المشهد السوري بعد اتفاق شرق الفرات

نبض البلد -
نبض البلد -وكالات

التحولات أفضت لقيادة روسيا للمنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة

بوتين أوقف العملية التركية والأسد قطع الطريق على أي لقاء سياسي مع انقرة

الشرق السوري يشهد تطورات كبيرة، بدأت تفضي إلى تغيير خارطة السيطرة على الجغرافية السورية شرق نهر الفرات، فبعد أن كان الوضع هناك لسنوات قائم على هيمنة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بمساعدة وإدارة الولايات المتحدة، فإن تطورات في الايام القليلة الماضية ومنذ انطلاق العملية العسكرية التركية وما تزامن معها من انسحاب القوات الامريكية من المنطقة، أدى إلى تحولات في مراكز القوى وإدارة الملعب السياسي والعسكري في المنطقة.

دخل الجيش السوري إلى الشرق بدون قتال بالاتفاق مع الكرد برعاية روسيا، ووصل لأول مرة إلى الحدود السورية التركية ورفع العلم السوري على أحد المعابر بين البلدين. جاء ذلك بعد تقدم الجيش التركي إلى مدينة تل أبيض، واستحواهذ على مدينة رأس العين باتفاق مع الولايات المتحدة التي ضمنت له انسحاب الوحدات الكردية من "رأس العين".

بعدها عقد أردوغان قمة مع الرئيس بوتين أنجز خلالها اتفاقا تقر فيه موسكو لتركيا ما حصلت عليه من الجغرافيا وهي منطقة تتوسط شريط الحدود بين "تل أبيض ورأس العين" بعمق 30 كيلومترا، بينما ينتشر الجيش السوري على باقي الحدود شرق هذه المنطقة وغربها. مع تسيير دوريات مشتركة روسية تركية على طول الشريط الحدودي. وستقوم الشرطة العسكرية الروسية وقوات حرس الحدود السورية بمساعدة الوحدات الكردية على الانسحاب وسحب أسلحتها إلى 30 كلم عن الحدود السورية – التركية.

المشهد في الشرق السوري يشهد تحولا في إدارة مفاتيح تلك المنطقة من الإدارة الأميركية المباشرة لها إلى السيطرة والتحكم الروسي، وباتت موسكو هي من ترتب الأوراق في الشرق وتدير التناقضات بين دمشق والكرد من جهة وبين دمشق وأنقرة من الجهة الثانية وكذلك بين أنقرة والكرد.

أوقف اتفاق "بوتين- أردوغان" تركيا عند الحد الذي وصلت إليه قواتها دون إكمال التوسع شرقا وغربا على طول الشريط الحدودي وفي عمق الـ30 كيلو مترا التي أعلن أردوغان انها هدف العملية التركية. وبناءا على هذه التوافقات الجديدة أعلنت تركيا رسميا انتهاء "نبع السلام" خاصة أن الوحدات الكردية انسحبت طوعا من المناطق المشمولة بالاتفاقات التركية مع الولايات المتحدة وروسيا.

اما بالنسبة لدمشق فانها تعتبر أنها حققت إنجازا كبيرا في وصول الجيش السوري إلى الحدود التركية، وانتشار وحداته بمدن شرق النهر دون طلقة واحدة، بعد أن كانت مغلقة في وجهها بالقوة الأمريكية وتعنت الأحزاب الكردية. كذلك إزاحت التطورات عن كاهل دمشق مشروع إقامة كيان كردي مستقل على غرار كردستان العراق يقتطع جزءا من الأرض السورية لحساب دويلة تكون بمثابة "مسمار جحا" للولايات المتحدة في الجسد السوري. والأهم بالنسبة لدمشق هو إنهاء التسلل الإسرائيلي لشرق سوريا وانقطاع الخيوط التي كانت تنسجها تل أبيب مع الكرد مستخدمة صنارة الدعم بالسلاح والتكنولوجيا وعروض الحماية وتشكيل غطاء بالضغط في المحافل الدولية لمساندة الدويلة الناشئة.

لم يكن من قبيل الصدفة أن يوقت الرئيس بشار الأسد زيارته لخطوط التماس في ادلب مع إنعقاد القمة بين بوتين وأردوغان، فقد أراد الأسد إيصال رسالة واضحة للرئيس التركي بأنني أصبحت قريب من الحدود التركية، وها قد عدت بعد ثماني سنوات من محاولات تركبا الوصول إلى العاصمة دمشق عبر دعم المسلحين، وإعلان أردوغان في بداية الحرب على انه سيصلي في الجامع الأموي.

هذه كانت رسالة الاسد المباشرة. أما في الخلفية فإن الجهود الروسية قبيل انعقاد القمة كانت تحاول أحداث خرق في العلاقة المقطوعة بين دمشق وأنقرة. وكانت تسعى إلى إقناع أردوغان بعقد لقاء على مستوى سياسي بين الجانبين السوري والتركي. الا ان الاسد آثر قول موقفه من الميدان ومن إدلب بأن هذا بالنسبة له مرفوض، ولن يلتقي أي مسؤول سياسي سوري بنظيره التركي قبل أن تحقق مطالب دمشق، لذلك قطع الأسد تلك المحاولة الروسية المبكرة بوصف أردوغان باللص والخادم والأجير عند الأمريكي. ولا تمانع دمشق عقد لقاء سياسي بينها وبين أنقرة ولكن وفق محددات وشروط وضعتها دمشق سابقا في الجيب الروسي وقبله الإيراني.

بعض المحللين والمراقبين للشأن السوري توقعوا فتح جبهة إدلب بعد زيارة الأسد لها، وهذا التحليل حاصل تحصيل لأن فتح الجبهة مسألة وقت سواء زارها الأسد أو لو يفعل.