الخرطوم-وكالات
برز اسم "تجمع المهنيين السودانيين" فجأة مع بداية الاحتجاجات ضد حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، ورغم أن أحدا لم يكن يسمع به إلا أن الجميع التف حوله ليسقط بعد ذلك أطول حكم في البلاد.
وكشف نقيب الأطباء، أحمد عبد الله الشيخ، لصحيفة "الشرق الأوسط" كيف نشأ هذا الكيان وكيف كان ينشط بسرية خلال حكم "الإخوان المسلمين"، وكيف التف حوله الناس رغم أن الجميع كان يجهل هوية "تجمع المهنيين".
وقال الشيخ الذي كان معتقلا إن فكرة "تجمع المهنيين" نشأت في عيادته الطبية الخاصة في أكتوبر عام 2012 حين عُقد اجتماع صغير حضره عدد محدود من الأطباء بغرض تكوين نقابة في السر لتبدأ مقاومة نظام البشير.
وانتهى الاجتماع إلى تكوين تنظيم محدود باسم نقابة أطباء السودان "الشرعية" لتميزها عن نقابة الأطباء "المزورة"، التي كانت الحكومة تديرها، وقد تمت دعوة نقابات أخرى في وقت لاحق للانضمام إلى هذا التجمع، فتكونت نقابة لأساتذة جامعة الخرطوم، وأخرى للمعلمين، ثم المهندسين والصيارفة، وأصبحت النقابات عمليا تجمعا للمهنيين، لكنه ظل ينشط سرا.
وبعد عام تقريباً وقعت أحداث سبتمبر 2013 الدموية التي قتلت خلالها أجهزة الأمن بالرصاص نحو 300 شخص ضمن موجة احتجاجات شعبية سلمية، واعتقلت الآلاف، ورغم أن "تجمع المهنيين" لم يكن خلف الدعوة لتلك الاحتجاجات، لكنه دعمها.
وأوضح الشيخ أن جهاز الأمن والاستخبارات منذ أحداث 2013 التي خلفت نحو 300 قتيل برصاص الشرطة، علم منذ تلك الفترة بوجود نشاط لبعض نقابات المهنيين، ومن ثم شدد رقابته على أعضائه المكشوفين واعتقل بعضهم، خشية أن تكون امتدادا لـ"لربيع العربي" الذي بدأ في 2011.
وفي 2014 قرر "التجمع" الإعلان عن وجوده (دون الكشف عن عضويته) على أمل أن يشجّع ذلك بقية النقابات والمهنيين على تشكيل لجانهم والانضمام إلى "تجمع المهنيين" الذي كان حتى ذلك الوقت يضم 5 نقابات فقط. ولكن، يقول الشيخ، إن "الهجمة الأمنية بعد أحداث 2013 كانت قوية وعنيفة واستمرت لفترة طويلة، مما حد من نشاط المهنيين وشل حركتهم".
واستمر هذا الوضع حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2018، حين قرر "تجمع المهنيين" تقديم مذكرة لـ"اتحاد العمال" تتحدث عن رفع الحد الأدنى للأجور. لكن اتحاد العمال، التابع للحكومة، رفض تسلم المذكرة، "فقررنا تسليمها إلى البرلمان". وفي غضون ذلك كانت الأزمات الاقتصادية قد تفاقمت بدرجة كبيرة تمثلت في شح المواد الغذائية والبترولية، ومعدل تضخم يرتفع يومياً، فضلاً عن شح السيولة الذي أدى خلال وقت قصير إلى انهيار شبه كامل للنظام المصرفي.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي تفاقمت بدرجة كبيرة قرر "تجمع المهنيين" الاجتماع في ديسمبر 2018 وبدء احتجاجات تطالب صراحة بإسقاط النظام، وتمت دعوة نقابات أخرى إلى الانضمام لهذه الحركة ودعمها.
ولفت الشيخ إلى أن "تجمع المهنيين" ليس له رئيس أو قائد حتى هذه اللحظة لأن العمل فيه جماعي.
وكانت الشرارة التي بدأت موجة الاحتجاجات الأخيرة هي أحداث مدينة عطبرة (شمال شرقي السودان) حين خرج طلاب إحدى المدارس في مظاهرة عفوية يوم 19 من ديسمبر بعد أن أبلغتهم إدارة المدرسة بأنه لا يوجد خبز لوجبة الإفطار في ذلك اليوم. وتعاطف سكان المدينة مع الطلاب وانضموا إليهم في مظاهراتهم، التي توسعت وانتشرت في بورتسودان ومدن أخرى.
ومع تواصل المظاهرات تواصل انضمام نقابات أخرى إلى تجمع المهنيين حتى فاق العدد 20 نقابة شملت غالبية قطاعات المهنيين في السودان، وأصبحت للتجمع فروع في غالبية مدن السودان التي قادت بدورها حراكا شعبيا في تلك المدن أدى لتدخل الجيش وعزل البشير.