بلال العبويني
من دون شك، تسعى الإدارة الأمريكية إلى إبقاء المنطقة في حالة قلق دائم، ويتجلى ذلك بما تسرب عبر الأشهر الماضية من معلومات عن صفقة القرن، وما استمعنا إليه مؤخرا من تصريحات تنفي بعض تلك التسريبات، فضلا عن التأجيل المتكرر لموعد إعلانها.
آخر تلك التصريحات وَصْف المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات الحديث عن أن الصفقة تتضمن كونفدرالية بين الأردن والسلطة الفلسطينية والحديث عن وطن بديل للفلسطينيين في الأردن "إشاعة غير صحيحة". وهذا التصريح، يدخل في ذات سياق إبقاء المنطقة في حالة من التوتر والخوف الدائمين.
خلال الأيام الماضية، طالعنا الكثير من التصريحات الأمريكية، منها أن الصفقة لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية، ولا حل الدولتين، وأنها تركز على الشق السياسي كالقدس والشق الاقتصادي لمساعدة الفلسطينيين على تعزيز اقتصادهم.
بعض هذه التصريحات عاد مسؤولون أمريكيون ونفوها، مثل عدم تضمن الصفقة إقامة دولة فلسطينية، حيث قال مسؤول أمريكي نشرت الصحافة العبرية تصريحا له أمس إنه أسيء فهم ما قاله حيال الصفقة.
إن عدم وضوح التصريحات الأمريكية حيال صفقة القرن، والأخبار التي تتسرب بشكل شبه يومي في الصحافة الأمريكية والعبرية، تؤكد أن ثمة مخططا لإبقاء المنطقة في حالة قلق دائم وفي حالة تشكيك لا تنقطع لضرب علاقات دول المنطقة بعضها ببعض عبر تسريب اطلاع طرف دون آخر على تفاصيل الصفقة وعبر نشر أخبار تتعلق بضرورة أن يكون في المنطقة شريك للولايات المتحدة لتمرير الصفقة عبر الضغط على الفلسطينيين والأردن بطبيعة الحال للقبول بها.
كوشنر قال قبل أيام إنه يجب على الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، تقديم تنازلات لتمرير الصفقة، والسؤال هنا ما هي التنازلات المطلوبة من الفلسطينيين، وما مدى خطورتها مع التنازلات التي يتوجب على الإسرائيليين تقديمها.
في الواقع صفقة القرن بدأت منذ أن توسعت دولة الاحتلال في بناء المستوطنات بالضفة الغربية، وبعد أن أعلن ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال ليختمها مؤخرا بضم الجولان السوري المحتل للسيادة الإسرائيلية.
وبالتالي، فإن التصريحات الأمريكية التي بدأنا الاستماع إليها مؤخرا لا تخفف من حدة القلق والخوف مما هو قادم، ذلك أن المطلوب سيكون على أقل تقدير القبول بالأمر الواقع والتنازل عن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وغض الطرف عن الأراضي المقامة عليها المستوطنات في الضفة الغربية وهي الأراضي التي من المفترض أنها جزء من الدولة الفلسطينية المنشودة حسب الاتفاقيات باعتبارها أراضي محتلة بعد حرب حزيران عام 1967.
أما لماذا تحرص الإدارة الأمريكية على إبقاء المنطقة عرضة للإشاعات والتشكيك الذي يأخذها يمنة ويسرة؟، فإن الإجابة تبدو واضحة، عند الحديث عن الرغبة الأمريكية في الحصول على تنازلات من دول المنطقة قبل الإعلان الرسمي عن الصفقة.
صحيح ما قاله غرينبلات أمس أن "الملك عبد الله الثاني والأردن حلفاء أقوياء للولايات المتحدة"، غير أن ذلك لا ينفي حقيقة الضغوط للسبب الذي أوردناه سابقا، على الأقل، بيد أن الواضح إدراك الإدارة الأمريكية لصلابة الموقف الأردني جعل غرينبلات يصرح بذلك، وهذا ما يؤكد حاجة الولايات المتحدة للأردن وصدقية ما قاله الملك عندما أطلق لاءاته الثلاث الشهيرة وعندما أكد أن للأردن كلمة لتقولها في هذا الشأن.//