غزة- وكالات
رغم تردي أوضاعها الاقتصادية، كانت عائلة محمد المدهون (35 عاما)، القاطنة شمالي قطاع غزة، تخطط لاستقبال أيام رمضانية جميلة، فشراء فانوس بمبلغ زهيد يرسم الفرحة على وجوه أطفالها لن يشكّل عبئا ماليا كبيرا عليهم.
الأطفال "فاطمة" (عامان ونصف) و"محمود" (3 أعوام ونيف)، و"أكرم" تحمّسوا لشراء فوانيس خاصة بهم ليلة رمضان، وامتلكتهم فرحة بددت الخوف الذي لمع في عيونهم جرّاء أصوات الانفجارات التي تسببها الغارات الإسرائيلية حولهم.
الوالدة "أماني"، الحامل في شهرها التاسع، تبقّى على وضعها للمولود الجديد "أيمن" أيام قليلة، ورغم ضيق الحال، إلا أنها استكملت مستلزماته الناقصة من ملابس وغيره.
عصر الأحد، توزّع أفراد العائلة كلّ إلى مصالحه بعد الانتهاء من وجبة الغداء، فذهبت أماني مع طفلها "محمود" للنوم وأخذ قسط من الراحة، حيثّ مرّ اليوم ثقيلا عليهم بفعل أصوات الانفجارات.
وأما "فاطمة" فذهبت لتمرح قليلا مع جدّها "عبد الله" الذي كان يجلس في بقالته الصغيرة، التي أُسست بشكل ملاصق للمنزل.
فيما جلس رب الأسرة "محمد" مع صديقه يحتسيان القهوة ويتحدثان عن استقبالهم لشهر رمضان في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية.
كان محمد يشعر بالأسى الكبير لأنه لم يوفّر احتياجات شهر رمضان لعائلته، بسبب تعطّله عن العمل.
تناول الوالد فنجان القهوة خاصته، واستدار ناحية صديقه، حتّى بدد صوت انفجار ضخم تلاه تطاير لركام المنزل المختلط بالغبار.
"كل شيء كان أشبه بساحة حرب، لم أفهم للوهلة الأولى أنني أنفض عن جسدي ركام المنزل، مرّت لحظات ثقيلة حتّى تبدد الغبار الذي خرج ساخنا من بين الأنقاض"، هكذا وصف المدهون، الناجي من المجزرة، لحظات الانفجار الأولى.
وبعد ذلك، انكشف الأمر أمام ناظريه، صاروخ إسرائيلي سقط على منزله ودمّره فوق رؤوس عائلته.
هرع "محمد"، غير آبه بجراحه، بعد مرور دقائق على القصف، إلى المنطقة التي كانت تتواجد فيها غرفة النوم، والتي أحيلت إلى كومة من الدمار، ليبحث عن زوجته الحامل وطفله "محمود".
بيديْن ترتجفان من هول الصدمة، بدأ "محمد" بنبش الركام حتّى يصل لهما، فوجد زوجته الحامل، قد فارقت الحياة، بعد أن غُرست شظية في بطنها وغطّى الركام جسدها كاملا، فأرداها و"أيمن" المولود المنتظر شهيدين.
وأما "محمود" فقد أصيب بجراح خطيرة يمكث على إثرها حاليا في غرفة "العناية المركّزة".
انتقل الأب بأوجاع فقدان "زوجته" و"طفله"، إلى منزل شقيقه "عبد الله" الملاصق تماما لمنزله، والذي دُمّر هو الآخر بفعل الصاروخ ذاته، ليجد شقيقه ملقى على الأرض مضرجا بدمائه، ومفارقا للحياة.
تتالت الصدمات على "محمد"، لم يبكِ بعد فقدان قلبه، ليجد والده "عبد الرحيم" وطفلته "فاطمة" مصابين بجروح خطيرة، وأما "أكرم" فجراحه متوسطة.
وبعد مضيّ فترة وجيزة، فارق والده الحياة على إثر إصابته ليكون الرابع من بين أفراد عائلته، والذين قضوا في المجزرة الإسرائيلية، فيما ترقد "فاطمة" إلى جانب شقيقها "محمود" في غرفة العمليات المركّزة.
لم تنته "المجزرة" عند عائلة المدهون، بل استشهد بشظايا ذات الصاروخ جارهم "فادي بدران" الذي كان يقف أمام باب منزله، الملاصق لمنزل المدهون، حاملا طفلته بين ذراعيه، والتي أصيبت هي الأخرى بجراح خطيرة.
وأما منزل شقيقه "أحمد"، الملاصق لمنزله أيضا، فقد دُمّر بشكل كامل وأصيبت ابنته "سجى" بجراح حرجة، هكذا استقبلت عائلة المدهون، شهر رمضان، بمجزرة إسرائيلية أردتهم بين شهداء وجرحى ومكلومين وأيتام.//