بلال العبويني
بداية، ليس من حق أيا كان أن يتحدث باسم بقعة جغرافية ليُحمّل كل من يسكن فيها موقفه من القضايا العامة سواء أكانت سياسية أو اجتماعية، كما ليس لأحد أن يطلق اسم مدينة أو قرية أو مخيم أو بلدة، أو حتى عشيرة وعائلة على حراكه مهما كان نوع ذلك الحراك.
ذلك أن الساكنين في المحيط الجغرافي الواحد، من دون أدنى شك ينتمون إلى مشارب فكرية وسياسية مختلفة، ومن المستحيل أن يجتمعوا على فكرة واحدة مهما كانت مقدسة، فالمقدس لهذه الفئة؛ قد لا يكون كذلك لدى أخرى، وإن كان ثمة اتفاق على ما هو مقدس فإن الاختلاف سيكون حتميا في شكل وأدوات التعبير عنه.
وتأسيسا على ذلك، فإن استخدام أسماء الأماكن، وتحميلها مواقف سياسية، يجب أن يكون مرفوضا باعتبار أنه ليس منطقيا، ومن هنا فإن البيان الذي يُقال إنه صادر عن ما يُسمى بـ "حراك المخيمات"، مرفوض أولا لاستخدامه اسم موقع جغرافي يسكنه أناس متنوعون من حيث الخلفية الثقافية والفكرية والتوجهات السياسية، ومشبوه ثانيا وأخيرا لأن صيغته تدل على أن وراء الأكمة ما وراءها.
حال هذا البيان، كحال الكثير من البيانات التي استخدمت أسماء أماكن، فإنها من دون أدنى شك تعبر عن القلة من أبناء تلك الأماكن، ولا تعبر عن المجموع البشري الذي ينتمي إليها.
لذلك، لو أجرى أحدهم استفتاء حول مدى الرضى عن تلك البيانات لوجد أن الغالبية تعارض ما يصدر عنها، وربما ستجد الكثيرين ممن يهاجمون من يقف وراءها وينعتونهم بأبشع الأوصاف.
الحراك السياسي في أي دولة بالعالم، ليس "سُبة"، بل هو حركة طبيعية للمجتمعات التي من المؤكد أن البعض منها تتعارض مصالحه مع الممارسات السياسية للحكومة أو السلطة الحاكمة، غير أنه في الدول المتحضرة أساسه حراكا حزبيا منظما.
غير أن الحراك لدينا، وهو مُحترم ومُقدر، إلا أنه لا يعبر عن حالة سياسية، حتى وإن حمل عناوين سياسية، بل يعبر عن نشاط مطالبي، لأن الحالة السياسية تشكلها الأحزاب والأطر السياسية المنظمة، التي من المفترض أن أعضاءها متفقين على المطالب وسقفها وكيف تكون نهايتها.
غير أن الخطورة لدينا تكمن في أن الأحزاب لا تعبر عن أوجاع ومطالب المواطنين الحقيقية، وأن لا ثقة شعبية بها، فهي من دون أثر وتأثير، ما يعني أن البديل سيظل حتما بحراكات هنا وهناك تنطلق من مطالب متعددة ومختلفة ولا تكاد تجد اتفاقا بين "الحراكيين" أنفسهم على "من أين نبدأ وإلى أين ننتهي؟".
والسؤال، لو حاورت الدولة أي من الحراكيين واتفقت معهم على جملة من القضايا، هل سيقبل الآخرون، أم أن الاتهامات ستكون حاضرة من مثل الخذلان وبيع الحراك وما إلى ذلك من اتهامات تشكيكية.
الحالة السياسية لا تشكلها إلا الأحزاب والتيارات السياسية المنظمة، وهذا ما يجب العمل عليه لتقويته وهو دور منوط بالأحزاب أولا لترتب بيتها الداخلي عبر الاندماج وتقوية بنيتها الداخلية والشعبية، وعبر إيمان أصحاب القرار بأن الحل الوحيد يكمن في أحزاب برامجية قوية.
لذلك، نحن أحوج ما نكون إلى تطوير بنيتنا السياسية للشروع في عملية إصلاح منظمة ومتدرجة يقبلها الجميع دون شطط أو سقوف غير مقبولة وغير جامعة حتى في صفوف الحراكيين أنفسهم، ولكي نتخلص من الزج بأسماء الأماكن والعشائر والعائلات في بيانات لا تعبر مضامينها عن الغالبية العظمى من المنتمين إليها.