بعيداً عن وجهة نظرنا في الأداء النيابي، والوزاري علينا الاعتراف بأن النواب هم خيار الشعب وممثليه، وتراجع الأداء النيابي في العقدين الأخيرين لا يتحمل السادة النواب وحدهم مسؤوليته، والمناخ السياسي الذي رافق حرمان النواب حق منح لغيرهم من زملائهم الذين سبقوهم؛ كان مشوباً وقتذاك بسخط الناس واحتجاجهم، وحكمة النصوص التشريعية والأسباب الموجبة لها يفترض أن لا تكون ناتجة عن ردود فعل، أو استرضاء لأحد، أو سخط على فئة، والحقيقة المفجعة التي لا نرغب بذكرها تؤشر بأن الحكمة التشريعية في محاكمة النصوص في كل مراحل التشريع غائبة، أو تكاد.
الأجواء السياسية الناقمة على النواب عندما قدمت مقترحات نيابية انفعالية بروح المناكفة، والتحدي بمساواة النواب، والوزراء في الحسبة التقاعدية قادت إلى تفاقم السخط الشعبي، والحكومي في آن واحد، وصنعت المبرر لتكييف العوائد المالية للنواب كمكافآت بدلاً من اعتبارها رواتب تصلح لأن تكون اساساً لحقوق تقاعدية، وذات الأجواء، والسخط على التشكيل الوزاري قاد إلى تعديل قانون التقاعد المدني، واعتبار الحد الأدنى للمدة التي يمكن بموجبها منح راتب تقاعدي للوزير هي عشرة سنوات كحد أدنى.
الواقع المرّ الذي يعتري العلاقة الشائكة الملتبسة دوماً بين النواب، والحكومة تم تصفيته في قانون التقاعد، والقراءة الوطنية لمصلحة الدولة تخلو من دراسة الخيارات، والمخاطر في هكذا تشريعات تبدأ في انحسار المواقع النيابية، والوزارية مع الوقت في الأثرياء والذين لا يعني لهم الراتب التقاعدي شيئاً، ويضحي معه تزاوج السلطة ورأس المال واقعاً معاشاً لا يمكن مقاومته، أو التخلص منه، ويحيل رجال الدولة المخلصين الذين لم تتلوث ايديهم بالفساد عالة على المجتمع بطريقة تمتهن فيها الشخصية الوطنية النظيقة بشكل لا يليق، وهناك أمثلة حاضرة -للأسف- على هؤلاء النواب السابقين الذين حاربوا الفساد، وخدموا الدولة بإخلاص وهم الآن في حالة يرثى لها.
كان من الأفضل أن يمنح النواب والأعيان رواتب تقاعدية معقولة وبذات الوقت منعهم من ممارسة أية أعمال خاصة في التجارة، والمهن الحرة كالمحاماة، والطب، والهندسة، أو أية أعمال أخرى تؤثر سلباً على استقلاليتهم، ونزاهتهم في العمل البرلماني أثناء عضويتهم في مجلس الأمة، وأعتقد أن الموازنة بين حق عضو مجلس الأمة في أن تحفظ احتياجاته الأساسية في التقاعد، والتامين الصحي من جهة، وحق الشعب في أن يتفرغ أعضاء مجلس الأمة للعمل البرلماني دون استخدام الموقع البرلماني لخدمة مصلحته الخاصة من جهة أخرى.
من الضروري الفهم أن الأجواء السياسية، والمناخ العام الذي رافق عودة المجلس العالي لتفسير الدستور عن فتواه بعدم جواز إنشاء نقابة للمعلمين، أجد أن هناك مصلحة وطنية عليا بضرورة أن تعيد المحكمة الدستورية قراءة الواقع الوطني بعين الحرص كما هي دوماً في قراءة روح النص الدستوري وتفسيره بناء على طلب الحكومة، أو مجلس الأمة؛ فدراسة إمكانية إجازة منح النواب، والأعيان رواتب تقاعدية تعيد التوازن الاجتماعي وتحفظ للشخصيات الوطنية من الأعيان، والنواب السابقين كرامتهم التي ترفعهم عن السؤال والذي لا يليق بدولة تحفظ كرامة رجالاتها من جهة، وتضع الأسس لحوكمة الأداء النيابي بطريقة تخدم الدولة والمجتمع معاً.
قد لا يكون مريحاً للبعض ما قلت، ولكن محاكاة المصلحة الوطنية العليا بحكمة، وروية، وهدوء تقتضي أن لا نستعجل القرار، وأن لا نطفئ الغضب الشعبي بقرارات شعبوية قد نندم عليها ردحاً طويلاً من الزمن.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء....!!!