الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية لدراسة الطلبة الأردنيين في الخارج

نبض البلد -

الدكتورة حمدة سميح البيايضة

لقد لاحظت في الآونة الأخيرة تهافت الأهالي والطلاب للدراسة في الخارج لمختلف المراحل سواء الثانوية أم الجامعية أم الدراسات العليا؛ وفي الحقيقة فإنَّني لا أنكر ما للدراسة في الخارج من آثار إيجابيَّة على الصعيدين الاجتماعيِّ والشخصيِّ للطلبة، حيث يساعد السفر على تطوير الذات وتطوير القدرات الفردية، وذلك من خلال اضطرار الطلبة لاعتمادهم على أنفسهم، من أجل تأمين حاجاتهم وتدبير أمورهم ، إضافة إلى تكوين صداقات وعلاقات خارجية ومختلفة مع أشخاصٍ متنوعي الثقافات؛

ولكنَّني في الواقع أرى من منظوري ومنظور الكثيرين غيري أن كفَّة سلبيات السفر إلى الخارج ترجح على كفَّة الايجابيات حيث يؤدي إلى هجرة واستقرار الكثيرين من أبنائنا في الخارج لدى الدول التي تلقَّوا تعليمهم فيها، بعد أن يتطبَّعوا بعاداتهم وثقافاتهم ويستحسنوا العيش في تلك البلدان عوضا عن بلدهم الأصليِّ لما تمتلك تلك الدول الدوافع والمحفزات والمشجعات والمغريات الكثيرة للعيش فيها كارتفاع الأجور وسلاسة القوانين ورقي منظومة أخلاقيات العمل، واحترام النفس البشرية؛ ممَّا يؤدِّي إلى هجرة أبناء الوطن إلى الخارج واستقرارهم فيها استقرارا أبدياً في كثير من الأحيان، في حين إنَّ بلدهم أولى بهم وبطاقاتهم وكفاءاتهم وقدراتهم ورؤاهم الشبابية

أيضاً، ناهيكم عن أنَّ الطلبة يتعرضون إلى صدمة ثقافية كبيرة وخصوصاً في حالة سفرهم إلى بلد يختلف عن البلد الأم من حيثُ اللغةُ والديانةُ والعاداتُ الثقافيةُ والاجتماعية، ممَّا يساهم في محو قيمنا وعاداتنا العربية والإسلامية الحنيفة.

إنَّني أرى أنَّ السبب الرئيس في توجه أبنائنا للدراسة خارج أوطانهم، هو رغبة الطلبة بدراسة تخصصات غير متاحة لهم في بلدهم الأم بسبب ارتفاع معدلات القَبول في هذه التخصصات؛ فيتوجه الطالب إلى الخارج لدراسة هذه التخصصات غير المسموح لهم بدراستها في بلدانهم سواء الطب أم الهندسة أم أي تخصص كان، أم دراسة الدراسات العليا كالماجستير والدكتوراه، في الوقت الذي يتم اعتماد شهاداتهم في الأردن، والسماح لهم بمزاولة العمل في سوق العمل الأردني بهذه الشهادات، رغم تحفظي على جودة المخرجات التعليمية لبعض هذه الدول التي تتم فيها دراسة الثانوية العامة، أم تخصصات الطب والهندسة والاقتصاد والدراسات العليا؛ حيث ثبت تدنِّي كفاءة هذه المخرجات.

إنَّني أتعجَّب كيف يغفل أصحاب القرار والاقتصاديون في الأردن عن هذه الهفوة الكبيرة، حيث تسمح وزارة التعليم العالي بالأردن للطلبة بالدراسة في الخارج، وصرف أموال طائلة في تلك الدول الخارجية من رسوم جامعية و حوالات بنكية ومصاريف شخصية ورفع منسوب احتياط النقد الأجنبي لهذه الدول مقابل أن تصدر لنا مخرجات تعليمية دون المستوى المطلوب، في الوقت الذي يكون الأردن هو أولى وأحوج بهذه الموارد المالية أن تُضخَّ فيه وليس في أي بلد آخر!

ولا شكَّ أنَّ الأردنَّ سيوفِّر إيرادات مالية هائلة في حال تم وقف أو تقليل نسبة دراسة طلابنا في الخارج، وفتح أبواب الجامعات الأردنية لاستقبالهم بالتخصصات التي يريدون دراستها، وذلك عن طريق الدراسة الموازية أو الخاصة أو فتح جامعات جديدة لهذا الشأن، وتبني أبنائنا بين أيدينا وتعليمهم تعليماً خاضعاً لأسس ومعايير التعليم السليمة، والاستفادة منهم مالياً وعلمياً، والاستثمار بهم وبطاقاتهم وبعلمهم وكفاءاتهم مستقبلا، فهم أطباء ومهندسون وإداريون واقتصاديون ومعلمو المستقبل، هم الناهضون بمستقبل الأردن الاقتصادي والاجتماعي ككل, كيف نلقي بالمواطن الأردني إلى التهلكة فنستنزف أمواله ولا ينال بالمحصلة المستوى المطلوب من التعليم؟ إننا بهذا الشكل نكون قد تجاوزنا رؤية المغفور له جلالة الملك الحسين رحمه الله الملك الوالد حينما قال: "الإنسان أغلى ما نملك".

كما لا ننكر إننا من خلال فتح أبواب الدراسة بالخارج أسأنا لسمعة الأردن الأكاديمية والتعليمية، خصوصاً لدى بعض الدول العربية التي كانت تعتمد الأردن وتقصده كمقصد أولي لابتعاث أبنائهم، حيث قالت لي إحدى الزميلات من إحدى الدول العربية عندما نصحتها بإكمال دراستها في بلدي الأردن "لو فيه خير كان ما طلع أبناءه يدرسوا خارجه!" وبرأيي أن قرار وقف أو تقليل ابتعاث أبنائنا للدراسة في الخارج، وفتح أبواب الجامعات الأردنية لهم برسوم أعلى أو فتح جامعات وكليات ومعاهد جديدة لهم، لإعدادهم ضمن معايير وأسس تعليم عالية المستوى نظامية عوضاً عن التعليم المتدني المستوى الذي يتلقونه في الخارج مقابل المال فإنَّ اقتصاد بلدنا أولى بهذه الموارد المهدورة في الخارج، وسوف تكون خطوه أساسية لإنعاش سمعة الأردن أكاديمياً ورفع مستوى مخرجات التعليم لدى أبنائنا، ولا شكَّ أنَّ ذلك سينعش الاقتصاد الأردني من خلال استرداد موارده وطاقاته وأموال أبنائه المهدورة في الخارج.

أتمنى أن يلتفت أصحاب القرار والمسئولون لهذه الهفوة واتخاذ القرارات التي تعم بالنفع للمصلحة العامة للمواطن والوطن الحبيب.