فايز أبو عليا.. الإعاقة مقابل هيبة العَلَم

نبض البلد -

نبض البلد - وكالات

في منتصف شهر تموز 1992 قرر مجموعة من الفتية في قرية المغيّر شرق رام الله تعطيل ماتور الماء الذي وضعه الاحتلال لسرقة المياه من آبار المواطنين الفلسطينيين بالأغوار، وتحويلها إلى المستوطنات المجاورة.

لم تفلح محاولتهم تلك، وبدأوا في البحث عن طريقة أخرى تعكر صفو حياة المستوطنين الجاثمين على رأس الجبل، حينها قرروا قطع التيار الكهربائي، بقطع السلك عن عامود الضغط العالي المغذي للمستوطنات.

أوكلت المهمة إلى فايز أبو عليا الذي (16 عاماً) في حينه، وصعد إلى أعلى عامود الضغط العالي محاولاً قطع السلك، ولحسن حظه أن التيار الكهربائي كان معطلاً، ومع ذلك لم يتمكن من قطعه، ونزل خائباً متذمراً.

في اليوم التالي عادوا إلى ذات المنطقة، وصعد مجدداً فايز لرفع العلم الفلسطيني على العامود، معتقدين أنهم بهذه الطريقة يستفزون المستوطنين وجنود الاحتلال.

"كنا صغار نتسابق على رمي العَلَم على أسلاك أعمدة الكهرباء في القرية بعد أن نشده بحجر، وكان الاحتلال يفشل في الوصول إليه وإسقاطه، ونرفعه أيضاً على مآذن المساجد، في وقت كان الجنود يقتحمون القرية ويجبرون الأهالي على الصعود للمئذنة وإنزال العلم"، يقول أبو عليا.

كان يعتبر العلم في انتفاضة الحجارة نهاية العام 1987 محرماً على الفلسطيني، وحمله أو اقتناؤه يكلف صاحبه الكثير، كالاستشهاد، والاعتقال والضرب، والملاحقة، وجيلا بعد جيل تربى الفلسطيني على عشق العلم والتضحية من أجله، ودفع من دمه وعمره وأمواله ووقته مقابل رفعته وهيبته.

" لما وصلت أعلى العامود ورفعت العلم، شعرت بأني حققت انتصاراً كبيراً على الاحتلال، وفي لحظة شعرت أني تجمدت وهويت من الأعلى، لا أتذكر كثيراً تلك الواقعة، لكن أصدقائي الذين كانوا في الأسفل أخبروني بما حصل"، يقول أبو عليا 43 عاماً.

سقط فايز من أعلى عامود ارتفاعه نحو 10 أمتار، بعد أن ضربه تماس كهربائي، تجمد مكانه وارتطم جسده بالأرض، أصيب بحروق شديدة، وكسر في العامود الفقري، وفي قدميه.

نقل إلى المستشفى، وبقي على السرير بدون حراك لشهرين، في التشخيص الأولي لحالته قال الأطباء: إن الإصابة تسببت له بالشلل النصفي وسيعيش على كرسي متحرك.

وأضاف، "كيف لفتى بعمر 16 عاماً أن يبقى حبيساً على كرسي، كنت أقضى أيامي متنقلاً بين الجبال والأدوية، أخرج في ساعة مبكرة، ولا أعود إلا مع مغيب الشمس، رفضت القبول بأن أبقى طريحاً للفراش والمنزل".

بعد شهرين من العلاج، عادت الحياة من جديد إلى فايز بعد أن شعر بنبض في عضلات قدميه، ونقل على أثرها لاستكمال العلاج الطبيعي في مركز للتأهيل، وبدأ تظهر عليه علامات التحسن مع التقدم في العلاج تمكن من النهوض من جديد على قدميه، وانتقل بعدها إلى جمعية الشبان المسيحيين ببيت جالا، وهناك تعلم الخياطة.

يعيش اليوم في منزل قديم، لا يصعب الوصول إليه، حيث يوجد على إحدى جدرانه الخارجية لافتة تعريفية باسمه كونه خياطاً. انتسب للجنة الزراعية في المغيّر ومؤسسات تطوعية خيرية، وأخذ على عاتقه أن يشارك بدعم صمود المزارعين بقريته التي تعاني من هجمة استيطانية تهدد بالاستيلاء على الأراضي.

"وتابع، نجلب البذور ونرسلها للمزارعين، وحتى الأراضي القاحلة نحاول زراعتها، حتى نفوت الفرصة على الاحتلال بالسيطرة عليها، هناك مجهود كبير يبذل من أجل مقارعة الاحتلال وإفشال مخططاته التي تستهدف أراضي القرية".

اعتقل لمدة 7 أشهر عام 2013، وبعد أقل من عام اعتقل ابنه الوحيد محمد بينما كان لا يتجاوز الـ15 عاماً، وأفرج عنه قبل أشهر قليلة بعد أن قضى 5 سنوات في سجون الاحتلال.

واضاف: "ما زلت أعاني من الإصابة، لكني تحديتها وحققت ما كنت أحلم به، بأن أصبح متطوعاً لخدمة المزارعين، كما احترفت الخياطة التي أصبحت مصدر رزقي والشيء المؤنس في حياتي ".