يحتفلون بذكرى أحتلال كورش لمدينة بابل وذلك في التاسع والعشرين من شهر اكتوبر من كل عام . ولا يزال العديد من الإيرانيون يحتفلون حتى اليوم بذه المناسبة وبإعادة اليهود إلى القدس ويرفعون شعارات مناهضة للعرب بهذه المناسبة حيث ان معادة العرب هي السمة المشتركة التي تربط الحركة الصهيونية والنزعة الفارسية التي تسعى لإعادة أحياء إمبراطوريتهم . حتى ان قاسم سليماني نفسه كان لا يرى بالعرب سوى انهم بدو وهمج وأنهم هدموا الإمبراطورية الفارسية التي كان لا يخفي حلمه بإعادة أمجادها .
لقد ساعدت الدولة الفارسية القديمة اليهود بإعادتهم لمدينة القدس ليكونوا عونًا لها في حربهم على المصرين وتوسيع حدود الدولة الفارسية ، كما يحاول احفادهم في إيران حاليا استغلال القدس في سبيل مد نفوذهم إلى دول المنطقة لإعادة امجاد دولتهم الفارسية القديمة . وما دعمهم لحماس ومساندتهم لها الا خطوة على هذا الطريق ولتكون حماس سلاحا بيدهم يستعملونه كما يشاؤون هي وغيرها من الجهات الغير إيرانية التي تدين لهم بالولاء وكما خاطبتهم زينب ابنة قاسم سليماني عند تشيع جثمانه عندما طالبت حسن نصرالله وبشار الأسد وإسماعيل هنية وعبد الملك الحوثي بالانتقام لمقتل والدها من ترامب وأمثال ترامب .
ان من ينتقدون هذا الانبطاح من قبل حركة حماس في الحضن الإيراني من اجل الحصول على الدعم المالي والعسكري منها يقولون بأنه كان الأجدى بها العمل مع السلطة الفلسطينية لتسوية الخلافات بينهما وان تتنازل عن التمسك بأمارتها بقطاع غزة وان تعود كما كانت حركة تحرير وطنية فلسطينية وجزءا من النسيج الوطني الفلسطيني .