بلال العبويني
فيما يتعلق بالمشهد السياسي المتأزم تحديدا على صعيد القضية الفلسطينية وما هو مطروح أمريكيا لتصفيتها عبر ما يسمى بـ "صفقة القرن" يمكن القول إن حكومتنا "غايبة فيلة" وكأنها غير معنية بالأمر.
اليوم، ثمة أسئلة مطروحة حول حقيقة ما يتم تسريبه من معلومات متعلقة بالصفقة، وحول مدى تأثيرها على الأردن بشكل مباشر، وحول استعداد الحكومة للتصدي لها أو مدى قدرتها على خلق مصدات وقائية للتخفيف من تداعياتها.
في الواقع، ليس لدى الحكومة أي استعدادات لأي شيء للتعامل مع مثل هذه القضية الخطيرة والتي تتعرض الأردن للقبول بها لضغوطات مختلفة ومن أطراف متعددة، بل إن الخطير بالموضوع أن وزير الخارجية أيمن الصفدي يقول رغم كل ما ينشر عن الصفقة أن ليس لديه معلومات عنها.
والصفدي هنا يتحدث بموقف الحكومة التي أزعم أيضا أنها لا تعلم أكثر مما يعلمه العامة من الأخبار المنشورة هنا وهناك، وربما أجزم أنها لم تكلف نفسها عناء السؤال والبحث والتحري من أجل الاستعداد لما ينتظرنا من مشاريع قد تكون تداعياتها خطيرة جدا على الدولة.
في هذا الظرف السياسي الدقيق الذي نحن أمامه، والذي من المفترض أن تشكل الحكومة غرفة عمليات دائمة الانعقاد للتعامل مع القضية ودراسة كل ما هو مطروح من تسريبات متعلقة بالصفقة، يمكن القول إن الحكومة تتصرف وكأنها مجلس بلدي يتعامل مع الشأن المحلي من منظور الخدمات فحسب، دون أن يكون لها أي دور أو أثر سياسي مشتبك مع القضايا الكبرى.
لكن للأسف، لا سياسة في الحكومة، وأكاد أزعم أن ليس فيها شخصية سياسية قادرة على شرح الموقف السياسي الأردني، أو قادرة على التحدث للناس والتخفيف من مستوى التخوف العام الذي يكاد يسيطر على الناس من هول ما يسمعونه عن صفقة القرن المشؤومة، سواء أكان ذلك التخوف على مستقبل فلسطين وحقوق الفلسطينيين أو على مستقبل الأردن التي ستكون أكثر المتضررين من ما هو مطروح من تسويات سياسية أحادية الجانب، ستكون لا محالة إن تم تنفيذها على حساب الدولة الأردنية.
قد يقول أحدهم إن جلالة الملك عبر عن الموقف الأردني بشكل دقيق، وهذا صحيح ولا جدال فيه، غير أنه من أبسط حقوق المواطنين أن يخرج عليهم رئيس حكومتهم أو أي من وزرائه "المؤهلين" ليتحدث إليهم بالتفاصيل أو بالخطط الموضوعة للتصدي للخطر المحدق بالدولة، بل إن من حق المواطنين أن تكون لديهم حكومة "مؤهلة سياسيا" للتعامل مع مثل هذا الظرف الدقيق الذي نحن أمامه.
مؤخرا، الحكومات لدينا تغرق "في شبر ماء"، ولا تكاد تقدم على خطوة إجرائية مرتبطة بالخدمات أو أي من أمور الشأن المحلي حتى تقع في أخطاء قد يصل بعضها إلى مستوى الجرائم بحق الوطن والمواطنين، والمصيبة الأكبر أن المواطن هو من يدفع ثمن تلك الأخطاء وهو من يتحمل التبعات.
في التحليل العميق، نعلم أن ليس لدى الأردن إلا الصبر والثبات على الموقف من ما هو مطروح من مشاريع تصفوية مرسومة للمنطقة، والعمل على شراء الوقت لعل وعسى يتغير الواقع بزوال ترامب عن المشهد السياسي بعدم التجديد له لولاية ثانية.
غير أنه في المحصلة من حقنا أن يكون لدينا حكومة سياسية قادرة على التعامل مع الظرف السياسي وقادرة على التخطيط للتصدي لأي عقبة سياسية أوالعمل الجاد على الإصلاح السياسي، أو على الأقل لديها القدرة للتحدث مباشرة للناس بشأن سياسي وتكون محل ثقة ليستمع المواطنون إلى ما ستقوله.//