بهدوء
عمر كلاب
لا ينجح متآمر الا بتقصير مقصّر , هذه الحقيقة ترفض العقول السياسية في بلادنا التفاعل معها او ان تشتبك معها ايجابيا , فهي ما زالت واقفة عند لافتتين , اما ان كل ما يجري في بلادنا هو مؤامرة من العدو , الذي يمكن في حال عدم وجوده ان ننتجه كما اجدادنا في الجاهلية من تمر ثم ناكله او من نفط ثم نبيعه او من وهم ثم نشربه , كمقلب تاريخي , او اللافتة الثانية , ان كل ما يحدث هو نتيجة قصور وتقصير وفساد وافساد , لكن الواقع التاريخي والمشاهدات اليومية تقول اننا وقعنا في البئرين على حد سواء , فهناك تقصير واضح بل وفاضح وهناك مؤامرة نراها كل يوم وكل ساعة , ليس اخرها صفقة القرن ولا اولها تقسيم فلسطين .
هناك من يربط بين المهمتين او اللافتتين بوصفهما تحصيل حاصل استنادا الى حديث باتت له سمة القداسة , نرويه على لسان عميل روسي للمخابرات الامريكية , وفحواه ان مهمة هذا الجاسوس كانت وضع الرجل الخطأ في اي منصب متاح – وضع غير المناسب في موقع المسؤولية – طبعا لا اقصد من الحديث انكار اننا نتعرض الى مؤامرة , لكن العالم كله ليس مشغولا بنا وحدنا وكأنه ترك الكون وتفرغ للمؤامرة علينا , ولا يجوز ان نعزو كل هذا الخراب والتجريف المجتمعي والسياسي والاقتصادي للمؤامرة وحدها , وننسى التقصير والمقصرون ونحن منهم وأقصد ب – نحن – الكل الوطني فلا بريء فينا , لكن ليس بوصفنا ضحايا فقط لا غير .
منذ اسابيع والجميع مشغول بالموقف الرسمي من المشاركة في ورشة البحرين , الرافض لحضورها رأى فيها خيانة ودخول في مستنقع المؤامرة , والمؤيد لحضورها رأى انها فرصة للوقوف امام المؤامرة , والحال ينسحب على باقي المواقف , فالمؤيد للحكومة جزء من المؤامرة والمعارض للحكومة صامد في وجه المؤامرة , الذي يرى في قانون الضريبة بداية انتاج لعلاقة جديدة بين المواطن والدولة مع المؤامرة والرافض له صخرة في وجهها , كل مواقفنا مبنية على فردية المؤامرة او التقصير , لأن هناك من يقول ان تقصير السابقين هو الذي اوصلنا الى الحالة وكان رجمهم بالتهم كافٍ لاخراجنا من المأزق الذي نحن فيه , ويرفض الاصلاح او مناقشته ويريد تأبيد الوضع القائم لانه يحقق رغباته او مصالحه او تعايش معه ولا يعرف غيره .
بالمناسبة العالم كله يتعاون مع العالم ورأينا كيف تتعاون دولا كثيرا على مواجهة اخطار محدقة مثل الارهاب واسلحة الدمار الشامل , والعالم كله يتآمر على العالم , ورأينا كيف تدعم دول او تيسر مهام الارهاب هنا وتمنعه هناك , وكيف تسمح لدولة باستخدام اسلحة دمار شامل وتمنعها عن اخرى , فهذه سمة طبيعية ولا تحتاج الى كثير فطنة , لكن عقلنا بات اليوم اقرب الى القبول بالاسهل او بالانفع الشخصي وليس الانفع الوطني , فالارقام والمؤشرات عن الحالة الوطنية صادمة بكل المقاييس من ارقام الطلاق الى ارقام جرائم القتل الى ارقام حوادث السير الى اعداد الوزراء في عام واحد والقائمة تطول ولا اظن كلها ناجمة عن مؤامرة .
الخشية على الاردن اليوم , وتحديدا اليوم , هو أن تلتقى مؤامرة متآمر مع تقصير مقصّر , بعد ان قالت الارقام وهي لا تكذب ان ثقة الاردنيين بالحكومة رغم كل نقاط التراجع , اعلى من ثقتها بالاحزاب على اختلاف تلاوينها , ومع ذلك تستمتع الاحزاب بتراجع نسب الثقة بالحكومة دون ان تنهض من غفوتها وتراجع كل منظومة عملها وتبدأ بالعمل الجاد دون الاستكانة الى نظرية المؤامرة وحدها وكانها خالية من القصور والتقصير .
omarkallab@yahoo.com