لماذا وئدت "صفقة القرن" للسلام في الشرق الأوسط في مهدها؟

نبض البلد -
مر أكثر من عامين على تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرح خطة لإنهاء النزع الفلسطيني الإسرائيلي، وتم الكشف رسميا عن المرحلة الأولى لهذه الخطة في ورشة اقتصادية عقدت في البحرين في يونيو/حزيران الماضي

وتحت عنوان "السلام من أجل الازدهار" نشرت وثيقة المرحلة الأولى من الخطة التي: "لديها القدرة على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى فصل جديد في التاريخ الفلسطيني لا تهيمن عليه المحنة والخسارة، بل الحرية والكرامة"

وفي مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء، كشف صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومهندس الخطة، جاريد كوشنر، عن أول جزء من خطة الولايات المتحدة من أجل السلام في الشرق الأوسط والذي يركز على الجانب الاقتصادي، إذ أعلنت الإدارة الأمريكية عزمها استثمار حوالي 50 مليار دولار في المنطقة، نصفه يذهب للضفة الغربية وغزة، والنصف الآخر سيساهم في دعم اقتصادات الأردن ولبنان ومصر

وضمت الوثيقة 179 مشروعا مثل طريق سريع وربما خط للسكك الحديدية يربط بين الضفة وغزة، إلا أن لغة الوثيقة في ما يتعلق بالجانب السياسي اتسمت بالغموض

"العمل تحت الاحتلال"

لم تشر الوثيقة إلى الدولة الفلسطينية التي يتطلع لها الفلسطينيون والتي ورد ذكرها في خطط سابقة، كما لم ترد إشارة إلى استثمارات خاصة في القدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المستقبلية

كما تجاوزت الوثيقة قضايا مثل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، واللاجئين الفلسطينيين، وإبرام اتفاقات حدودية، والتعامل مع القلق الأمني الإسرائيلي. ولقد ترك ذلك لدى العديد من الفلسطينيين شكوكا قوية

وقال عصام ربيع وهو تاجر خضروات وفاكهة من قرية يورتاس: "لم يفعل ترامب شيئا للاقتصاد الفلسطيني منذ جاء رئيسا"

وشكا ربيع من أن نقص المياه ونمو المستوطنات جعل من المستحيل عليه كسب قوت يومه من مزرعته

وينظر المجتمع الدولي للمستوطنات باعتبارها غير قانونية في ظل القانون الدولي، ولكن إسرائيل ترفض ذلك وقد كفت الولايات المتحدة مؤخرا عن انتقادها

وتقول مديس خوري التي تعمل في مصنع للبيرة قرب رام الله: "العمل في هذا البلد غير أي مكان آخر في العالم، فنحن الفلسطينيون نعمل تحت الاحتلال"

وتابعت قائلة إنه بدلا من التعهد بالمساعدات أو الاستثمار الخارجي فإنه يمكن تحقيق الكثير لتخفيف القيود الإسرائيلية، وهي القيود التي تقول إسرائيل إنها تستهدف تعزيز أمنها

وتضيف مديس قائلة إن ذلك يتسبب بتأخير مكلف للغاية في استيراد الشعير والخميرة وغيرها من المنتجات التي تحتاجها لمنتجها، فضلا عن التوزيع الداخلي والأسواق الخارجية التي تمر عبر نقاط مراقبة وفحص إسرائيلية

ومضت تقول :"لابد وأن يكون هناك ضغط دولي على الإسرائيليين لتخفيف القيود، فالفلسطينيون شعب ذكي ذو عزيمة ولو خففت تلك القيود سيحققون نجاحا"

مقاطعة فلسطينية

وقد قاطع القادة الفلسطينيون الورشة، وكانوا قد قطعوا علاقاتهم بواشنطن متهمين إياها بالانحياز لإسرائيل

وقال محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية للصحفيين الأجانب في رام الله: "نحن بحاجة إلى المساعدة الاقتصادية، ولكن قبل أي شيء نحن بحاجة لحل سياسي"

وأضاف قائلا: "لا يمكنني تخيل أن تسفر ورشة المنامة عن شيء لأنها مبنية على خطأ"

وكان الفلسطينيون قد تعرضوا لسلسلة من الإجراءات العقابية من قبل إدارة ترامب تضمنت إغلاق بعثتهم الدبلوماسية في واشنطن وقطع المساعدات عنهم ومحاولة تهميش وكالة غوث اللاجئين

جهازك لا يدعم تشغيل الفيديو

صفقة القرن: جاريد كوشنر يكشف عن استثمار بقيمة 50 مليار دولار وفي الوقت الذي حضرت الورشة عدد من الدول العربية المؤثرة والثرية فإنه لم يحضر ممثلون عن السلطة الفلسطينية أو الحكومة الإسرائيلية، فالفلسطينيون قاطعوا المؤتمر وواشنطن قررت عدم دعوة إسرائيل إذا لم يحضر الفلسطينيون

ورغم ذلك، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حينئذ: "أستمع للمقترحات الأمريكية بهذا الشأن بذهن منفتح، ولا أستطيع فهم كيف رفضها الفلسطينيون قبل حتى أن يسمعوها"

وكان إعلان الجانب السياسي الحساس في الخطة قد أرجئ مع التطورات السياسية في إسرائيل

ليس عباس وحده

ولم يكن محمود عباس وحده من رفض الخطة، فقد رفضت منظمة التحرير الفلسطينية مسعى كوشنر باعتباره محاولة لرشوة الفلسطينيين من أجل قبول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ومقدمة لضم حوالي نصف أراضيهم بحيث لا يتبقى لهم سوى عدد من الكانتونات هنا وهناك

وقالت حنان عشراوي وهي من القيادات الفلسطينية المعتدلة في تغريدة على تويتر إن خطة كوشنر ومؤتمر البحرين مجرد "صدقة لجعل بقائنا في الأسر مقبولا"

كما رفضتها حركة حماس الإسلامية أيضا

وعارض رجال أعمال فلسطينيون اجتماع البحرين رغم مناشدة واشنطن لهم المشاركة فيه، وقالوا إنه يتعين أخذ مطالبهم السياسية في الاعتبار في أي خطة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

وتعليقا على اجتماع البحرين، قالت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها إن الازدهار الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق "دون حلول سياسية عادلة" مقبولة للفلسطينيين

وقالت سلطنة عمان إن أي شيء يمنع إقامة الدولة الفلسطينية لن يكون مقبولا

الجانب السياسي للخطة

وقال المسؤولون الفلسطينيون والعرب الذين اطلعوا على الخطة لوكالة رويترز للأنباء إن معالمها السياسية تبدو مجهضة من البداية ما لم يتم إبرام اتفاق سلام

وبحسب وكالة رويترز فإن الشق الأساسي يشمل قطاع غزة حيث يعيش مليونا فلسطيني محصورين في شريط صغير من الأرض بين إسرائيل ومصر، والفكرة هي توسعة القطاع في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية حيث يستطيع الفلسطينيون أن يعملوا ويعيشوا تحت غطاء مصري

وقال قيادي فلسطيني: "الخطة تتصور امتداد غزة من رفح حتى العريش وبعض مناطق سيناء"، مشيرا إلى أن الخطة تدعو لإقامة مشروعات كبرى مثل إنشاء مطار وميناء بحري ومنطقة صناعية ومحطات للكهرباء

وفي الضفة الغربية تقضي الخطة بأن تضم إسرائيل المستوطنات الإسرائيلية وتصلها ببعضها بعضا والاستيلاء على وادي الأردن وجعله خط الحدود مع الأردن وترك مساحة تقل قليلا عن النصف للفلسطينيين "كدولة صغرى مستقلة بذاتها في ظل شكل من أشكال الحكم الذاتي"

أما بالنسبة للقدس فسيحصل الفلسطينيون على أحياء على مشارفها مثل أبو ديس وبيت حنينا وسلوان "لا القدس الحقيقية لكنهم سيقولون لهم هذه قدسكم"، حسبما قال القيادي الفلسطيني

وقد أعرب دبلوماسيون غربيون ومصادر استخبارات في المنطقة عن قلقهم من التداعيات المحتملة لهذه الخطة لا سيما على مصر والأردن

فمهما كان ما يُعرض من مال تشككت المصادر في قبول المصريين عن طيب خاطر التخلي عن أرض لحل مشاكل قطاع غزة، فضلا عن قلق الأردن من عودة إسرائيل، بدعم ترامب، إلى نغمة قديمة هي أن الأردن هو فلسطين وإنه يجب أن ينتقل الفلسطينيون في الضفة الغربية إليه

"شائعات"

ومن ناحية أخرى، قال جيسون جرينبلات، مبعوث ترامب السابق في الشرق الأوسط، حينئذ إن "الشائعات" عن التوسعة في صحراء سيناء المصرية لا أساس لها. ورفض ذكر تفاصيل عن الخطة السياسية قبل إعلانها

وفيما يتعلق بالقرار الخاص بعدم استخدام عبارة "حل الدولتين"، قال جرينبلات: "نحن نعتقد أن استخدام عبارات وأوصاف بعينها غير مفيد لأنها تفتقر إلى التفاصيل والدقة، وهي تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين، وستكشف الخطة التفصيلية عند إعلانها ما نعتقد أنه أفضل حل للطرفين"

وقال جرينبلات: "نحن لا نقترح سلاما اقتصاديا، ونعلم أن هذا ليس مقبولا للفلسطينيين، وقد كنا في غاية الوضوح وقلنا الخطة الكاملة تتضمن شقا سياسيا أيضا، لكن الخطة الاقتصادية هي المكون الرئيسي في المخطط الكامل"

كارثة سياسية

وأجرى روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث مرموق ومؤيد لإسرائيل، مقابلة مع كوشنر في مايو/ أيار الماضي في مؤتمر للمعهد، وكتب بعدها يقول إن الصفقة كارثة سياسية يجب التخلي عنها

وأضاف أن الجوانب التي تنطوي على عناصر إيجابية في الشق الاقتصادي قد تضيع للأبد بسبب محاولة الالتفاف على حقوق الفلسطينيين. وقال إن "السبيل الوحيد للحفاظ على استمرارية الخطة في الأمد البعيد هو القضاء عليها"

وكتب ساتلوف يقول: "إنه على عكس ما يحدث في الصفقة العقارية التي يحصل فيها طرف على العقار والآخر على المال فإن اتفاق السلام في الشرق الأوسط يبدأ وينتهي بتجاور الطرفين، عالقين كل بالآخر، يتقاسمان وحدة سكنية مزدوجة إلى الأبد"