ينبغي على ذياب دراغمة أن يخرج يوميا في رحلة رعي مع أغنامه في الجبال القريبة من خيامه في منطقة "سمرة" بالأغوار الشمالية، بحثا عن الكلأ، لاستمرارية الحياة في منطقة تعتمد بشكل أساسي على تربية الماشية. هذه الرحلة التي تحدث في أغلب مناطق الأغوار الشمالية كانت تاريخيا عادة يومية لدى الفلسطينيين وساعدتهم على البقاء في المنطقة، لكنها صارت منذ سنوات قليلة ماضية رحلة تحيطها المخاطر.
دراغمة الذي يسكن المنطقة منذ سنوات طويلة، قال "نخرج كل يوم إلى المراعي دون أن نعلم ما الذي ينتظرنا هناك". فالمنطقة التي تقع ضمن شريط جبلي ممتد على السفوح الشرقية للضفة الغربية المحتلة، صارت في السنوات الماضية تجذب المستوطنين الممتهنين لتربية الماشية؛ ولهذا أصبحت تلك الرحلات الرعوية للفلسطينيين محفوفة بالمخاطر غالبا، فيعترض المستوطنون في كثير منها الرعاة الفلسطينيين بشكل عنيف.
وحاليا يوثق حقوقيون ومهتمون بتوثيق انتهاكات المستوطنين ضد الرعاة الفلسطينيين، ويقوم بها مستوطنون منتشرون على قمم الجبال في الأغوار ضد الرعاة.
في عام 2018، رصدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان 24 اعتداء قام بها مستوطنون في طوباس والأغوار الشمالية، وهو ما مثل تقريبا 3% من اعتداءات المستوطنين في الضفة. ومن ضمنها اعتداءات على المزارعين والرعاة للحيلولة دون وصولهم إلى مراعيهم أو مزارعهم، وأيضا على الماشية، كون أغلب التجمعات السكانية في الأغوار الشمالية، خصوصا المنتشرة في الجبال تعتمد بشكل أساسي على تربية الماشية.
هذه الأيام يمكن مشاهدة قطعان ماشية للفلسطينيين تجوب المراعي القريبة من خيام مالكيها، المحاطة بتجمعات استيطانية، بمناطق متفرقة من الأغوار الشمالية.
وتشير الأرقام الواردة في تقرير لوحدة نظم المعلومات الجغرافية في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" أن ثماني مستوطنات تتربع على أراضي محافظة طوباس، على مساحة تصل إلى 8,243 دونما ويقطنها نحو 2500 مستوطن. وخلال السنوات الماضية، أقام المستوطنون 3 بؤر استيطانية جديدة في الأغوار الشمالية، وكلها لا تحمل أسماء واضحة، لكن بشكل عام وبحسب إحصاءات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فإن عدد البؤر التي أقامها المستوطنون العام الماضي في الضفة 10 بؤر.
ففي صيف 2016 بدأت البؤر الاستيطانية المنتشرة على قمم الجبال بالظهور في الأغوار الشمالية، وجلب المستوطنون القاطنون فيها مواشيهم وأبقارهم معهم، متخذين الرعي مهنة أساسية في حياتهم. وقال دراغمة: "لم يعد لنا منفذ للمراعي.. الآن المستوطن يضع في عدة نقاط خزانات مياه يستخدمها لري مواشيه". الأمر يتكرر في مناطق مختلفة من الأغوار. حيث يغلق المستوطنون آلاف الدونمات من المناطق الرعوية، وصار وصول الفلسطينيين إلى مساحات كبيرة منها أمرا شبه مستحيل، لما فيه من مخاطر عليهم.
وأوضح دراغمة، إذا أردنا الدخول إلى المناطق التي يستولي عليها المستوطنون يعني لنا الذهاب إلى شيء لا نعرف عقباه".
بالشكل الطبيعي، حينما كانت المنطقة آمنة من المستوطنين، كان الرعاة يسرحون بأغنامهم لأكثر من 10 كم بعيدا عن خيامهم، لكنها في السنوات الماضية صارت المسافة أقل من ذلك بكثير. يقول دراغمة إنه صار يسرح بمواشيه على أطراف المنطقة.. "رحلة لا تدري تفاصيلها أبدا، اليوم سأظل على أطراف المنطقة".
قبل مجيء المستوطنين لم يلاقِ دراغمة مشاكل في الرعي بأغنامه في المكان الذي يريده، لكنه منذ قدوم المستوطنين، اختلفت أمور كثيرة. قال: "في الشتاء والربيع كنا نظل في المراعي منذ الصباح حتى الثالثة عصرا.. اليوم لا نستطيع المكوث لما بعد الواحدة ظهرا. وأضاف: "صرنا نخرج لشيء لا نعلم ما يخفيه... فقط إذا حاولنا الاقتراب قليلا من المراعي في السويدة تبدأ مشاجرات بيننا وبين المستوطنين، ولا ندري هل نسلم منهم أم لا".
تاريخيا، كانت الأغوار الشمالية، واحدة من الأماكن التي ساعدت الفلسطينيين على تربية آلاف رؤوس الماشية فيها، مستفيدين بذلك من المساحات الواسعة التي تصنف كمراعٍ تقدم الغذاء المجاني لمواشيهم، لكن في السنوات الماضية انحصر وصول الفلسطينيين إليها بالنظر فقط، وأصبح الوصول إليها تماما كرحلة إلى المجهول، كما علق بعض الرعاة.