د. أيّوب أبو ديّة
سعدت كثيراً عند زيارتي مؤخراً لمصنع "نجمة الكرك" لإعادة تدوير الورق والكرتون في المنطقة الصناعية بالكرك، حيث يتم تدوير النفايات الورقية إلى قوالب جميلة كاطباق بيض الدجاج. ويعيد المصنع كذلك تدوير المياه المستخدمة في عجن النفايات العضوية للتقليل من كمية المياه المستخدمة في الصناعة؛ وعرفت أيضاً أن المصنع في مرحلة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لخفض تكلفة فاتورة الكهرباء وبالتالي خفض تكلفة الإنتاج التي من شأنها التحفيز على التوسع في الإنتاج.
وعلى الرغم من سعادتي بجمال المنطقة الصناعية في الكرك وحسن تنظيمها ونظافتها، بيد أنني أصبت ببعض الإحباط عندما علمت أن نسبة قليلة جداً من المصانع هناك ما زالت تعمل فيما أغلق العديد منها. كذلك كنت أتمنى أن يتم دعم هذه الصناعات من قبل بلدية الكرك، وباقي المحافظات بما في ذلك أمانة عمّان الكبرى وذلك للأسباب التالية:-
أولاً: إن فرز الورق والكرتون من نفايات الصناعة وإعادة تدويره يخفض من عبء جمع النفايات الصلبة الصناعية، بينما يشكل الورق نحو 7% من مجمل النفايات الصلبة على صعيد عالمي، فيما قد يصل إلى أضعاف ذلك في البيوت المعاصرة التي باتت تعتمد أكثر على غذائها جاهزاً من الخارج كالبيتزا والسندويشات والعصائر وغير ذلك. وبناء على ذلك فإن سحب هذه الكميات من النفايات الصلبة وإعادة تدويرها يخفف العبء عن البلديات وأمانة عمّان ويخفض الحاجة إلى شاحنات بأعداد أكبر في المستقبل لتلبية حاجات أعداد السكان المتزايدة، الأمر الذي سوف يكون له تأثير إيجابي على الازدحامات المرورية والتلوث على المدى البعيد.
ثانياً: إن تخفيض كميات النفايات الصلبة من المصدر مباشرة يمنع تراكم النفايات في الحاويات وعلى الشوارع والأرصفة وفي الأزقة ويجنب الدولة انتشار الأوبئة والأمراض.
ثالثاً: إن عملية إعادة التدوير مربحة اقتصادياً وبالتالي فإنها تقوم بتوظيف أيد عاملة محلية وبخاصة لدى المجتمعات المحلية في المحافظات التي تعاني من ارتفاع في نسبة البطالة، وبخاصة عند النساء.
رابعاً: تسهم عملية جمع النفايات الصلبة من الورق والكرتون إلى تخفيض احتمالية حدوث حرائق في الحاويات وعلى الطرقات وتقلل بالتالي من الابتعاثات الغازية الدفيئة التي ترفع من درجة حرارة الجو وتلوث الهواء والمياه السطحية والجوفية.
خامساً: تقلل هذه النشاطات في إعادة التدوير من حجم المكبات الضرورية لتجميع القمامة وردمها ، كذلك تخفض من مخاطر تلويث المياه الجوفية نتيجة تذويب مياه الأمطار للحبر والأصباغ والطلاءَات التي عادة ما تصبغ بها الأوراق والكرتون.
سادساً: يستدعي التخطيط الاستراتيجي لمستقبل صناعة التدوير وفرز النفايات تغليظ العقوبات على مفتعلي الحرائق للتخلص من النفايات والأعشاب الجافة والورق والكرتون وغيرها من المواد العضوية القابلة للاحتراق، ومنع إخراج النفايات إلى الشارع العام وإلزام كافة الأبنية بوضع حاويات صغيرة في حدائقها تهيئة للمجتمع بأسره للمستقبل عندما سوف توضع حاويات ملونة يخصً كل منها فئة معينة من النفايات؛ واحدة للنفايات العضوية وأخرى للزجاج وثالثة للبلاستيك وهكذا.
سابعاً: تشجيع صناعة الكومبوست Compost لتدوير نفايات المطبخ العضوية ولإنتاج تربة زراعية غنية لغايات إنتاج الخضروات التي أطلقت عليها الولايات المتحدة عام 1943 خلال الحرب اسم "حدائق النصر" حيث قام 20 مليون منزل أميركي بإنتاج 42% من حاجة البلاد إلى الخضروات الطازجة في داخل بيوتهم.
ختاماً، نترك للبلديات وأمانة عمّان حرية الإبداع والابتكار في وضع حوافز للمصانع والمواطنين لتشجيعهم على تدوير النفايات وفرزها من المصدر كما فعلت أغلب دول العالم المتقدم، وعليهم اليوم مسؤولية تنظيم العملية كلها على الصعيد الوطني والتنسيق بين البلديات لتنسجم مشاريعها مع التخطيط بعيد المدى تجنباً للفوضى وتكرار الصناعات وبالتالي ضمان استدامتها في المستقبل للأجيال القادمة.