في 31 أغسطس/آب 1290 أصدر ملك انجلترا إدوارد الأول أمراً بطرد كل اليهود من بلاده وأصبح أول بلد يقدم على هذا الإجراء في أوروبا قبل إسبانيا بثلاثة قرون، فكيف تم ذلك؟
وصل اليهود إلى انجلترا في عام 1070 بدعوة من ويليام الفاتح الذي كان بحاجة لاقتراض المال لتنفيذ برنامجه الخاص ببناء القلاع والكاتدرائيات، ولأن التعاليم الكاثوليكية لا تسمح للمسيحيين بالإقراض بفائدة فقد تم تشجيع اليهود على المجيء للعمل في هذا المجال حتى يستطيع اقتراض المال الذي تحتاجه حكومته.
وفي الوقت الذي تحول فيه بعض اليهود المقرضين مثل آرون من لينكولن وليكوريتشيا من أوكسفورد إلى أشخاص فاحشي الثراء فإن الكثيرين من اليهود عملوا في مهن مختلفة داخل طوائفهم بداية من الطب وليس انتهاء بتجارة السمك، وكانوا يعيشون في أنحاء عديدة من ويلز وانجلترا حيث يمارسون طقوسهم في بعض الأحياء الكبيرة.
وكان من المسموح لليهود الاختلاط بحرية مع بقية السكان وكان الملك هنري الأول قد منحهم "ميثاق الحريات" والذي يعني أنه كان من حقهم دخول قلاع الملك بأمان لو شعروا بالخطر، لذلك كان أغلب السلكان يشعرون أحيانا أن اليهود في صف الحاكم.
وكان على اليهود دفع ضرائب أعلى من غيرهم مقابل حماية من قبل التاج.
ويصعب الحصول على صورة كاملة لحياة اليهود في انجلترا في القرن الثالث عشر إذ لا توجد أي مواد مكتوبة وإن ظهرت أسماؤهم في بعض سجلات الضرائب والوثائق القانونية، كما أن هناك بعض المباني المسجلة بأسمائهم مثل بيت اليهود في لينكولن وبقايا حمام الطقوس في بريستول.
ولكن نزعة العداء للسامية تصاعدت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر اللذين شهدا العديد من الاعتداءات عليهم.
فمع صعود الصليبيين تزايد العداء ضد الأديان الأخرى الغير كاثوليكية وتزايدت الهجمات ضد اليهود والتي أثارها أحيانا رجال دين اتهموا اليهود بالمسؤولية عن قتل المسيح.
وعندما كانت الأوضاع تزداد صعوبة في البلاد يؤخذ اليهود، باعتبارهم أقلية دينية، ككبش فداء ويلقى باللوم عليهم.
وفي ما ازداد اعتماد التاج في انجلترا على البنوك الإيطالية قل الاعتماد على أثرياء المال اليهود وبالتالي قلت الحماية الممنوحة لهم وبالتدريج انقلب عليهم الملك.
وفي عامي 1189 و1190 وقعت مذابح عنيفة ضد اليهود في لندن ويورك.
وفي عام 1255 جرى اتهام يهود لينكولن بتعذيب وقتل طفل انجليزي في طقوس دينية. وقد اعتقل الملك هنري الثاني 93 من اليهود المحليين وأعدم 18 منهم.
وفي العام التالي فرضت قيود عديدة على اليهود الذين باتت حياتهم في خطر بشكل متزايد.
وفي عام 1260 فرض الملك هنري الثالث ضرائب كبيرة على اليهود مما أجبرهم على مطالبة الناس برد القروض مما أثار مشاعر عدائية كبيرة ضدهم فاندلعت أعمال شغب مناوئة لهم قتل فيها المئات من اليهود وأحرقت الوثائق التي تثبت الأموال التي يدين الناس بها لهم.
وفي عام 1275 أصدر الملك إدوارد الأول قرارا يحظر على اليهود الحصول على فوائد مقابل القروض بل وأعفي المقترضين منهم من رد الديون.
وقد أكسب هذا القرار الملك شعبية، ولكنه كان كارثياً على اليهود الذين دخل أغلبهم دائرة الفقر المدقع.
كما فرض إدوارد الأول على اليهود ارتداء شارات صفراء، ولم يسمح لهم بالعيش إلا في عدد قليل من المدن.
وكان إدوارد الأول يريد من اليهود اعتناق المسيحية وهو الأمر الذي استجاب له قلة منهم ولكن الغالبية رفضت.
وفي عام 1290 أصدر إدوارد الأول مرسوما بطرد من تبقى من اليهود من انجلترا وكان عددهم يقدر بنحو 3 آلاف أجبروا على السير إلى الشاطئ الجنوبي وعبور البحر إلى أوروبا كلاجئين وقد مات الكثيرون منهم في الرحلة.
وظل بعض اليهود في انجلترا كمسيحيين وقد استغرق الأمر نحو 4 قرون حتى استطاع اليهود العودة لإنجلترا.
وكان أثر اليهود واضحا في عهد وليام الأول وخلفائه حيث استطاعوا تشييد العديد من القلاع والكاتدرائيات والكنائس بالأموال التي اقترضوها منهم كما استخدم الملوك المال أيضا في دفع أجور الجنود ومد نفوذهم إلى شمال فرنسا.
كما شهدت المدن التي استقر فيها اليهود ظهور مشاريع محلية بفضل القروض التي قدموها.
وكانت لقصة قتل الأطفال المسيحيين في طقوس يهودية والتي انطلقت من انجلترا وانتشرت في أوروبا أثرها في تعرض العديد من اليهود للقتل، وكانت انجلترا هي أول بلد يجبر اليهود على ارتداء شارات صفراء وهو الإجراء الذي قلده النازيون في القرن العشرين.
وبعد أن طردت انجلترا اليهود عام 1290 قلدتها دول أخرى وطردتهم مثل المجر عام 1349 وفرنسا 1394 والنمسا 1421 ونابولي 1510 وميلانو 1597 وإسبانيا 1492 والبرتغال 1497 وغيرها.