اللواء المتقاعد مروان العمد
وعودة لاستكمال الحديث عن تداعيات هذا الهجوم فسوف اتحدث اليوم عن هذه التداعيات في إيران والولايات المتحدة الاميركية.
ومن المعروف ان إيران تعيش ومنذ انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي معها وفرض المقاطعة والحصار عليها تعيش في عزلة سياسية واقتصادية سيئة جدداً وفي ضائقة مالية انهكت كاهلها مما انعكس على مستوى حياة المواطن الإيراني الذي لم يعد يجد ما يكفي رزق يومه . وقد دفعت الحالة الاقتصادية السيئة تلك الحكومة الإيرانية الى زيادة أسعار المحروقات زيادة كبيرة بلغت لغاية ثلاثة أضعاف سعرها . وكان وقع هذا القرار على فئات الشعب الإيراني وقع الصاعقة وخاصة انهم يجدون ان أموال إيران ودخلها يتم صرفه على حروب وتنظيمات تقع خارج إيران ولمساندة أنظمة مرفوضة من قبل شعوبها في سبيل فرض هيمنتها على هذه الدول والتنظيمات وذلك عن طريق الأقليات الشيعية في هذه الدول . وان مقدرات بلادهم تذهب إلى حزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي وعلى دعم النظام في العراق ونظام بشار الأسد في سورية وجماعة الحوثي في اليمن . وأنهم يدفعون في سبيل ذلك خيرة شبابهم والذين كان يقودهم في تلك الميادين هو قائد فيلق القدس قاسم سليماني . بالإضافة لما يعانونه من استبداد وظلم تحت حكم الملالي المتشدد.
ونتيجة لذلك فقد خرجت جماهير الشعب الإيراني إلى الشوارع في حركة احتجاجات واسعة انطلقت من منطقة الأحواز بتاريخ ١٥ نوفمبر عام ٢٠١٩ وامتدت إلى العديد من كبريات المدن الإيرانية بما فيها من كانت تمثل معاقلاً للمتشددين الإيرانيين . وقد واجهت السلطات الإيرانية هذا الاحتجاجات بمنتهى العنف والقسوة وتخوين المشاركين فيها واتهامهم بالعمالة لأمريكا . وكانت حصيلة ايام معدودات من المظاهرات مقتل ما يزيد عن الف متظاهر وجرح عشرات الآلاف منهم واعتقال ما لا يقل عن سبعة آلاف متظاهر . فيما قتل ثلاثة من رجال الأمن وتم إحراق ٧٣١ فرع بنك و ١٤٠ مبنى حكومي.
وإذ خفتت حدة التظاهرات والاشتباكات نتيجة عنف التعامل معها ، فقد بقيت النيران تشتعل في الصدور . وزادت المسافة ما بين الاصلاحين والمعتدلين والمتشددين إتساعاً ، وأصبح الوضع الداخلي ينذر بكارثة من الممكن ان تقع في اي لحظة إلى ان جاء موضوع اغتيال قاسم سليماني فكانت هذه الحادثة بمثابة القشة التي انقذت النظام الإيراني من الغرق . أما كيف تم ذلك فقد استطاعت القيادة الإيرانية المحافظة والمتشددة استغلال هذه الحادثة لتحريك اجواء القومية الإيرانية الفارسية والدينية الشيعية للالتفاف حول القيادة الإيرانية في مواجهة الغطرسة والاعتداء ألأمريكي كما وصفت هذه الحادثة ، وإعادة شعارات الثورة الإسلامية في بداية انطلاقها والتي رفعت شعار العداء لاميركا باعتبارها الشيطان الأكبر . لذا فقد تدفق الملايين من الشعب الإيراني للمشاركة في مراسم تشيع جثمان قاسم سليماني الذي استمر عدة أيام والذي مات خلالها العشرات من المشيعين نتيجة للازدحام والتدافع الشديد .
فهل كان مصرع قاسم سليماني هدية من الله للنظام ام كان لهذا النظام إصبع في هذه النهاية رغم مظاهر الحزن التي ارتسمت على وجوههم وحلقات البكاء والنواح واللطم التي يجيدونها ولو من ناحية التقية التي يؤمنون بها وتشكل ركن الأساس في مذهبهم الديني . وخاصة ان هذا الشخص بلغت قوته ونفوذه درجة انه اصبح الشخص الأهم في إيران مما جعله يمثل تهديداً لسلطتهم . كما ان السمعة التي انتشرت حوله في العالم جعلت منه عبئا كبيرا على الدولة الإيرانية وذلك بإعتباره العدو الأكبر للمجتمع الدولي لدرجة ان غيابه اصبح بمثابة بداية انفتاح إيران على هذا المجتمع . فهل تكون إيران قد ساهمت بالتضحية به للعودة لهذا المجتمع ؟
وبقي ان اتحدث عن تداعيات هذه الحادثة في الولايات المتحدة الأمريكية . فقد اثارت هذه الخطوة الفردية التي قام بها الرئيس الأمريكي المعروف عنه القيام بما هو غير متوقع وأنه ينفذ ما يقوله دوان أخذ إعتبار لأي جهة أو طرف ما ، مدعومًا من قبل المتطرفين من فريقه الرأسي وحزبه الجمهوري . الا انها اثارت استياء الديمقراطيين وغضبهم مما ادى إلى اشتعال معركة كلامية بين الطرفين حيث قال جو بايدن نائب الرئيس السابق والمرشح للانتخابات الرآسية التمهيدية القادمة عن الحزب الديمقراطي ، ان التصعيدالخطير لترامب يقربنا اكثر من كارثة أخرى في الشرق الأوسط وان ترامب وعد بإنهاء حالة الحرب ولكنه بعمله هذا يضعنا بطريق الحرب مرة أخرى.
أما الرئيس الديمقراطي للشؤون الخارجية في مجلس النواب إليوت انجل فقد عبر عن آسفة لأن ترامب لم يبلغ الكونجرس بالغارة وان هذا يثير مشاكل قانونية خطيرة ويشكل ازدراءً لصلاحيات الكونجرس
ومن جانبها صرحت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي بأن اغتيال قاسم سليماني له اثاراً خطيرة على المنطقة وطالبت الإدارة الأمريكية بإبلاغ الكونجرس عن الوضع القائم حاليا في العراق وأنه يجب ابلاغه بالوضع الجديد وبالخطوات القادمة . وقالت ان المجلس سيطرح ويصوت هذا الأسبوع بشأن صلاحيات الحرب بهدف الحد من تحركات الرئيس ترامب العسكرية اتجاه إيران ، وان القرار سيعيد التأكيد على مسؤوليات الكونجرس الإشرافية بإصدار امراً بأن توقف الإدارة العمليات القتالية في إيران خلال ثلاثين يوما ما لم يتخذ الكونجرس إجراءات آخرى .
في حين ان ترامب وفريقه شنوا حملة شديدة على الحزب الديمقراطي ووجهوا له مختلف الاتهامات وبعبارات جارحة وخاصة على الرئيس السابق آوباما وعلى منافسته بالإنتخابات السابقة هيلاري كلينتون. وهذا الأمر جعل المجتمع الاميركي اكثر انقساما واختلافًا نتيجة هذه العملية والتي اختلفت التفسيرات حول هدف ترامب من القيام بها
ففي حين قال البعض بأن هذه العملية هي من ضمن العمليات الغير محسوبة نتائجها والغير مدروسة التي قام بها دونالد ترامب خلال رأسته . ومنهم من قال ان هذه العملية هي تمهيداً لإعادة رسم خارطة المنطقة بالاتفاق مع ايران وسأتحدث عن هذه الخارطة في ختام حديثي . والبعض قال انه قام بهذه العملية ليجد مبررا لسحب القوات الاميركية من المنطقة حيث انه حاول ذلك عدة مرات وأصدر اوامره بسحب هذه القوات ثم كان يتراجع عن ذلك تحت تأثير المؤسسة العسكرية الاميركية والتي كانت دائما على خلاف معه في ذلك . وأنه أراد من خلال قيامه بهذه العملية ان يصبح الانسحاب مطلبا لمجلس النواب العراقي وأن يصادق رئيس الحكومة العراقية على هذا القرار الأمر الذي تم بعد عملية الإغتيال . وكان ترامب يقول انه يريد ان يسحب قواته بحجة حرصه على سلامة الجنود الأمريكيين هناك ، ولكن يبدوا ان المؤسسة العسكرية في اميركا كان لها رأي آخر في ذلك وإنها كانت ولا زالت تجد ان استمرار تواجدها هناك مصلحة عليا لأميركا ، وان هذا هو السبب وراء التناقض في المعلومات حول انسحاب هذه القوات وماقيل عن إرسال كتاب لوزارة الدفاع العراقية بالموافقة عليه ، ثم التراجع عن ذلك وانكار إرسال الرسالة ثم الإقرار بإرسالها ولكن مع التنصل من مضمونها . وما بين القول انها مسودة كتاب وغير موقعة وأنه تم إرسالها بطريق الخطأ . وهذا التخبط بالإجراءات يشير إلى ان القرار كان قد اتخذ من قبل ترامب على الأقل بالانسحاب ، وانه بوشر بصياغة الكتاب الذي سيتم إرساله لوزارة الدفاع العراقية ولكن يبدوا ان وجهة النظر المعارضة للإنسحاب قد تغلبت وأوقفت الصياغة النهائية للكتاب ولم يجري تنقيحه وتوقيعه ، الا انه مع ذلك قامت جهة ما بإرساله وتوزيعه وحتى ان بعض القواعد الاميركية في العراق بدأت بتنفيذ مضمونه قبل ان يُعلن بصفة نهائية ان هذه القوات لن يتم سحبها الا بالإتفاق مع الحكومة العراقية وبعد القضاء على الإرهاب بشكل كامل ، في حين ان التاجر الذي يسكن داخل ترامب طلب حتى يتحقق هذا الانسحاب ان يدفع العراق الكلفة المادية لإقامة هذه القواعد . وهذا يدل على وجود انقسام حاد داخل الإدارة الأمريكية نفسها بالإضافة إلى المجتمع الأمريكي بشكل عام . وذهب الكثيرون للقول ان هدف ترامب من ذلك هو صرف الانتباه عن قضية محاكمته أمام الكونجرس بالرغم من انعدام فرص ادانته من قبل مجلس الشيوخ ، والى زيادة فرصه بالفوز بدورة جديدة في انتخابات الرآسية التي اقترب موعدها ، الأمر لذي حداً ببعض الناشطين لإعادة بث شريط فيديو له يعود لعام ٢٠١٢ وفيه يتهم باراك أوباما بأنه يسعى لدخول حرب مع إيران لغايات انتخابية فيما هو يكرر نفس للفعل في هذه الأيام.
بهذا أكون قد استعرضت تداعيات تصفية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في كل من سورية والعراق وإيران والدولة التي نفذت عمليةالاغتيال الولايات المتحدة الاميركية . وبقي ان اتحدث عن المعارك الدونكيشوتية التي تلت ذلك