تُعد منطقة الخليج واحدةً من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان واتساماً بالحساسية البيئية في العالم، فهي تعتمد بشكل كبير على تحلية الماء المالح، من أجل الحصول على مياه الشرب.
فقد شهدت تحلية المياه في منطقة الخليج طفرةً في العقود الأخيرة، فهي تعتمد اعتماداً شديداً على تحلية المياه لتوفير احتياجاتها من مياه الشرب. فالمملكة العربية السعودية والإمارات والكويت لديها أعلى طاقاتٍ إنتاجية للمياه المُحلَّاة في العالم، بحسبموقعLobelogالأمريكي.
وتضم منطقة الخليج الآن أكبر عدد من محطات تحلية المياه في العالم، بطاقةٍ إجمالية تبلغ 11 مليون متر مكعب في اليوم، أي ما يعادل حوالي 50% من الإنتاج العالمي اليومي من المياه المُحلَّاة.
ووفقاً للقمة الدولية للمياه، التي عُقِدَت في العام الماضي 2018، تُشكِّل هذه الدول الثلاث وحدها أكثر من ثلث الطاقة الإنتاجية العالمية للمياه المُحلَّاة.
ومن المتوقع أن يزداد الطلب على المياه في هذه الدول بنسبة 50% بحلول عام 2050، لكنَّ هذه الدول جميعاً، تقريباً لن تكون لديها أي خيارات أخرى إلى جانب الدول الأخرى في الخليج للحصول على المياه.
بيد أنَّ هذا الاعتماد على هذه الطريقة يزداد خطورة حين نُفكِّر في أنَّ هذه الدول ليس لديها سوى سعة تخزينية ضعيفة تستوعب مخزوناً احتياطياً من مياه الشرب يكفي استهلاك بضعة أيام فقط.
وبناء على مراجعة تقارير منشورة حديثاً، بما في ذلك تقرير أعدَّه مركز الخليج للأبحاث (في عام 2012)، جاءت بعض نسب إسهام تحلية مياه البحر في إنتاج مياه الشرب للدول العربية في منطقة الخليج كالآتي:
خلاصة 1: هذا الاعتماد ينطوي على مخاطر شديدة في منطقة متقلبة مثل الخليج، لاسيما في ظل التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران. فأي حادث أو نزاع عسكري في الخليج قد يتسبب في انسكاب كميات هائلة من الملوثات طويلة الأمد، مثل النفط الخام أو المواد المشعة في مياهه، مما قد يُشكِّل تهديداً خطراً لحياة ملايين الأشخاص في المنطقة وصحتهم.
وكذلك تُعَد محطات تحلية المياه لدى هذه الدول مُعرَّضة بدرجة كبيرة للهجمات العسكرية وانسكابات النفط، وغيرها من تلوثات مياه البحر، التي لا يمكن لأي منها التخلُّص منها بسهولة.
فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تتحول حادثة ناقلة النفط «سيكي» في عام 1994 إلى كارثة كبرى، إذا وصل النفط المتسرب إلى محطة تحلية المياه في إمارة الفجيرة. وكذلك في يوليو/تموز من عام 1997، تسرَّب وقود الديزل من بارجةٍ اصطدمت بقاع المياه في إمارة الشارقة، ودخل مأخذ إحدى محطات تحلية المياه، وأدى إلى تلوث كبير في إمدادات المياه لحوالي نصف مليون شخص. وأسفرت تلك الحادثة عن عدم توافر مياه الشرب في إمارة الشارقة يوماً كاملاً.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك تداعياتٍ على الأمن القومي واعتباراتٍ إنسانية تحيط بإمكانية تعرُّض محطات تحلية المياه في الخليج للخطر.
فهناك خطرٌ قائم أيضاً يُهدِّد إمدادات المياه الصالحة للشرب التي تصل إلى قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وتضم حوالي 11 ألف فرد عسكري أمريكي.
ومن ثَمَّ، فإذا لم يُنزَع فتيل الأزمة الحالية في منطقة الخليج، قد يؤدي ذلك إلى دورة تصاعدية من العنف العرضي أو المتعمد تستهدف مواقع عسكرية ومدنية، وقد تتسبب في كارثةٍ بيئية.
وقد تُسفر أي حرب يتم فيها تبادل الضربات في منطقة الخليج عن تصاعد العنف، حتى تلك الحرب التي بدأت على أنها صراعٌ يوصف بأنَّه «منخفض الشدة»، يهدف إلى معاقبة إيران بـ «إيذائها مؤقتاً».
فكما قال رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل (في كتابه My Early Life في عام 1930):
«دعونا نتعلم من تجاربنا. لا تصدق أبداً على الإطلاق أنَّ أي حرب ستكون سلسة وسهلة، أو أنَّ أي شخص يعتزم خوض رحلةٍ بحرية استكشافية سيمكنه قياس المد والجزر والأعاصير التي سيواجهها… يجب على رجل الدولة الذي يستسلم لحمى الحرب أن يدرك أنَّه فور إعطاء الإشارة، لم يعد سيد السياسة، بل عبداً لأحداثٍ لا يمكن التنبؤ بها ولا السيطرة عليها. هيئات عفى عليها الزمن مسؤولة عن إدارة الحرب، وقادة ضعفاء أو غير أكفاء أو متعجرفون، وحلفاء غير جديرين بالثقة، وأطراف معادية يُفترض أنَّها محايدة، وسوء حظ لعين، ومفاجآت قبيحة، وحسابات خاطئة فظيعة، كل هذه العوامل تدخل في المشهد فور إعلان الحرب… وتذكر دائماً، مهما كانت درجة يقينك من أنك تستطيع الانتصار بسهولة، فالطرف الآخر كذلك يعتقد بأنَّ لديه فرصة في الفوز، وإلَّا فما كانت الحرب لتندلع من الأساس».
لقد هدَّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ «محو» إيران في حال نشوب صراع، وهذا يجعل حدوث تصعيد أمراً شبه أكيد.
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ صحيفة The New York Times الأمريكية ذكرت أنَّ «مسؤولين بارزين» سعوديين وإماراتيين قالوا لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو «إنَّهم لا يريدون حرباً مع إيران… وقد قال مسؤولٌ بارز في الإدارة الأمريكية، إنَّه في حال اندلاع حرب تشمل ضرباتٍ متبادلة، ستتحمَّل هاتان الدولتان على الأرجح النصيب الأكبر من وطأة التداعيات».
إذاً، يبدو أنهما يدركان المخاطر التي قد تشكلها الحرب على مصالحهما الخاصة.