الباحثة المصرية تشرح للرأى العام العربى والإسلامى بالحقائق والأرقام
رؤية جديدة للباحثة: أطالب مصر والسعودية كدول إسلامية بدور الوساطة بين بكين وعرقية الأويغور أمام المجتمع الدولى بعيداً عن واشنطن
بقلم: د.نادية حلمى
أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- خبيرة فى الشئون السياسية الصينية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا- عضو ملتقى الخبراء والباحثين العرب فى الشئون الصينية
بعد سلسلة من الهجمات العنيفة فى منطقة "أورومتشى" عاصمة إقليم "شينغيانغ" عام 2009، وفى بكين عام 2013، وفى مناطق (كونمينغ وأورومتشى) عام 2014، كما يذكر أنه فى الفترة من عام 1990 حتى نهاية 2016 خططت الجماعات الإرهابية المتطرفة التى تتخذ من إقليم "شينغيانغ" موطناً ومركزاً لها لآلآف العمليات الإرهابية من تفجيرات وإغتيالات كما لقى عدد من الأبرياء فى ذلك الإقليم مصرعهم جراء هذه العمليات.
.
ويتحدث المسلمون الأيغور فى إقليم "شينغيانغ" اللغة الويغورية، إضافةً إلى حرص الحكومة الصينية على تعلمهم اللغة الصينية وهى اللغة الرسمية للبلاد، ويبلغ عدد سكان إقليم "شينجيانغ" حوالى 24.867 مليون نسمة وفقاً لآخر الإحصائيات.
ومن هنا، تحول الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين إلى عمل بعض التدابير (الإحترازية) لتحقيق الإستقرار والسيطرة على إقليم "شينجيانغ"، خاصةً مع إعلان "حركة تركستان الإرهابية الإنفصالية" التى تتخذ من إقليم "شينغيانغ" موطناً لها عن مسئوليتها عن تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية ضد بعض الأهداف داخل الصين، وإتباعها لنهج جديد مؤخراً لضرب بعض مصالح الصين وإستهداف شركاتها ومصانعها وإستثماراتها وسفاراتها ومواطنوها فى الخارج. وما تم توثيقه مؤخراً بالصور والفيديوهات من تجنيد الآلآف من مقاتلى حركة شباب "الإيغور" المسلمين من مواطنى "شينغيانغ" فى تنظيم "داعش" الإرهابى فى سوريا.
ووفقاً لدراسات سابقة للباحثة المصرية، فقد إكتشفت وجود عدد كبير من الأقليات المسلمة فى الصين وعلى رأسهم فى مقاطعة "أنهوى" الصينية التى تتركز بها أقليات مسلمة تقدر بالملايين، والتى لم نسمع عنها من "تدابير إحترازية صينية" مثلما هو الحال فى "شينغيانغ"، حيث يفسر ذلك تزايد عدد العمليات الإرهابية وإستهداف مصالح الصين تحديداً فى تلك المنطقة فى شمال غرب الصين، مع تنامى وإنتشار عدد من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والتى أعلنت مسئوليتها "رسمياً" عن تنفيذ بعض الأجندات والعمليات الإرهابية بمساعدة قوى وتنظيمات خارجية والتى ثبت مؤخراً علاقتها بتنظيم "داعش" فى سوريا وتهديدهم رسمياً للصين.
فقد أصدر تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا فى نهاية شهر (فبراير2017)، مقطع فيديو حقيقى - يمكن الإطلاع عليه بكل سهولة عبر اليوتيوب - مدته (28 دقيقة) بعنوان "أولئك هم الصادقون"، حيث هدّد فيه أحد مسلمى الإيغور الصينَ بتنفيذ عمليات إرهابية غير مسبوقة، حيث قال: "أيها الصينيون الذين لا يفهمون لسان الناس، نحن جنود الخلافة، وسنأتى إليكم لنوضح لكم بلسان السلاح، ونسفك الدماء كالأنهار ثأراً للمسلمين".
وما أدهش الباحثة المصرية هو أنه قد ظهر بالإصدار فى الفيديو (الموثق) عدداً من أطفال الإيغور المسلمين الصينيين أثناء تدريبهم داخل "داعش" فى سوريا، فيما أبدت السلطات الصينية إثر ذلك قلقها الشديد، مشيرة إلى أنّ ما يقرب من خمسة آلاف من مسلمى الإيغور فى مقاطعة "شينغيانغ" قد إنضموا للتنظيم الإرهابى، فى حين ذكرت مصادر سورية أنّ عدد المقاتلين الإيغور هناك وصل إلى ما يقرب من 15 ألف مقاتل فى الوقت الحالى مع وجود تهديدات حقيقة لمصالح الصين والخوف من عودتهم لزعزعة إستقرار البلاد، أو إستهداف مصالح الصين فى الخارج وفق تهديدات حقيقية وصلت (فعلياً) لحكومة بكين من طرفهم موثقة عبر فيديوهات وصور.
وعندما بحثت الباحثة المصرية كثيراً فى هذا الموضوع - وبصفتها متخصصة فى الشأن السياسى الصينى - فقد إكتشفت أنه ليس تنظيم "داعش" وحده من نجح فى إستقطاب أعداد من مسلمى الإيغور لصفوفه، بل يوجد أيضاً عدد منهم قد بايعوا (تنظيم القاعدة) الإرهابى وحركة طالبان، وآخرون أنشأوا عدداً من الأحزاب والجماعات الدينية، التى تستغلها الآن بعض الدول مثل تركيا، ومنها: الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية فى ميونيخ بألمانيا، الحزب الإسلامى التركستانى، ومنظمة مؤتمر شباب الإيغور الدولى، ومنظمة تحرير تركستان الشرقية، والمركز الإعلامى لتركستان الشرقية.
ومن هنا، جاء الرد الصينى الرسمى بعمل مراكز "لإعادة تأهيل بعض سكان شينغيانغ" مع عمل برامج متكاملة لهم، الأمر الذى نجحت فيه حكومة بكين بشدة، حيث أننا لم نعد نسمع خلال السنوات الثلاث الأخيرة عن وقوع أى عملية إرهابية فى إقليم "شينغيانغ" الصينى مع إعتراف واشنطن والغرب رسمياً بنجاح الصين فى القضاء على الإرهاب داخل إقليم "شينغيانغ". ولكن توالت الإتهامات الغربية والأمريكية للصين من خلال توصيف واشنطن والغرب لتلك المراكز بأنها "معسكرات إعتقال" بينما تسميها الصين بأنها "مراكز للتدريب والتأهيل وإعادة دمج مواطنى وسكان إقليم شينغيانغ" فى حضن الوطن الأم.
لذا، دارت فى الآونة الأخيرة بعض الضغوط الأمريكية ضد الصين لإستصدار قانون أمريكى بشأن ما يحدث فى إقليم "شينغيانغ" ومحاولة "تسيس" تلك القضية أمريكياً وغربياً.
كل ما حدث وفقاً لتوصيفى السابق، قد وضع الباحثة المصرية فى الفترة الأخيرة أمام أصعب إختبار "أكاديمى" واجهته فى حياتها، ألا وهو توالى إتصالات الدبلوماسيين الأجانب بها ومراكز الفكر الغربية وطلبهم مقابلتها شخصياً، وصحفيين دوليين أتى بعضهم خصيصاً للقاهرة للقائى، بل ومواطنين عاديين يطالبونها جميعاً بتوضيح الحقائق فى إقليم "شينغيانغ"، بإعتبارها هى الأقرب لهذا الملف الشائك من وجهة نظر صينية بحتة. وقبل أن يطالنى أى هجوم "متوقع" من أى طرف من الأطراف السابقة سواء كان عربى أو غربى، فإسمحوا لى جميعاً بتوضيح حقيقة ما يحدث فى إقليم "شينغيانغ" من واقع "خبرة شخصية" أولاً ثم من واقع "خبرة أكاديمية" مرصودة بالأرقام والحقائق.
مع التأكيد للرأى العام المصرى والعربى والإسلامى والمواطن العادى الذى قد لا يفهم الموضوع برمته – ومنهم صحفى معروف أرسل لى رسالة عبر تطبيق الواتس آب بأن ما فعلته واشنطن ضد الصين هو عين العقل والصواب - على أن ما فعلته واشنطن من فرض عقوبات ضد الصين بشأن ما يحدث فى إقليم "شينغيانغ" ليس من حق واشنطن بل هو دور "المجتمع الدولى" المتمثل فى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، وبالتالى فما فعلته واشنطن من فرض عقوبات "منفردة" ضد الصين هو بمثابة "ظاهرة جديدة وعجيبة لم يألفها المجتمع الدولى من قبل"، فمن غير المفهوم أن يجتمع برلمان إحدى الدول أو هيئاتها التشريعية ويتم الإتفاق مع بعض و "سوياً" على فرض عقوبات على دولة أخرى وعمل "دعاية دولية" لما فعلته تماماً كما فعلت واشنطن ضد الصين. وبالتالى، فإن ما حدث هو "أمر مضحك" و "خارج عن نطاق المنطق والعقل"، ومحاولة إقناع المواطن البسيط به وهو الذى لا يفهم شيئاً عن أمور الحكم والسياسة وكيفية إدارة العلاقات بين الدول. وهذا هو ما تحاول أن تمرره "واشنطن" لأصحاب العقول "المغيبة" ولمن لا يفهمون شيئاً فى الشئون الدولية، ومحاولة "واشنطن" كالعادة تقديم نفسها بأنها هى "راعية حقوق الإنسان الدولية".
أما فيما يخص الجانب الآخر عن تساؤل الجميع عن سبب إهتمام واشنطن بملف "حقوق الإنسان فى شينغيانغ" كذلك ملف الحريات فى "هونغ كونغ" وخلافه، فالإجابة تجدها فى أهم تحليل قرأته فى الفترة الأخيرة - وشاركنى فيه الخبراء الصينيين خلال زيارتى الأخيرة لبكين- للكاتب "شابير كازمى"، والذى نشر فى موقع "أوراسيا ريفيو" والذى تناول فيه ما يراه من أن سياسة واشنطن فى المنطقة تهدف بالأساس إلى تهديد أمن الصين من خلال نشر التوترات فى الأماكن التى تعتمد على مصالحها.
يقول الكاتب "شابير كازمى" إنه على الرغم من أنه كثيراً ما يرفض نظريات المؤامرة، إلا أنه فى بعض الأحيان يميل إلى تبنيها إذا ساعدت فى الحصول على منظور أفضل. ومن إحدى نظريات المؤامرة النظرية التى تقول إن الولايات المتحدة تخلق إضطرابات فى أى منطقة يفترض أن للصين مصالح بها. وأعتقد أن ذلك هو وجهة نظر الصين الرسمية حيال الوضع المضطرب فى منطقة "شينغيانغ" ودور الولايات المتحدة بها لتوتير العلاقات بين الصين والدول الإسلامية.
*** وفى السطور القادمة فأنا سأبرز عدد كبير من القضايا (المفتاحية) المتعلقة بعلاقة الصين بإقليم "شينغيانغ" وعلاقتها بالدول الإسلامية، مدعمة بالحقائق والأرقام والتحليلات، حتى تتضح الصورة كاملة أمام الرأى العام العربى والغربى على السواء، كالآتى:
- القضية الأولى: بداية علاقتى الشخصية بملف الإسلام السياسى مع الصين، والتساؤل الصينى عن سبب عدم إدراج "واشنطن" لجماعة الإخوان المسلمين كإرهابية رغم علاقة "الإخوان" الموثقة بتنظيم "داعش" الإرهابى؟
- القضية الثانية: معلومات عن حركة تركستان الإرهابية الإنفصالية، وأهم أنشطتها الإرهابية فى إقليم شينجيانغ وخارج الصين، وعلاقتها بتركيا
- القضية الثالثة: معلومات (موثقة) عن حجم التنمية والتقدم فى إقليم شينجيانغ، وعمل بعض المقابلات (الحقيقية) مع بعض خريجى مراكز التأهيل فى إقليم "شينغيانغ"
- القضية الرابعة: إهتمام الصين بالمسلمين وبإقامة المساجد والجمعيات الإسلامية فى جميع أنحاء البلاد بالأرقام والإحصائيات
- القضية الخامسة: هل ما يحدث فى إقليم "شينغيانغ" يعد "مراكز إعتقال للمسلمين" وفق الرواية الأمريكية أم (مراكز للتأهيل المهنى) وفقاً للرؤية الصينية؟ والرد التوضيحى على رواية فصل الأطفال عن أمهاتهم فى تلك المراكز
- القضية السادسة: "تسييس" مسألة الحقوق الإنسانية من قبل واشنطن
- القضية السابعة: شرح موجز لقانون مجلس النواب الأمريكى ضد الصين
- القضية الثامنة: "تراجع" الرئيس التركى "أردوغان" بشأن تصريحاته حول إقليم "شينغيانغ" وتأكيده مؤخراً على إزدهار الإقليم
- القضية التاسعة: إنقسام الأمم المتحدة والمجتمع الدولى حول الحقوق الإنسانية فى إقليم شينجيانغ الصينى
- القضية العاشرة: هل سترضخ حكومة بكين لتلك الضغوط الأمريكية المتعلقة بإقليم شينجيانغ الصينى؟
- القضية الأخيرة والأهم: رؤية جديدة تقدمها الباحثة المصرية لحل الخلاف توافق عليها الصين
أطالب مصر والسعودية كدول إسلامية بدور الوساطة بين بكين وعرقية الأويغور أمام المجتمع الدولى بعيداً عن واشنطن
- ويمكن عرض تلك القضايا فى هذا الملف، كالآتى:
- القضية الأولى: بداية علاقتى الشخصية بملف الإسلام السياسى مع الصين، والتساؤل الصينى عن سبب عدم إدراج "واشنطن" لجماعة الإخوان المسلمين كإرهابية رغم علاقة "الإخوان" الموثقة بتنظيم "داعش" الإرهابى؟
ربما كنت من الأكاديميين القلائل فى المنطقة والعالم التى حظيت بعلاقات وثيقة مع خبراء الصين وأكاديمييها فى ملف "الإسلام السياسى"، وساعد على ذلك هو تنامى ظاهرة ظهور الإسلاميين فى مصر والمنطقة عقب ثورات "الربيع العربى" تحديداً بعد عام 2011، كنت حينها أدرس فى "جامعة بكين" العريقة وكنت شاهدة حية على إفتتاح مركز "دراسات الشرق الأوسط" لصديقى البروفيسور الصينى الدكتور/ وانغ سولاو Wang Suolao وذلك قبل إنقلاب الشارع المصرى والعربى على جماعة "الإخوان المسلمين" وأنصارها. كان هناك إهتمام صينى غير عادى بتنامى ظاهرة ظهور "الإسلاميين" وما يمكن أن يشكلونه من خطر أو ترحيب على مصالح الصين المتنامية فى المنطقة.
أتذكر حينها جيداً أننى عملت حوار (منشور) – يمكن للجميع الإطلاع عليه وقراءته بكل سهولة - فى جريدة الشروق المصرية يوم الثلاثاء الموافق 13 ديسمبر 2011، بعنوان: "على القوى الإسلامية الصاعدة للحكم أن تتعلم لعبة المصالح الدولية المعقدة: الصين تسعى للتحالف مع (الإسلام السياسى) ضد أمريكا".
تحدثت خلال هذا اللقاء "المنشور" عن رؤية الصين لصعود التيارات الإسلامية فى مصر بعد ثورة 25 يناير، وأصارحكم القول أننى نقلت للجانب المصرى والعربى وقتها وجهة النظر الصينية الرسمية، وتحدثت بشكل إيجابى عن صعود التيارات الإسلامية وضرورة تقاربها مع الصين، وضرورة خلق قنوات إتصال بين الإسلاميين والصين. وتشجيعى للتيارات والأحزاب الإسلامية بضرورة زيارة الصين من أجل أن يتعرف عليهم الصينيون عن قرب وعن توجهاتهم، وما إذا كانت متطرفة أم لا؟
ولا أخفيكم سراً، عن الإهتمام المتزايد من قبل الصينيين بصعود التيارات الإسلامية فى العالم العربى، ولاسيما فى مصر بعد ثورات الربيع العربى، وعلى رأسهم الجماعات السلفية التى خرجت من جحورها بعد الثورة المصرية، وأضحى لها جمهورها ومؤيديها لدى بعض القطاعات فى الشارع المصرى، فضلاً عن التساؤل الصينى المتزايد لى: حول الفروق الجوهرية بين السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين، بل بينهم وبين الجماعات الإسلامية الأخرى فى الشارع السياسى المصرى؟
فبالتالى، فالصين لديها وفق هذا التصور عدد كبير من خبراء "الإسلام السياسى" الذين يستفاد منهم "صانع القرار" الصينى عند وضع أى رؤية أو سياسة تخص سواء مسلمى إقليم "شينغيانغ" فى الداخل الصينى أو تجاه أى سياسة تخص أياً من المجتمعات الاسلامية فى الخارج.
وتعتقد الباحثة المصرية أن محاولة تقارب الرئيس الصينى "شى جين بينغ" من خلال رسالته لقادة الدول الإسلامية المشاركة فى قمة مكة فى مايو 2019تأتى من خلال نصائح وتقارير خبراء "الإسلام السياسى الصينيين" من أجل "إزالة الحرج" عن قادة الدول الإسلامية من خلال توحيد رسالة الصين بشأن تقاربها وتضامنها مع العالم الإسلامى وفق رؤية "شى" الخاصة بـــ "مبادرة الحزام والطريق" الصينية المعروفة بـــ "المصير المشترك للبشرية"، وهذا يتفق مع وجهة نظر الباحثة التحليلية حول ما صرح به رئيس الوزراء الباكستانى "عمران خان" خلال لقاء معه فى شهر مارس 2019 رداً على سؤال حول الوضع فى "شينجيانغ"، فأجاب: "بصراحة، لست مطلعاً كثيراً على الوضع".... ونفس الإجابة يدور فى فلكها الكثيرون من قادة وزعماء ومسئولى الدول الإسلامية.
ومن هنا، جاء التركيز الأكبر من قبل الرئيس "شى" إلى ممثلى بلدان آسيا الوسطى الإسلامية لتوصيل رسائل (محددة) من خلاله إلى العالم الإسلامى، أن قادة الصين يأملون فى أن يكون لتطوير آسيا الوسطى تأثير "إرتدادى" على "شينجيانغ". فالأمر "من وجهة نظر الصين، هو أن الرد على المدى البعيد على مشكلات شينجيانغ، يمر عبر الإزدهار الإقتصادى".
لذا، جاء بيان ترحيب قادة الدول الإسلامية المرحبة ببيان الرئيس "شى" أمام قمة مكة، وكأن الأمر أشبه بأن "عليها أن تدير هذه العلاقة مع بذل أقصى الجهد لتمثيل شعوبها فى الوقت نفسه".
ومن خلال قرب الباحثة المصرية الشديد من مراكز الفكر الصينية المعنية بالإسلام السياسى، أمكننى جمع عدد كبير من الدراسات الصينية حول رؤيتهم للإسلام السياسى فى مصر والمنطقة، وهذا ما أكده الباحث الصينى "وو يى هونغ" Wu Yihong كبير الباحثين فى "مركز فكر تشاينا تاى خو" China Taihe Think Tank فى تحليل لوكالة أنباء شينخوا فى 1 مايو 2019 بشأن رغبة واشنطن السابقة فى إدراج جماعة الإخوان كإرهابية "بأن الولايات المتحدة حاولت تحقيق الفوز والإنتصار فى منطقة الشرق الأوسط، وعمل تكتل مع مصر، وتشجيع تشكيل "تحالف إستراتيجى فى الشرق الأوسط" لاحتواء إيران فى المنطقة أمنياً وسياسياً وإقتصادياً".
بالإضافة إلى ذلك - وفقاً لتحليل الباحث "وو يى هونغ" - فإن حكومات تركيا ودول أخرى مؤيدة للإخوان المسلمين بمجرد إدراج الولايات المتحدة جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، ستصبح علاقاتها مع دول مثل تركيا أكثر توتراً، وقد تؤثر على الوضع الإقليمى برمته.
وخلص الباحث "وو يى هونغ" بأن منطقة الشرق الأوسط قد تشتعل إذا ما تم بالفعل إدراج الإخوان كجماعة إرهابية، حيث ساق الباحث "وو" الدليل على ذلك بأن تلك المنظمة المتطرفة (داعش) أو ما يسمى بــ "الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا" قد نشرت شريط فيديو يوم 29 أبريل 2019، يشتبه فى أن أكبر قادة المنظمة (أبو بكر البغدادى) ظهر به وهدد بشن مزيد من "إجراءات الانتقام" إذا تم إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة فى هذا الوقت، حيث سيتم إجبارنا على أن نسلك طريق التطرف، كما أن تهديد الإرهاب الإقليمى سوف يزداد حدة. مع تأكيد الباحث الصينى "وو" فى نهاية تحليله بأن هناك العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنتشرين حول العالم، فضلاً عن العديد من فروع الإخوان لدى دول الشرق الأوسط، لذا، وبالنظر إلى نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، إذا قررت حكومة ترامب أخيراً إدراجها كمنظمة إرهابية وفرض عقوبات عليها، فإن ذلك قد يجلب المزيد من عدم الإستقرار فى المنطقة.
وفى تحقيق وتحليل عميق منشور بالصينية للباحث الصينى (تشو دونغيانغ ليو تشن) Zhu Dongyang Liu Chen على موقع وكالة أنباء شينخوا الصينية الرسمية Xinhua بتاريخ 1 مايو 2019، بعنوان: لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تعطى علامة "حظر" لجماعة الإخوان المسلمين؟ ?美国为什么要给我兄弟一个恐怖标签呢 Měiguó wèishéme yào gěi wǒ xiōngdì yīgè kǒngbù biāoqiān ne?
حيث أكد الباحث الصينى "تشو" بأن الخطوة الأمريكية فى إدراج الإخوان كجماعة "إرهابية" ربما جاءت متأخرة فى واشنطن نتيجة لنظرية "كتم الصوت" خاصةً فيما يتعلق بأى شئ يتعلق بجماعة الإخوان الإرهابية داخل البيت الأبيض.
ومن هنا، ووفقاً للعرض السابق بشأن رؤى مراكز الفكر الصينية الرسمية والأكاديميين الصينيين للجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية - من وجهة نظر صينية بحتة - يتضح إتفاق نهج الصين "رسمياً" بقيادة الرئيس الصينى "شى جين بينغ" مع نهج الرئيس المصرى "عبد الفتاح السيسى" فى إعتبار الجماعة "إرهابية" ولديها تقاطعات وتشابكات دولية عديدة مع بلدان ومناطق أخرى فى العالم، خاصةً مع تقارير الإعلام الصينى الرسمى بوجود أكثر من خمس آلاف مقاتل إيغورى من إقليم "شينغيانغ" الصينى المسلم، تم تجنيدهم للعمل مع تنظيم داعش -ذات الإمتداد مع جماعة الإخوان المسلمين - وللقيام بعمليات إرهابية لضرب مصالح مصر والصين معاً.... لذا، يتفق النهج الصينى الرسمى مع النهج المصرى الرسمى فى ضرورة إدراج جماعة الإخوان المسلمين كجماعة "إرهابية" محظورة.
وأنا شخصياً، أتساءل وأضم صوتى إلى جانب أصوات الباحثين والأكاديميين الصينيين المعنيين بالشرق الأوسط عن سبب عدم إدراج واشنطن لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية حتى الآن، مع وجود مؤشرات فعلية توصل إليها باحثو الصين وأكاديميها فى ملف الإسلام السياسى حول علاقة الإخوان المسلمين مع تنظيم "داعش" المتطرف فى سوريا.
- القضية الثانية: معلومات عن حركة تركستان الإرهابية الإنفصالية، وأهم أنشطتها الإرهابية فى إقليم شينجيانغ وخارج الصين، وعلاقتها بتركيا
ثبت علاقة بعض الدول ومنها تركيا، كما بعض التنظيمات الإرهابية المتطرفة، بقومية الإيغور المسلمة بشمال الصين، حيث قامت بنقل بعضهم إلى سوريا، وسهلت مرورهم إلى تنظيمات إرهابية، كما نقلت بعضهم إلى دول مثل مصر، ولعل ذلك هو السبب فى طلب السلطات الصينية فى السابق تسليم بعض عناصر من شباب الإيغور من المقيمين فى القاهرة لفتح تحقيق معهم حول هذا الأمر.
ونظراً لأن أصول الإيغور من الأقلية القومية التركية في "شينجيانغ" الصينية، فإنهم نشطوا مؤخراً كورقة ضغط تركية على الصين، وتحريكهم ضد الحكومة المركزية في بكين، من أجل إقامة دولة (تركستان الشرقية).
وترى الصين في "حركة "إستقلال تركستان الشرقية"، التحدّى الأبرز على مستوى الأمن والإقتصاد والإستقرار الإجتماعى، وتُعتبر تركيا الداعم السياسى الأبرز لها، إن لم يكن الوحيد، مع معلومات متداولة عن أنّ عدد الإيغور فى تركيا نفسها يصل إلى 300 ألف، وأنّ أنقرة منحت جوازات سفر تركية لحوالي 100 ألف ممن لجأوا إليها منهم فى العقود الماضية.
ويتنامى القلق الصينى من تزايد إحتمالات وقوع أعمال إرهابية فى "شينجيانغ" أو غيرها على يد الإيغور المتطرفين، حتى إنّ السلطات المحلية فى الإقليم رصدت أخيراً مكافآت تصل إلى مائة مليون يوان صينى (14.5 مليون دولار) لمن يقدم أى معلومات عن الأنشطة الإرهابية المحتملة، وتتدرج المكافآت بحسب نوع المعلومات المقدمة، لتصل إلى 5 ملايين يوان صينى (725 ألف دولار) لمن يبلغ عن عمل إرهابى مقبل.
فمن خلال خبرة عملية، فإن معظم العمليات الإرهابية التى شهدتها الصين فى الفترة الأخيرة، ومنها تفجير محطة قطار "كونمينغ" فى منطقة "يونان" الصينية، وغيرها من العمليات الإرهابية التى أعلنت حركة "تركستان الإرهابية فى إقليم شينغيانغ" مسئوليتها عنها فى بيانات رسمية، وتقول الصين إن "شينجيانغ" تواجه تهديداً خطيراً يتمثل فى الإسلاميين المتشددين والإنفصاليين الذين يتآمرون لتنفيذ هجمات عنيفة وإثارة التوتر بين أقلية الويغور، وأغلبها من المسلمين، وعرق (الهان) الصينى الذى يمثل الأغلبية.
وإستجابة لذلك، بدأت الحكومة الصينية فى تسيير دوريات تشمل عدداً كبيراً من أفراد الشرطة وفرضت إجراءات جديدة للمراقبة ومكافحة الإرهاب فى أنحاء المنطقة ومن بينها تأسيس الآلاف من مراكز الشرطة فى أركان شوارع المدن والبلدات فى "شينغيانغ".
ومن هنا، يأتى الإهتمام الصينى بمكافحة الإرهاب فى إقليم "شينغيانغ" ودعم دول المنطقة والعالم فى مكافحة الإرهاب، خاصةً مع توسع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والتخوف الصينى من تلك العواقب والمخاطر الأمنية لبناء مشاريع إستثمارية وإقتصادية ضخمة فى مناطق تعانى من ويلات الحروب الأهلية والفوضى وعدم الإستقرار وفشل أجهزة الدولة فى البلدان المعنية من التصدى له.
لقد أصبحت الصين بالفعل هدفاً فى بلدان مثل باكستان، حيث هوجِمَت قنصليتها وكان مواطنون صينيون، من بينهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال بارزون، عرضة للهجمات والإختطاف من أجل الحصول على فدية. (فقد أعلنت جماعة انفصالية باكستانية تُعرف بإسم (جيش تحرير بلوشستان) مسؤوليتها عن الكثير من تلك الهجمات). كذلك كان المواطنون الصينيون ضحايا لأحداث إرهابية أخرى فى أفريقيا أيضاً، حيث هاجمت جماعات مرتبطة بتنظيمَى "الدولة الإسلاميّة" و "القاعدة" أهدافاً سهلة وضعيفة من بينها فنادق. وهى كلها حوادث إرهابية تعرضت لها الصين - مصالحها ومواطنوها - فى أنحاء متفرقة عبر العالم، مع عدم تغطية وتسليط وسائل إعلامنا المصرية والعربية لها نتيجة لقصور المعلومات المتداولة لدينا عن الصين، وما تتكبده وتعانيه - داخلياً وخارجياً - فى مجال مكافحة الإرهاب.
- القضية الثالثة: معلومات (موثقة) عن حجم التنمية والتقدم فى إقليم شينجيانغ، وعمل بعض المقابلات (الحقيقية) مع بعض خريجى مراكز التأهيل فى إقليم "شينغيانغ"
تعمل الحكومة الصينية بكل جهدها على محاربة الإرهاب والتطرف وحماية الشباب من خلال إقامة مشاريع كبيرة وخاصة فى القرى الفقيرة فى الإقليم، حيث إشتركت الحكومات المحلية فى 19 مقاطعة وبلدية صينية من بينها بكين، وشنغهاى، وقوانغدونغ، وتشينغ يانغ، ولياونينغ فى التعهد "بتنسيق المساعدات" لدعم المشروعات الخاصة بتعزيز تنمية الزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا، والتعليم، والخدمات الصحية فى المنطقة.
وعلى سبيل المثال، ففى قرية (بيغ أواتى) عملت حكومة بكين على إقامة مشروع تكلف ملايين اليوانات الصينية لتوفير أكثر من 400 ألف فرصة عمل إضافة إلى مشاريع أخرى.
ووفقاً لما ذكره موقع إدارة إقليم "شينغيانغ" فقد تم تخصيص إستثمارات ضخمة فى منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الأويغور شمال غربى الصين تتراوح قيمتها بين 120 ملياراً و140 مليار يوان فى بناء طرق عامة بطول 68 ألف كيلومتر، تم الإنتهاء منها فعلياً فى فترة الخطة الخمسية الثانية عشرة من (2011 / 2015).
كما عملت حكومة إدارة إقليم "شينغيانغ" على بناء ستة مطارات أخرى فى "شينجيانغ" خلال فترة الخطة الخمسية الــــ 12 فى الفترة من (2011-2015) ليصل مجموع المطارات هناك إلى 22 مطاراً.
*** وبعمل لقاءات حقيقية مع بعض الشباب خريجى "مراكز إعادة التأهيل" الصينية، إتضحت الحقائق التالية:
1- عند لقائى مع شاب من منطقة "خوتيان" إلتحق بأحد المراكز التدريبية فى "شينغيانغ" عام 2017، أكد أنه كان لا يعلم شيئاً عن القوانين التي تضعها الدولة الصينية، إلا أنه تعلم الكثير. والأهم لدى الباحثة المصرية، هى تأكيده على السماح له بزيارة عائلته نهاية كل أسبوع.
2- أكد بعض الشباب خريجى مراكز التأهيل فى "شينغيانغ" فى مقابلات معهم مدى حرص الحكومة الصينية على متابعة الشباب وتأمين مستقبلهم، حيث أحدهم أنه تقدم بطلب رسمى إلى الحكومة الصينية من أجل مساعدته على شراء منزل بقيمة 150 ألف يوان، فتكفل مكتب الحزب الشيوعى فى "شينغيانغ" بدفع 100 ألف يوان من قيمة المنزل.
3- وهناك شاب آخر إلتقيت به ساعده مكتب الحزب الشيوعى فى الإقليم على العمل فى أحد مصانع الأحذية بعدما رشحه المركز للقائمين على المصنع بعد خروجه منه، ويتقاضى ألفى يوان شهرياً.
4- وهناك شباب آخرين وشابات ساعدتهم مراكز إعادة التأهيل - التى ينتقدها الغرب - فى دراسة وتعلم فنون أعمال ميكانيكا السيارات والخراطة والنجارة والسباكة والخياطة، وغيرها من الحرف الأخرى فى المركز.
كما تبذل الحكومة المحلية فى "شينجيانغ" جهوداً ذاتية لتنمية المنطقة وتستفيد من تجارب شباب الخريجين من "مراكز التأهيل".
- القضية الرابعة: إهتمام الصين بالمسلمين وبإقامة المساجد والجمعيات الإسلامية فى جميع أنحاء البلاد بالأرقام والإحصائيات
من خلال قرب الباحثة المصرية الشديد من المجتمع الصينى، إستطاعت تتبع حرص الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين - خاصةً فى الفترة الأخيرة - على إنشاء عدد من "الجمعيات الإسلامية" فى عدد من المدن المختلفة فى الصين، مع الحرص على تواصلهم مع دول منظمة التعاون الإسلامية لإحداث نوع من التقارب بين الصين والعالم الإسلامى. ومن الجمعيات التى أُسست فى الصين لتحقيق هذا الغرض هى "جمعية الدين الإسلامى بالصين" فى مدينة "شنغهاى"، و "جمعية الثقافة الإسلامية الصينية" فى مدينة "قويلين" Guìlín 桂林 بمنطقة "قوانغشى"Guǎngxī 广西
وبعد تأسيس الدولة الصينية الحديثة على يد الحزب الشيوعى الصينى، تم توحيد كل الجمعيات الإسلامية فى شكل جمعية صينية إسلامية (رسمية) أُطلق عليها "الجمعية الإسلامية الصينية"، وقد عُقد أول مؤتمر لمُمثلى الحزب الشيوعى فى 11 مايو 1953، فى العاصمة الصينية بكين، وأُعلن رسمياً عن إنشاء "الجمعية الإسلامية الصينية"، وأنشئ العديد من الأفرع لهذه الجمعية فى العديد من المقاطعات والمدن الصينية. وكان للجمعية دوراً بارزاً فى تكوين جسر من التواصل بين المسلمين من مختلف القوميات والحزب الحاكم وقيادات الدولة، وإستفادت الحكومة الصينية من تحقيق تواصل عبر قنوات رسمية وغير رسمية بين الجمعية ودول بلدان منظمة التعاون الإسلامى لإحداث مزيد من التقارب بين الصين ودول العالم الإسلامى.
ولعل الأمر اللافت هنا هو رسالة الرئيس الصينى "شى جين بينغ" يوم الجمعة الموافق 31 مايو 2019، عندما بعث برسالة تهنئة بمناسبة إفتتاح (القمة الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامى) فى مكة المكرمة بالسعودية. وقال (شى) فى رسالته إن منظمة المؤتمر الإسلامى هى رمز للوحدة بالنسبة للبلدان الإسلامية، وهو يقدر تقديراً كبيراً الإسهامات التى قدمتها منظمة المؤتمر الإسلامى فى تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية منذ إنشائها قبل 50 عاماً.
وقال (شى) فى رسالته أن الصين والدول الاسلامية تتمتعان بعلاقات ودية تقليدية وصداقة عميقة وكذلك دعم متبادل وتعاون مخلص. وقال إن الصين تعلق أهمية كبيرة على العلاقات الودية مع الدول الإسلامية وتتطلع إلى منظمة المؤتمر الإسلامى كجسر مهم للتعاون بين الصين والعالم الإسلامى.
وكان أبرز ما جاء فى خطاب الرئيس "شى" هو حديثه عن تطلع الصين وإستعدادها للعمل مع الدول الإسلامية لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة وتعزيز التعاون العملى والحوار بين الحضارات، من أجل خلق مستقبل أفضل للعلاقات الودية بين الصين والعالم الإسلامى والمساهمة فى دفع بناء مجتمع مع مستقبل مشترك للبشرية.
ودهشت الباحثة المصرية حينما علمت من الجانب الصينى أن عدد المساجد فى الصين يبلغ حوالى (42 ألف مسجد) منتشرة فى عموم الصين، وأن (رابطة علماء المسلمين الصينيين) تضم أكثر من خمسين ألف إمام. ولا شك أن مسلمى الصين يعانون من بعض المشاكل المعيشية حالهم حال بقية السكان.
وتولى الحكومة الصينية إهتماماً كبيراً فى الفترة الأخيرة لتطوير العلاقات والإتصالات بين مسلمى الصين ودول بلدان العالم الإسلامى لشرح وجهة نظر الصين إزاء ما يحدث على إقليم "شينغيانغ" الصينى ذات التركز الإسلامى، وما تواجهه الصين من إتهامات فى هذا الشأن بإساءة معاملتهم من قبل بعض شعوب وبلدان العالم الإسلامى. ويمكن تتبع علاقات الصين "إجمالاً" مع العالم الإسلامى من خلال:
1- تعتبر الصين حليفاً للعالم الإسلامى فى العديد من المسائل، خاصةً حقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وسعيها لطرح "صفقة قرن صينية" فى مواجهة "صفقة القرن الأمريكية" فى المنطقة.
2- قدمت الصين الدعم للسودان واليمن وفلسطين والصومال وغيرها من شعوب المنطقة، ووقوفها مع جهود "إعادة الإعمار" فى عدد من بلدان العالم الإسلامى، كما تعمل الكثير من أجل تحقيق الإستقرار فىي باكستان، من خلال إعادة تحديث البنية التحتية الباكستانية وإنشاء "ميناء جوادر الباكستانى" فى إطار مبادرة الصين للحزام والطريق.
3- أعلنت كلاً من الصين وروسيا بإعتبارهما دولتين كبيرتين فإنهما تتحملان المسؤولية عن منطقة آسيا الوسطى، والتى تقطنها أغلبية مسلمة، وهذا أحد العوامل التى ساعدت على قيام منظمة شنغهاى للتعاون، وقد دخل إلى هذه المنظمة عدد مهم من الدول الإسلامية بصفة مراقبين.
4- أما عن أهداف بكين فى الشرق الأوسط والتى على أساسها تحدد خريطة علاقاتها الخارجية فتتمحور فى ثلاثة أهداف: الأمن فى مجالات الطاقة، وتوسيع نطاق المشاريع والشركات والإستثمارات التابعة لها خاصة فى مجال التكنولوجيا والإتصالات، وضمان عدم تعرّض إستثماراتها فى طريق الحرير الجديد للخطر.
5- وأخيراً، لقد سعت الصين دائماً للحفاظ على علاقات مستقرة مع دول الشرق الأوسط دون التطرق للجانب الدينى أو الأيديولوجيا السياسية، وتتجنب أيضاً إتخاذ موقف حازم تجاه الإتجاهات السياسية فى هذه المنطقة متعددة الإنتماءات، وركَّزت بدلاً من ذلك على ما يمكن الوصول إليه من تعاون إقتصادى، خاصة فى إطار مبادرة "الحزام والطريق"، لذا فإن هذه الدول الإسلامية فى الشرق الأوسط ترحب بالتجارة والاستثمار مع الصين، التى لا تفرض أى أيديولوجية كما يفعل الشركاء الآخرون، خاصة الولايات المتحدة".
- القضية الخامسة: هل ما يحدث فى إقليم "شينغيانغ" يعد "مراكز إعتقال للمسلمين" وفق الرواية الأمريكية أم (مراكز للتأهيل المهنى) وفقاً للرؤية الصينية؟ والرد التوضيحى على رواية فصل الأطفال عن أمهاتهم فى تلك المراكز
تم توجيه إتهامات أمريكية إلى حكومة بكين بأنها تحتجز ما يصل إلى مليون من المسلمين الأويغور فى معسكرات فى إقليم شينجيانغ، لكن السلطات الصينية تنفى هذا العدد وتؤكد أن هذه المعسكرات ليست سوى (مراكز للتأهيل المهنى) لمكافحة التطرف. والشئ العجيب هو أن مشروع قانون مجلس الشيوخ الأمريكى سيستحدث مناصب داخل وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالات الإستخبارات الأمريكية لدراسة القضايا المتعلقة ببرنامج الإعتقال المستمر، مما يزيد الضغط الذى تمارسه واشنطن على الصين بسبب الإتهامات الأمريكية بإحتجاز الصين ما يصل إلى مليون شخص، معظمهم من أقلية الإيغور العرقية المسلمة، فى معسكرات تثقيف سياسى غير قانونية. وهذا ما تنفيه الحكومة الصينية بشدة.
وتصف بكين هذه المجمعات بأنها "مراكز تدريب تعليمى" للمساعدة فى القضاء على التطرف وإكساب الناس مهارات جديدة. ومن هنا، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى "مايك بومبيو" يوم الجمعة الموافق 6 سبتمبر 2019، أن واشنطن ستعبىء المجتمع الدولى دفاعاً عن "المسلمين الأيغور" وذلك خلال إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، معتبراً أن كيفية تعامل "بكين" مع هؤلاء تشكل "وصمة" فى سجل حقوق الإنسان فى العالم.
أما عن توصيف تلك المراكز بدقة وفقاً لخبرة الباحثة المصرية، فقد أطلقت "شينجيانغ" برنامجاً للتعليم والتدريب المهنى بما يتوافق مع القانون ليس له علاقة (فعلية) بأى تعذيب أو إعتقال، يهدف إلى التخلص من البيئة والتربة التى تغذى الإرهاب والتطرف الدينى كالفساد والفقر، ومنع الأنشطة الإرهابية العنيفة". فهناك ملاعب متكاملة، وأنشطة تدريبية وترفيهية على أحسن طراز، بل ومعلمين للموسيقى والغناء والرقص لتدريب "نزلاء تلك المراكز التأهيلية"، وبرامج لتعليم "النشيد الوطنى للصين"، وبرامج تأهيلية لتعلم مهن وحرف وعدة لغات أجنبية، مع وجود مطاعم ودول صحى وترفيهى كامل، خاصةً للأطفال.
وأنا شخصياً يتم سؤالى عن موضوع فصل أطفال "شينغيانغ" عن أمهاتهم، فأنا أؤكد أنه توجد "برامج وحضانات خاصة" داخل تلك المراكز التأهيلية، بحيث يتم توجيه برامج خاصة وفقاً لعمر كل طفل للإرتقاء بهم فى المستقبل، وعودتهم طبعاً إلى حصن أمهاتهم فى تلك المراكز التأهيلية.
وتركز الحكومة الصينية على إقامة مدارس للأطفال وتوفير إحتياجاتهمحيث التعليم مجانى لإعطاء الفرصة لجميع العائلات فى الإقليم لإلحاق أبنائهم فى المدارس.
وتؤكد الباحثة "أن الولايات الأربع (المعنيين بالحملة الصينية بالأساس فى شينغيانغ) يقعوا تحديداً فى جنوب "شينجيانغ" على وجه الخصوص، حيث واجهت تلك المناطق الأربع تحديداً عدد من التهديدات والتفجيرات الإرهابية التى أعلنت "حركة تركستان الشرقية الإرهابية الإنفصالية" مسئوليتها الكاملة عنها، وتأثرت كثيراً بإنتشار التطرف الدينى فى الماضى. فبعض سكان هذه الولايات لا يعرفون إلا القليل عن اللغة المشتركة للبلاد، كما أن شعورهم بالقانون ومعلوماتهم عنه محدودة للغاية، وغالباً ما يواجهون صعوبات فى الحصول على وظيفة نظراً للمهارات التدريبية المحدودة".
حيث "أن هذه الظروف أرست أساساً مادياً ضعيفاً للسكان فى "شينغيانغ" للعيش والعمل هناك، ما جعلهم عرضة للتحريض والإكراه من جانب الإرهاب والتطرف، ومن ثمّ هناك جهود تستهدف مكافحة بيئة وتربة الإرهاب والتطرف الدينى".
وخلال العام الماضى، ذهب الإعلام الصينى الرسمى للقول "بأنه يجب إنقاذ مقاطعة شينجيانغ من أن تتحول إلى سوريا أو ليبيا الصين".
- القضية السادسة: "تسييس" مسألة الحقوق الإنسانية من قبل واشنطن
إن أول نقطة فى حديثى الموجه أصلاً لكل من أشاد بدور (واشنطن) فى الدفاع عن (مسلمى الصين) فى "شينغيانغ" بإعتبارها دولة "غير مسلمة" تدافع عن "مسلمين" بأن يفهم اللعبة جيداً، بأن "واشنطن" بالأساس لم تلجاً للمنظمات الدولية المعنية لفعل هذا الشئ بل لجأت لبرلمانها وسلطاتها وعمل "دعاية مكثفة" و "تسليط الضوء" على جهودها للدفاع عن (قضايا المسلمين) التى هى أصلاً "جهود غير سليمة" وليست منضبطة بلغة القانون.
ومما يعزز فكرتى العبقرية، والتى أطرحها وانا كلى ثقة من أنها ستثير حفيظة واشنطن ضدى كأكاديمية مصرية متخصصة فى الملف السياسى الصينى، هى أنه إذا كانت "واشنطن" حقاً تحاول أن تطرح نفسها أمام المجتمع العربى والإسلامى كمدافعة عن حقوقنا كمسلمين، إذاً فأين هى "واشنطن" من محاسبة ومعاقبة مجرميها وجرائمهم ضد العراقيين والمسلمين فى معسكر "جواتيمالا" والشهادات "المخيفة" بشأن ما تعرض له مسجونى ومعتقلى معسكر "جواتيمالا".... وبلغة الحقوقيين المحترفين فإن (التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم).
وعلى هذا المنوال، فأنا أطالب المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى (البرلمان) بعمل إجتماع أيضاً وحشد آلة "الدعاية الدولية" لفضح جرائم "واشنطن" السابقة فى "جواتيمالا" والعراق وأفغانستان وغيرها حول العالم.
بل وعلى هذا المنوال أيضاً، فأنا أطالب كل دولة من دول العالم التى لها مشاكل مع "واشنطن" بأن تحشد برلماناتها وإعلامها وأن تفرض عقوبات ضد واشنطن بشأن أى إنتهاك إرتكبته "واشنطن" ضدها أو فى حقها.
بل ولقد ضحك دبلوماسيين أجانب إلتقيت بهم منذ أيام قليلة، بأنه لو كان من حق برلمانات الدول أن تجتمع وتفرض عقوبات ضد دول أخرى، فأنا أيضاً سأطالب برلمان وطنى "مصر" بأن يجتمع ويفرض عقوبات ضد كل من لا يعجبه أو يضايقه من دول أخرى تتهمنا بأى إتهامات، بل وسأطالب برلمان "الصين" بأن يجتمع ويفرض أيضاً ما يشاء من عقوبات ضد كل من يكيل لدولته أى إتهامات.
ومن هنا، فأنا أثرت أن أبدأ مقالتى التحليلية "الخطيرة" بمحاولة "إبراز" كل هذا العبث الذى يحدث، ومحاولة توضيح الحقائق خطوة بخطوة أمام الرأى العربى المصرى والعربى والإسلامى.... مع إستعدادى الكامل للوقوف أمام الجميع والتحدث بما لى وما على، لأننى أعتبر أن ما يحدث فى "شينغيانغ" هى بمثابة "قضية تاريخية".
وأنا قد وضعت الحل فى يد "القيادة الصينية" بأن قضية "شينغيانغ" هى قضية تخص المسلمين، لذا فأنا أطرح الآن حل أعلم مقدماً بأنه "سيثير حفيظة واشنطن ضدى" لأنه سيسحب البساط من تحت أقدام "واشنطن" ألا وهو أننى أطالب وطنى "مصر" بإعتبارها وطن (الأزهر الشريف) صاحب الإسلام الوسطى فى عهد الرئيس المسلم السنى المحترم (عبد الفتاح السيسى)، والمملكة العربية السعودية الحليفة الشقيقة بلد (الحرمين الشريفين) و (قبلة المسلمين) فى عهد جلالة الملك "سلمان" وسمو ولى العهد السعودى "محمد بن سلمان" بأن يتدخلوا كدول إسلامية (محورية) للقيام بدور الوساطة بين (بكين) و (عرقية الأويغور المسلمة) فى "شينغيانغ" أمام المجتمع الدولى بعيداً عن واشنطن... لأنها قضية تخص وتمس مسلمين مثلنا!
- القضية السابعة: شرح موجز لقانون مجلس النواب الأمريكى ضد الصين
بإطلاعى على القانون الأمريكى المزمع تمريره ضد الصين منذ شهر سبتمبر الماضى والذى تم إقراره هذا الشهر بشأن إقليم "شينغيانغ"، لفت نظرى أن الأخطر من وجهة نظرى هو نص مشروع القانون صراحةً على تكليف الإستخبارات الأمريكية بإعداد تقرير فى غضون ستة أشهر عن حملة القمع فى إقليم شينغيانغ، فى شمال غرب الصين. كذلك ينص مشروع القانون على تعيين وزارة الخارجية الأمريكية منسقاً خاصاً فى ملف "شينجيانغ" والطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى النظر فى تقارير تفيد بتضييق الصين على رعايا أمريكيين وأبناء هذه الأقلية. كما يحض مشروع القانون الأمريكى وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) على النظر فى إمكانية فرض عقوبات على مسئولين صينيين لتورطهم - وفق وجهة النظر الأمريكية - عن هذه الممارسات، وخصوصاً السيد (تشين قوانغ وو)
Qín guāngwǔ 秦光武
مسؤول الحزب الشيوعى فى شينجيانغ. وهذا ما يعد تدخلاً غير مقبول فى الشأن الداخلى للصين وفق الرؤية الرسمية الصينية.
ومما يزيد من حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية هو أن مشروع القانون الجديد يدعو لفرض عقوبات مالية وأخرى متعلقة بحرية السفر بموجب قانون أمريكى يعرف بـــ (جلوبال ماجنيتسكى) ضد المسؤولين الصينيين المتورطين فى برنامج الإحتجاز. وهو ما ترفضه الصين بشدة وتعتبره تدخل غير مقبول فى شئونها الداخلية.
وفى تصريح آخر لوزير الخارجية الأمريكى "مايك بومبيو"، فى شهر مايو 2019، قال بأن الصين تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومى الأمريكى. كما قال "بومبيو" فى مقابلة مع شبكة (سى.إن.بى.سى) إنه يصدق تقريراً أوردته صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية بأن الصين تستخدم أدوات مراقبة عالية التقنية لإضطهاد أقليات مثل المسلمين الأويغور. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد نشرت مقالاً فى الخامس من مايو 2019، بعنوان: "علينا القلق من إستخدام الصين لتطبيقات مثل "تيك توك"، وأشارت خلال التقرير إلى إستغلال الصين لقطاع تكنولوجيا المعلومات من أجل القيام بممارسات تنتهك حقوق الإنسان فى "شينغيانغ".
- القضية الثامنة: "تراجع" الرئيس التركى "أردوغان" بشأن تصريحاته حول إقليم "شينغيانغ" وتأكيده مؤخراً على إزدهار الإقليم
تعد أخطر وثيقة أطلعت عليها الباحثة المصرية خلال الفترة الأخيرة هى الوثيقة الصادرة من الحكومة الصينية فى يوليو 2019، والتى إعتبرت فيها "إن منطقة شينجيانغ بشمال غرب البلاد جزء لا يتجزأ من الصين رغم جهود المتطرفين الرامية إلى تشويه التاريخ والحقائق فى محاولة لتقسيم البلاد". وقالت الحكومة فى الوثيقة التى نشرها المكتب الإعلامى التابع لمجلس الدولة الصينى إنه من الخطأ الإشارة إلى أن أبناء أقلية الإيغور المسلمة فى "شينجيانغ" ينحدرون من الأتراك، مشيرة إلى أنهم أصبحوا الأداة السياسية لجماعات إسلامية وأخرى مناصرة للشعوب التركية. وأضافت الوثيقة أن "القوى المعادية داخل الصين وخارجها، لا سيما الإنفصاليين والمتطرفين الدينيين والإرهابيين، حاولت تقسيم الصين وتقطيع أوصالها بتشويه التاريخ والحقائق". خاصةً مع وجود إتهامات صينية رسمية للجانب التركى بتشويه حقائق التاريخ، خاصةً مع زعم رئيس الوزراء التركى "أردوغان" المتكرر بأن مسلمى إقليم "شينغيانغ" الصينى جزء لا يتجزء من الداخل التركى ومن الحدود مع تركيا، خاصةً مع ما ثبت من إتهامات صينية للجانب التركى بتسهيل هروب عدد من شباب الإيغور عبر الحدود التركية وتسهيل مرورهم إلى داخل الأراضى السورية للقتال إلى جانب تنظيم "داعش" و "جبهة النصرة"، وغيرها من التنظيمات الإرهابية فى المنطقة.
ولكن المفاجأة التى تابعتها الباحثة المصرية بدقة شديدة فى شهر يوليو الماضى 2019 - وحتى أكون دقيقة وأمينة فى وصفى ونقلى للأمور من وإلى الجانب الصينى والعربى والدولى بشأن الصين - وهو ما عبرت عنه الصحف الصينية الرسمية (فعلياً) فى وقت لاحق، هو تراجع "أردوغان" عن تصريحاته عن مسلمى "تركستان الشرقية" التابعة للصين ونسبهم للجانب التركى والحدود التركية، حسب ما أعلنته وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" فى شهر يوليو الماضى بشأن تراجع الرئيس التركى (رجب طيب أردوغان) عن موقفه حول القمع فى إقليم "شينغيانغ"، وقال لنظيره الصينى (شى جين بينغ)، إن الأقليات المسلمة "الإيغور" تعيش بسعادة فى إقليم "شينغيانغ"، وهو الموقف الذى وصفه بعض المراقبين بأنه تحول "خطير" عن تصريحات أنقرة الأخيرة. وكانت وزارة الخارجية التركية قد وصفت معاملة المسلمين الإيغور الناطقين باللغة التركية بأنها "عار كبير على الإنسانية".
وكانت وكالة أنباء شينخوا قد نقلت عن (أردوغان) قوله، إن "تركيا ما زالت ملتزمة بسياسة الصين الواحدة"، مشدداً على أن "كون المقيمين من مختلف الإثنيات يعيشون بسعادة فى منطقة "شينغيانغ" للإيغور التى تتمتع بحكم ذاتى بسبب إزدهار الصين هى حقيقة ثابتة، وتركيا لن تسمح لأحد بدق إسفين فى علاقاتها مع الصين". وأضافت الوكالة الصينية أن أردوغان "عبر عن إستعداده لتعزيز الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الأمنى مع الصين للتصدى للتطرف". وحذر (أردوغان) من الذين يسعون إلى "إستغلال" قضية "شينغيانغ" لخلق التوترات مع الصين، المستثمر وشريك التجارة الكبير لتركيا، وفق الوكالة الصينية الرسمية.
- القضية التاسعة: إنقسام الأمم المتحدة والمجتمع الدولى حول الحقوق الإنسانية فى إقليم شينجيانغ الصينى
شهدت الأمم المتحدة فى شهر أكتوبر الماضى 2019 انقساماً حاداً حول الحقوق الإنسانية فى إقليم شينجيانغ الصينى، حيث رحبت54 دولة بقيادة (بيلاروس) بــــ "النتائج الإيجابية لمكافحة الإرهاب" فيه بينما طالبت 23 دولة أخرى على رأسها بريطانيا بكين "بإحترام تعهداتها الدولية" بشأن حرية الديانة فى هذه المنطقة التى تعيش فيها أقلية من الأويغور.
وظهر هذا الإنقسام جلياً بصدور بيانين متعارضين تماماً وعقد مؤتمرين صحافيين مرتجلين عقدا من قبل المعسكرين سواء المتضامنين أو المتعارضين مع الصين بشأن إقليم "شينغيانغ".
وأصدرت قرابة 24 دولة بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خطاباً فى شهر يوليو 2019 دعت فيه الصين لوقف الإحتجاز الجماعى. ورداً على ذلك، وقعت السعودية وروسيا و35 دولة أخرى خطاباً يشيد بما وصفته بإنجازات الصين الملحوظة فى مجال حقوق الإنسان. ودافعت السعودية عن توقيعها و36 بلداً آخر خطاباً يدعم سياسات الصين في منطقة شينجيانغ التى تقول الأمم المتحدة إن مليون شخص على الأقل من (الإيغور) وغيرهم من المسلمين معتقلون بها.
وعندما سأل صحفيون فى نيويورك السفير السعودى لدى الأمم المتحدة "عبد الله المعلمى" عن تأييد بلاده للخطاب قال "الخطاب يتحدث عن العمل التنموى للصين. هذا كل ما يتحدث عنه. لا يتناول أى شىء آخر". وأضاف "ما من جهة يمكن أن تكون أكثر قلقاً بشأن وضع المسلمين فى أى مكان بالعالم أكثر من المملكة العربية السعودية". وتابع "ما قلناه في الخطاب هو أننا ندعم السياسات التنموية للصين التى إنتشلت الناس من الفقر".
وجاء فى نسخة من الخطاب السعودى للأمم المتحدة "أن الأمن قد عاد إلى شينجيانغ وأن الحقوق الأساسية للناس هناك من كافة العرقيات مصونة". وقال الخطاب السعودى "فى مواجهة التحدى الخطير المتمثل فى الإرهاب والتطرف، إتخذت الصين سلسلة إجراءات للتصدى للإرهاب والقضاء على التطرف فى شينجيانغ بما فى ذلك إقامة مراكز للتدريب والتأهيل المهنى".
ويبدو أن الخلاف الدائم بين الغرب والصين حول قضية "شينيغيانغ" قد إنتقل إلى مرحلة جديدة فى الأمم المتحدة مع تأكيد (بكين) أنها لن تسمح بإنتقادها بعد الآن بدون الرد كما حدث فى السنوات الماضية.
- القضية العاشرة: هل سترضخ حكومة بكين لتلك الضغوط الأمريكية المتعلقة بإقليم شينجيانغ الصينى؟
وأخيراً، نأتى للسؤال الأخطر من وجهة نظرى، والمتعلق بمدى رضوخ الصين لتلك الضغوط الأمريكية، ففى إعتقادى الشخصى، فأنا لا أعتقد أن الصين سترضح لضغوط واشنطن، خاصةً مع تنامى العلاقات بين الصين ومختلف دول العالم خاصة البلدان العربية والإسلامية التى إنضمت للمبادرة الصينية للحزام والطريق، والدليل على ذلك هو أن 37 دولة بينها روسيا والمملكة العربية السعودية قد أرسلت رسالة إلى الأمم المتحدة فى شهر يوليو 2019 كما أشرت سابقاً، فإلى جانب السعودية وروسيا وقع رسالة التأييد للصين بشأن دعمها لسياساتها فى إقليم "شينغيانغ" عدد من سفراء الدول الأفريقية وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وسوريا وباكستان وسلطنة عمان والكويت وقطر، والإمارات، والبحرين. عبرت فيها هذه الدول عن تأييدها لسياسة الصين فى إقليم شينجيانغ الواقع فى غرب البلاد، فى تناقض واضح مع الإنتقادات الغربية المتكررة لسياسة بكين فى الإقليم. وهذه رسالة واضحة بأن أصدقاء بكين لن يتركونها فى مواجهة أمريكا والغرب مع تزايد مصالحهم الإقتصادية مع الصين. فضلاً عن وصف أصدقاء بكين فى رسالتهم إلى المجتمع الدولى وإشادتهم بما وصفته بإنجازات الصين الملموسة فى مجال حقوق الإنسان.
وجاء مضمون الرسالة السعودية وعدد من رسائل الدول العربية والإسلامية والأفريقية للأمم المتحدة فى شهر يوليو الماضى بشأن تعامل حكومة بكين مع إقليم "شينغيانغ"، بأنه "فى مواجهة التحدى الخطير المتمثل فى الإرهاب والتطرف إتخذت الصين سلسلة من إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف من بينها إقامة مراكز التعليم المهنى والتدريب، وأن الأمن قد عاد إلى "شينجيانغ" وأن هناك حفاظاً على حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص من جميع الجماعات العرقية فى الإقليم، والدليل على ذلك هو أنه لم يقع هجوم إرهابى واحد منذ ثلاث سنوات والناس فى "شينجيانغ" لديهم إحساس أقوى بالسعادة والإنجاز والأمن".
فكانت تلك الرسالة الموجهة من قبل السعودية والعالم الإسلامى للأمم المتحدة بشأن تأييدهم للإجراءات الصينية فى شينجيانغ هى خير دليل من حشد حكومة بكين للمجتمع الدولى الصديق لتأييد مواقفها فى هذا الإطار. وهو ما عبر عنه فعلياً السيد/ سو تشين
Sū qín 苏琴
السفير الصينى لدى مجلس حقوق الإنسان فى ختام دورة للمجلس إستمرت ثلاثة أسابيع خلال شهر يوليو الماضى بأن بلاده "تقدر بشدة الدعم الذى تلقته من الدول الموقعة على الرسالة"، مع توجيه الصين رسالة شكر خاصة للمملكة العربية السعودية.
- القضية الأخيرة والأهم: رؤية جديدة تقدمها الباحثة المصرية لحل الخلاف توافق عليها الصين
أطالب مصر والسعودية كدول إسلامية بدور الوساطة بين بكين وعرقية الأويغور أمام المجتمع الدولى بعيداً عن واشنطن
وفقاً لكل التوضيحات السابقة لهذا الموضوع الذى أستغرق منى وقتاً طويلاً لفهم الموضوع كاملاً بكافة أبعاده، فأنا أطرح رؤية حقيقية أقدمها لصناع القرار فى كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية، وأعتقد أن حكومة بكين والقيادة الصينية برئاسة الرئيس "شى جين بينغ" لن ترفض تلك الرؤية المقدمة منى، مع قربى الشديد من جميع أطرافها، وهو نفس السؤال الذى يطرحه الشارع العربى والمصرى والإسلامى، بشأن: "أليس إقليم "شينغيانغ" هو إقليم "مسلم"، ومن حقنا كمسلمين أن ندافع عن مسلمى العالم؟
وبناءاً على ما تقدم، فانا أطالب الأزهر الشريف وسيادة الرئيس المصرى المسلم السنى (عبد الفتاح السيسى) وجهود جلالة (الملك سلمان) وسمو ولى العهد السعودى (محمد بن سلمان) بالتدخل فوراً لحل الخلاف المشتعل بين بكين وقومية "الإيغور" كدول إسلامية محورية فى العالم الإسلامى للقيام بدور الوساطة بين بكين وعرقية الأويغور أمام المجتمع الدولى بعيداً عن واشنطن، لأننا كدول إسلامية علينا أن نتدخل وعلينا القيام بدورنا، وأنا كلى ثقة بأن التدخل المصرى - السعودى أمام المجتمع الدولى لحل الخلاف المحتدم فى إقليم "شينغيانغ"، والقيام بدورهما كدول إسلامية وسطية معتدلة تحظى بدعم وتأييد المجتمع الدولى سيكون له أبلغ الأثر، مع تأكيدى الجاد بأن القيادة الصينية ترحب بالدور المصرى – السعودى المشترك لحل هذه الأزمة فى منطقة "شينغيانغ" وزيارة وفد يضم علماء المسلمين من قبل الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية
وسأكتب رسالة رسمية بهذا الغرض والشأن إلى كافة الأطراف المعنية بشأن ترحيب الصين والقيادة الصينية (حكومةً وشعباً) بدور الوساطة المصرية - السعودية المشترك بين بكين وعرقية الأويغور أمام المجتمع الدولى بعيداً عن واشنطن
وأخيراً، فأنا - سأطرح فكرة قد طرحتها فى السابق - تتمثل فى أننى أعتقد أن الصين سيكون عليها الدفع بالمجامع العلمية الصينية عموماً، والباحثين الصينيين المعنيين بقضايا (الإسلام السياسى) على وجه الخصوص إلى إطلاق برامج بحث علمية همها الرئيسى فهم ديناميات الإسلام السياسى، ومسارات الحركات الإسلامية التى تعج بها المجتمعات الإسلامية، عربية وغيرها، وذلك حتى يتسنى لحكومة بكين فهم آليات التعامل مع أقلياتها المسلمة ومحاولة إحتواء الشارعين العربى والإسلامى بخصوص ملف إقليم "شينغيانغ".