في 29 أيار 2018 أبحر القبطان سهيل العامودي بسفينة حمل على متنها 13 من ذوي الحالات الإنسانية وأربعة مساعدين، محاولًا كسر الحصار البحري المستمر على قطاع غزة.
لم تُمهل بحرية الاحتلال العامودي والمرضى والطلاب والخريجين الذين كانوا معه على السفينة كثيرًا، بل سارعت لاعتراضها على بعد نحو 17 ميلًا بحريًا في عرض بحر القطاع.
اعتقلت بحرية الاحتلال جميع من كان على السفينة، التي أطلقتها هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار، واستولت عليها، ثم أفرجت عنهم بعد التحقيق معهم باستثناء العامودي (58عامًا)، الذي أمضى 18 شهرًا في السجن، وأُفرج عنه في الأول من تشرين ثاني الحالي.
عاش العامودي ظروفًا قاسية في التحقيق وداخل سجون الاحتلال، حتى أن المحققين قالوا إنه سيكون عبرة لمن يُفكر في تكرار فعلته في محاولة كسر الحصار عن غزة. ويقول: "قال لي المحققون سنحطم إرادتك بالسجن ولتكون رسالةً لمن يأتي بعدك".
سُجن العامودي شهرًا في عزل انفرادي قضى خلاله فترة تحقيق وتعذيب قاسية، لكن محققي الاحتلال عجزوا عن إثبات أي تهمة اقترفها، كما يقول. ويصف فترة سجنه بـ"الصعبة والقاسية"، فهي تجربة اعتقالية اولى، عدا عن تعرضه لظلم وتنكيل دون ذنب.
خلال الأشهر الستة الأولى من الاعتقال تعرّض صديق البحر لتعذيب جسدي ونفسي، وتنقل كان بمثابة رحلة عذاب لحضور جلسات المحاكمة، إذ كان مقيّد اليدين والقدمين محصور في مكان ضيّق لأكثر من سبع ساعات.
بعد ستة أشهر من سجنه، أصدرت محكمة إسرائيلية حكمًا باعتقاله 18 شهرًا في سجن نفحة الصحراوي.
في سجن نفحة سيء الصيت تعرّف الرجل على الكثير من الأسرى وعاين ظروف اعتقالهم، وأنشأ رابطة من المودة والمحبة معهم، ويقول: "كان لزملائي الأسرى فضل كبير في تأقلمي مع حياة السجن، وكنّا نقرأ ونتعلّم ونمارس الرياضة ونحفظ قران؛ وكوّنت معهم صداقة قوية".
وببكاء حار يضيف "حين خرجت بمهمة كسر الحصار عن غزة تركت أهلي وودعتهم بالدموع، وحين تركت أحبتي وأصدقائي الأسرى في السجن تأثرت كثيرًا وودّعتهم بالدموع أيضًا".
ويعد الخمسيني محاولته لكسر الحصار عن غزة مهمة إنسانية للتخفيف عن مليوني فلسطيني في الجيب الساحلي الصغير المحاصر منذ 13 عامًا. ويضيف "أبحرت لنقل عدد من المرضى والجرحى والخريجين الذين لم يُتح لهم السفر؛ لإكمال دراستهم وعلاجهم، وكانت وجهتي إلى قبرص أو أقرب ساحل تركي لولا اعتراض الزوارق الإسرائيلية". وجُهّزّت السفينة قبل إبحارها بمؤونة تُلبي احتياجات روادها من الطعام والشراب والفرش.
ويرى العامودي أن اعتراض الاحتلال السفينة وإرجاع المسافرين يهدف إلى "إيصال رسالة للمرضى أن ارجعوا وموتوا في غزة، وللطلاب أن لا مستقبل لكم".
ورغم 18 شهرًا من العذاب عاناها في السجن، بالإضافة إلى ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ في حال أعاد الكرّة، إلا أنه يبدي استعداده لقيادة سفينة جديدة من أجل كسر حصار غزة، "فتلك ليست جريمة، ولا اختراق للقانون الدولي".
لكن العامودي يجد نفسه اليوم دون وسيلة رزق بعد استيلاء الاحتلال على مركبه الشخصي، بيد أن ذلك لم يفتر من عزيمته فيقول: "حين خرجت بمركب الحرية غامرت بعمري لإيصال رسالةٍ إنسانية، أفلا أغامر بمالي؟ الوطن يستحق منّا كل شيء".
18 شهرًا في السجن أمضاها العامودي بين الجدران بعيدًا عن البحر، جعلته يحن كثيرًا إلى المغامرات مع الأسماك، لذا فإنه يُعد العدة منذ ساعة الإفراج عنه ليعود مجددًا على هوايته قبل أن يكون عمله.