رام الله -وكالات
تجلس كل يوم في غرفته وتمسح الغبار عن محتوياتها، تحاول تجنّب النظر مباشرة إلى صوره، تحاول منع نفسها من فتح خزانة ملابسه ولكنها تفعل ذلك كل مرة وكأن رائحتها تناديها؛ فتحمل قطعة منها وتُغرق وجهها فيها وتبدأ بالبكاء.
بات ذلك جزءا من حياة الفلسطينية "أم أيهم" التي يباعد سجن الاحتلال الإسرائيلي بينها وبين نجلها الأكبر، تعود بذاكرتها إلى يوم شكّل فارقاً في حياة العائلة لتدخل حياة جديدة ليس "أيهم" جزءا منها.
في 18 شباط فبراير 2016 تلقى والد الطفل أيهم صباح (14 عاما) من بلدة بيتونيا غرب رام الله اتصالا، أخبره المتصل بأنه ضابط في مخابرات الاحتلال وعليه الحضور لمركز عسكري قرب المدينة، وهناك تفاجأ بالأسئلة تنهال عليه حول نجله وروابطه الوطنية وعلاقاته بالمقاومة، أخبرهم أن أيهم مجرد طفل بالصف التاسع ويحب كرة القدم.
ويضيف: "كنت متفاجئا للغاية وظننت أن أيهم قام بكتابة منشور وطني على صفحات التواصل، ولكنّ الضابط حوّل المفاجأة إلى قلق حين أجبرني على النظر إلى صورة فتى مضرجا بدمائه ويحمل ملامح أيهم؟ تأكدت من ذلك من ملابسه ولكن ألف سؤال دار ما الذي حدث له، قفزت صارخا ماذا فعلتم به؟ أين ابني؟".
بعد ساعات علم والد أيهم أن نجله نفذ عملية طعن لأحد المستوطنين بمشاركة صديقه في الصف ذاته الطفل عمر الريماوي (14 عاما).
وأطلق الاحتلال الرصاص على الطفلين اللذين حملا سكين مطبخ ودخلا مركزا تجاريا بمستوطنة شرقي رام الله.
ويتابع: "كانت صدمة كبرى، أيهم مجرد طفل ولم أره يحمل سكينا، كيف فعل ذلك وكيف وصل إلى ذاك المكان، كان المشهد معقدا للغاية ومشاعر القلق تجتاحنا، هل هو حي يرزق أم في عِداد الشهداء".
في الوقت ذاته كان سمير الريماوي مدير إحدى الشركات التجارية في رام الله يتم استجوابه أيضا من قبل مخابرات الاحتلال، الصدمة ذاتها والموقف القاسي نفسه مر به وسط ذهول شديد وقلق أكبر.
يقول أبو عمر، "أظهروا لي صورة لفتيين صغيرين مضرجين بدمائهما، ويظهر أنهما فارقا الحياة، سألت الضابط هل استشهد عمر فأجاب بنعم، حبست دموعي أمامهم لكنها كانت تغلي في داخلي، قلت (إنا لله وإنا إليه راجعون)".
ويوضح أنه ما إن غادر الموقع حتى كان الخبر منتشرا بأن عمر استشهد وبدأت الترتيبات لبيت عزاء، ولكن مع غروب الشمس هاتفهم الضابط وقال لهم إنه مصاب ولم يفارق الحياة.
بدورها، تقول والدة الطفل عمر، "شعرت وكأن حياة جديدة كُتبت لابني".وتضيف: "في المرة الأولى شاهدت عمر بقاعة المحكمة على كرسي متحرك فلم أحتمل المشهد، عمر النشيط الحيوي ينتهي به الأمر في كرسي متحرك، وخلال حديثنا مع المحامي كان الخبر كالصاعقة بأن حكم المؤبد هو الأمر المتوقع لهما".
أيهم وعمر تعرضا للإهمال الطبي بسجون الاحتلال بعد إصابتهما، كانت تمر عليهما الليالي الباردة المؤلمة وأوجاعهما تزداد دون اكتراث من إدارة السجون، مكثا عدة أشهر يقاسيان كل أنواع الألم.
في الليلة التالية لإصابة واعتقال الطفلين داهمت قوات الاحتلال مخيم الجلزون واعتقلت الفتى أحمد عبيدة (16 عاما) بتهمة المساعدة بالتخطيط للعملية.
تقول شقيقته، إن العائلة "ظنت أنها مجرد أيام ويعود، ولكن المحامي أبلغهم بالتهمة فوقعت في صدمة لم تستفق منها".
وتتابع: "أحمد، كان يحب الطيور وله طموحات عديدة وضع لها السجن حداً، يواجه الآن حكما بالمؤبد، نفتقد وجوده معنا ونشتاق إلى ضحكته التي ما زلت أسمع صداها".
ثلاث سنوات مرت منذ اعتقال الفتية، تعيش عائلاتهم هموماً كبيرة بانتظار إصدار الحكم القاسي الذي يعني أنهم سيقضون أعمارهم في سجون الاحتلال.