المهندس هاشم نايل المجالي
التباين في الاراء والاختلاف حول الاسلوب والسلوك المتبع بالاجراءات والقوانين والتشريعات بين الحكومة والشعب هو امر طبيعي ، وهو امر حتمي على الجميع ان يتقبله وان يستوعبه ويتعايش معه ومن يكابرعن ذلك فهو يخالف الفطرة السوية .
وكل الامم كان من اسس استمرارها وبقائها وقوتها هو مدى امكانية تعايش افرادها مع بعضهم البعض وتعايشهم مع السلطات المسؤولة عن ادارة شؤون البلاد ، وكثير من الدول تلاشت وتفككت بسبب التناحر على امور كثيرة كان بالامكان ان يتفقوا عليها ويتقبلوا بعضهم البعض في قواسم مشتركة لا يضر طرف بالطرف الآخر ، لكن في كثير من الاحيان نزعة التسلط والسيادة لرأي محدد وفرضه قسراً وجبراً على الجميع ، هو اول خطوة من خطوات الانكفاء على الذات لاعطاء قرارات فوقية متكررة قسرية على الطرف الآخر مهما كانت الاساليب والممارسات المتبعة لذلك .
الدول الديمقراطية والمتحضرة استطاعت عبر سيادة مفهوم التعايش والوفاق والاتفاق على قواسم مشتركة الى صهر افراد شعبها في بوتقة واحدة تحت ظل التفاهم السلمي حول سبل العيش الكريم وتحت مظلة الانظمة والقوانين ، على اعتبار ان الشعب مصدر قوة الحكومات واستمرارها وازدهار الوطن ونهضته .
وهنا ندرك مدى اهمية التفاهمات والتعايش الفكري المشترك كضرورة وطنية وامنية وسلمية وحاجة انسانية وجودية لا مناص منها ، والمصلحة المشتركة والمصلحة الوطنية والمجتمعية وهي التي تحتم على كافة الاطراف القبول الطوعي للتعايش بمختلف توجهاتهم ، وهو اتفاق ضمني بين كافة الاطراف المختلفة على الاسلوب والنهج المتبع في فرض سياسات الجباية .
فالتعايش معناه الحياة والمساواه والالفة والحوار الفهمي والضمني على قواسم مشتركة لا يؤذي احدهم الآخر وهي دلالات حديثة للتعايش وهي قبول اراء الاخرين مهما كان نوع الاختلاف بالرأي .
فعلى كافة الاطراف الرضوخ لحق التعايش السلمي لا الفرض القسري بسبب التناقض او ان يتم الغاء الطرف الآخر وعدم الاعتراف بحقه بالوجود وهم في محيط واحد ، اذا كنا نتحدث عن مجتمع متحضر ، ولا ان يرتبط احدهم بمصالح الغرب الذي يفرض قراراته وافكاره التي يخفي وراءها اهدافاً وغايات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية في دور المؤامرة .
فالتعايش له كيان شخصي وهوية خاصة يحافظ عليها الفرد في وطنه اينما كانت مكانته المجتمعية ، لا ان تعصف العولمة في خصوصيتنا ومكانتنا ، فعلى الجميع تنظيم وسائل العيش وفق قواعد واسس يقبل بها كافة الاطراف بتوافق وفق المصالح المشتركة والضرورات المشتركة ، لا ان تكون حرب الارادات وفرض الخطوط الحمراء والتي يتحول فيها الامر الى مواجهات في ظل فرضية التصعيد في معادلة وموازين مختلفة بين كافة الاطراف ، فهناك اطراف داخلية وخارجية لها مصلحة في اثارة الشارع وتصعيده في سياسة فرض الوجود والاملاءات وفرض الارادة الفردية ، وهذه تعتبر مجازفة من طرف الحكومة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن ضمن الضغوط المعيشية والعملية ، وفي ظل تزايد فرض الضرائب وارتفاع الاسعار وسياسة الجباية وهروب الاستثمار واغلاق المحلات وتصفيتها وافلاس الشركات وفرض اساليب وتطبيقات جباية جديدة حديثة .
وليس هناك من ادارة وطنية لأي مجلس نيابي او اعيان او احزاب لادارة هذا الخلاف وانهائه حتى لا يتحول الى صراع ، فهناك حكمة المبادىء الانسانية ومنظومة القيم الاخلاقية للتعامل الاختياري لا القسري والاجباري .
ان الحياة البشرية ما هي الا وعي للمشتركات والتأسيس عليها من منطلق الاختلاف لا التشابه ، حتى تستمر الحركة لتنتج الابداع بفهم مشترك لا فهم خاطيء بالرأي الاحادي ، ولا بأسلوب العزل والتهميش ورفض الاخر الذي يخالف الرأي والاسلوب والسلوك ، فلا مناص من التعايش لتتماسك الدولة انسانياً وسياسياً ، ولا يوجد في العالم دولة صافية فتلك اكذوبة حيث تخفي القهر .
فالمجتمع امة انسانية والدولة امة سياسية وللافراد والجماعات حق الخصوصية والهوية ضمن الاطار المجتمعي ، والدولة هي اطارهم المشترك الذي يمثلهم بوحدات سياسية على اساس من المواطنة الديمقراطية ، منضبطة بحقوق وواجبات متساوية ومتكافئة في ظل منظومة الحق والعدالة ، لا ان يكون هناك الصهر المجتمعي لحساب الصهر السياسي وان يقزم التعايش على حساب الصيغ الحضارية المتقدمة للتعايش .//
hashemmajali_56@yahoo.com