نبض البلد - مروان العمد
نلاحظ ان وتيرة التصعيد في منطقة الخليج في ارتفاع مستمر بحيث اصبحت تبدوا وكأنها على فوهة بركان حتمي الانفجار . فهل هي كذلك وهل الانفجار حتمي ؟ وقبل الاجابة على هذا التساؤل يجب البحث عن ما هي الغاية والأهدف مما يحصل هناك في هذه الايام .
ان الرئيس دونالد ترامب قام باطلاق الكثير من الوعود الانتخابية وهو بالرغم من فشله في تحقيق معظمها الا انه لا يتوانى عن العمل لتحقيق بعضها حتى لو وصل به الامر الى حافة الهاوية . ومن وعوده الانتخابية كان اعادة النظر في الاتفاق النووي الايراني ووضع قيود جديدة على امكانيات ايران النووية وقدراتها التسليحية وخاصتاً في مجال الاسلحة البالستية او هكذا يبدوا الامر . ولما لم يستطع تحقيق ذلك قام بأعلان الخروج من هذا الاتفاق من جانب واحد وطالب شركائه الاوربيين بأن يحذوا حذوه الا انهم لم يستجيبوا له وظلوا مصرين على الالتزام بهذه الاتفاقية واعتبارها كافية للجم تتطلعات ايران النووية . عندها لجأ الى فرض عقوبات اقتصادية على ايران وحصار اقتصادي عليها ثم التهديد بتطبيق مثل هذه العقوبات على اي دولة في العالم لا تلتزم بهذه العقوبات وحتى من الدول الحليفة له . وعند فشله في ذلك اتبع مسلكاً جديداً وهو تصوير ايران بانها هي الخطر الاكبر على المنطقة وانها هي عامل عدم الاستقرار فيه وليس غيرها وانه يجب وضع حد لتدخلها بدول المنطقة وتهديدها لها وربط ذلك بصفقة القرن والتي يعمل على تحقيقها مع فريق ادارته دون ان يعلن عن بنود هذه الصفقة حتى الآن وقد نجح في اقناع بعض دول المنطقة بوجهة نظره هذه والتي اخذت هي بدورها تروج لها وتدعمها .
وترامب يهدف من وراء ذلك الى هدفين اولهما تغيير بوصلة العداء من ناحية اسرائيل الى ناحية ايران . والثاني تسهيل تطبيق صفقة القرن . وهو ان نجح في الشق الاول جزئياً ، الا انه لم ينجح في تطبيق الشق الثاني المتعلق بصفقة القرن السرية وحشد المناصرين لها حتى الآن ، الامر الذي شكل اكبر ضربة له . وزاد الامر تعقيداً عليه قرار الكنيست الاسرائيلي بحل نفسه واعادة الانتخابات بعد فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة الاسرائيلية والتي كان من المفروض ان يعلن ترامب تفاصيها بعد تشكيلها ليعود ويؤجل الاعلان عن الصفقة الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية القادمة ونتائجها والحكومة التي سوف تشكل نتيجة لها .
ولكنه كان قد اعلن عن المؤتمر الاقتصادي الذي سوف يعقد في البحرين وانه سوف يطرح من خلاله البنود الاقتصادية لصفقة القرن والتي ستكون بديلاً للبنود السياسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية . وكان قد روج لهذا المؤتمر بأنه اهم انجازات صفقة القرن وكان من المفترض ان يتم حضوره على مستويات عالية من المسؤولين . ولكن اعلان العديد من الدول عدم مشاركتها في هذا المؤتمر وتردد الكثيرين في اعلان موقفهم منه ، اخذ يحمل معه بوادر فشله . ولذا بدأت الولايات المتحدة بتصغير المتوقع منه وتنزيل مستوى التمثيل فيه ، حيث اعلن وزير الخارجية الامريكية انه لن يحضر هذا المؤتمر . وبعد ان كان من المفترض ان يحضر المؤتمر وفد اسرائيلي كبير يتكون من اكثر من مئتي عضو فقد انخفض هذا الرقم الى عدد محدود من الاشخاص الذين ليس لهم صفة حكومية . ومع ان كوشنير سوف يحضر هذا المؤتمر فأن كل ما سوف يفعله هو القاء كلمة خلال خمسة عشر دقيقية منه . ثم سيقتصر عمل المؤتمر على تقديم اوراق بحث يقدمها عدداً من الخبراء من الخليج العربي والولايات المتحدة الامريكية حول ما يمكن ان يقدم للضفة الغربية وقطاع غزة من اغراءات اقتصادية كبديل عن فكرة الدولة المستقلة ، على ان يُختتم المؤتمر بجلسة يشارك فيها وزراء مالية عرب لم يعلن الموافقة على حضورها حتى هذه اللحظة سوى وزير مالية البحرين . واذا سار الامر على هذا المنوال فسوف يكون ذلك صفعة وسقطة كبيرة لترامب وصفقته في المنطقة ، فهل يكون التصعيد الحالي هو لإيجاد مبرر لالغاء هذا المؤتمر او على الاقل تأجيله من غير ان يظهر الامر وكأنه هزيمة لمشروع ترامب ؟ وهل هذا يتم بالتنسيق مع ايران نفسها أو من خلال استغلال ازمتها مع الولايات المتحدة الامريكية لتحقق هذه الغاية ؟
وللوصول الى استنتاج معين حول هذا الموضوع سنقوم باستعراض اهم الاحداث التي حدثت في تلك المنطقة خلال الاربعين يوما الماضية . ففي الثاني عشر من شهر ايار الماضي تعرضت اربع سفن تجارية مدنية الى عمليات تخريبية بالقرب من المياه الاقليمية لدولة الامارات العربية مقابل امارة الفجيرة وضمن الحدود الاقتصادية لدولة الامارات ، وكانت هذه السفن ناقلات نفط اثنتان منها للسعودية وواحدة للامارات والرابعة نيروجية . والحقت هذه العمليات اضراراً بالغة في الناقلات الاربع . وقد سارعت الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية بتوجيه اصابع الاتهام لإيران بأنها هي المسؤولة عن هذه الهجمات، في حين اعلنت العديد من الدول الاوروبية ان الادلة لا تكفي لاثبات ان ايران تقف خلف هذه الهجمات ، فيما انكرت ايران علاقتها بها ونسبتها الى طرف ثالث يسعى لتأجيج الصراع في المنطقة لصالحه دون تحديد من هو هذا الطرف . وبعد يومان من هذه الحادثة تعرضت محطتي ضخ بترول تابعتان لشركة ارامكوا وداخل الاراضي السعودية لهجموم باستخدام طائرات دون طيار واعلن الحوثيين المتحالفين مع ايران مسؤليتهم عن الهجومين .
وبتاريخ الثالث عشر من شهر حزيران الحالي تعرضت ناقلتا نفط للهجوم في خليج عمان مما الحق بهما اضراراً جسيمة واندلاع النيران في احداهما، وتكرر نفس السيناريو حيث نسبت الولايات المتحدة الاميركية وبعض دول المنطقة مسؤولية الهجوم الى ايران فيما لم تبت في الامر بعض الدول الاوروبية ونفت ايران علاقتها بالحادث واشارت الى ان طرفاً ثالثاً هو الذي قام به .
وكان مطار ابها الدولي في السعودية قد تعرض في اليوم السابق لذلك الى قصف بواسطة صاروخ قيل انه من نوع كروز واعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن اطلاقه والذي تسبب في خسائر مادية في المطار واصابة ٢٦ شخصاً مدنياً باصابات مختلفة .
ثم انتقلنا للمرحلة الثالثة من التصعيد عندما اعلنت ايران انها اسقطت طائرة استطلاع امريكية مسيرة عن بعد بواسطة صاروخ تم اطلاقه عليها كونها قد اخترقت الحدود الجوية الايرانية فيما اعلنت الولايات المتحدة الامريكية ان طائرتها أُسقطت فوق المياه الدولية وان هذا عمل عدواني . وبعد ان قرر ترامب واركان حكومته توجيه ضربات الى بعض مواقع الصواريخ والرادار الايرانية وموافقة ترامب على ذلك بالرغم من تحفظات الديمقراطيين على هذا الفعل ، عاد ترامب وغرد انه امر بالغاء الهجوم قبل عشر دقائق من بداية تنفيذه وحين كانت الطائرات التي سوف تشارك في الهجوم تحلق بالجو والسفن في وضع استعداد، وقال انه فعل ذلك بعد ان علم ان هذا الهجوم سوف يوقع ١٥١ قتيلاً من القوات الايرانية على وجهه التحديد وانه لذلك سوف يلجأ الى طرق اخرى من بينها توجيه انذارات الى ايران ان وتشديد الحصار والعقوبات عليها ودعوتها للحوار معه دون شروط مسبقة ما عدى شروطه هو والتي هي سبب الازمة بين الطرفين . وقال ان الطائرة التي سقطت لم يكن بها ارواح بشرية وانه لا يريد ايقاع خسائر بشرية في ايران . وفي نفس اليوم تصادف ايضاً وان اطلق الحوثيون صاروخاً على محطة تنقية للمياه العادمة في السعودية ووقع الصاروخ بالقرب منها وان لم يلحق بها اضراراً ملموسة .
فهل بعد ذلك تكون هذه الاحداث المتلاحقة والمتزامنة حصلت من قبيل الصدفة ام هي اعمال مقصودة الهدف منها زيادة جرعة الاثارة في المشهد الخليجي ؟ وهل كل طرف منها يقوم بدوره بمعزل عن الاطراف الأخرى ام ان كلٍ منها يؤدي دوره في سيناريو الاحداث وتحت ادارة مخرج واحد ؟ وهل حقاً ان الازمة تتعلق بنشاط ايران النووي وسلاحها الباليستي وتدخلها في دول المنطقة وان الهدف هو القضاء على الخطر الايراني عليها ام هو استنزاف لهذه الدول وتفتيت لها تمهيداً لتطبيق بنود صفقة القرن ولصالح الدولة الصهيونية ؟ وهل الهدف من هذا التصعيد ايجاد مبرر للإدارة الامريكية للاعلان عن تأجيل مؤتمر المنامة المزمع عقده في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من الشهر الحالى حتى لو تطلب الامر ضربة عسكرية هنا اوهناك مع بعض الخسائر في الارواح ؟ وهل ايران بذلك هي شريك ام عدو للولايات المتحدة الامريكية ؟ . قد تكون الاجابة على بعض هذه الإستفسارات او كلها في قادم الايام .