الاحتلال يتوعّد بمجزرةٍ كبيرةٍ ورهيبةٍ بذكرى يوم الأرض ويؤكّد أنّ المُقاومة سترُدّ بالقذائف والصواريخ وقابلية الاشتعال مُرتفعةً جدًا ومصر تتوسّط لمنع الحرب
نبض البلد -
قد تكون أوامر رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، القاضية بحشد كتائب جديدة على حدود غزة، جزءًا من إدارة المعركة الإعلامية للمواجهة الجارية، أوْ تحضيرًا لعملية غادرة حذّرت المقاومة الفلسطينيّة عبر الوسيط المصريّ من تبعاتها. فإطلاق الصاروخ على شمال تل أبيب، أيْ على مستوطنة (ميشميريت)، بما حمله من رسائل متعدّدّةٍ، والردّ الإسرائيلي الأضعف عليه مقارنةً بالجولات السابقة رغم ادعاء نتنياهو أنّه أعنف رد منذ 4 سنوات، أيْ منذ عملية (الجرف الصامد) في العام 2014، لا يُعفيان المشهد الحالي من العودة مجدّدًا إلى مربّع الاشتباك.
وعلى افتراض أنّ الموقف بقي عالقًا كما هو: تهرّب إسرائيليّ من الإقرار بعودة الهدنة، وإصرار فلسطينيّ على الاستمرار في "مسيرات العودة” وفعالياتها، فإنّ عنصرًا إضافيًا واحدًا يبدو كفيلاً بهزّ هذا "الستاتيكو الهش”، أيْ الوضع القائم. يكفي مثلاً صاروخ جديد، بمدى أبعد أوْ تدمير أعلى، قبل التاسع من الشهر المقبل، وهو موعد الانتخابات العامّة التي ستجري في كيان الاحتلال، ليضع نتنياهو أمام سؤالٍ جديٍّ بين جمهوره خاصّةً والإسرائيليين عامّةً، عن الردع والقدرة على خوض الحرب وأمور أخرى، منها على سبيل الذكر لا الحصر، دراسة إمكانية تأجيل الانتخابات البرلمانيّة في الدولة العبريّة.
وبطبيعة الحال، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ بتجنيد وسائل الإعلام العبريّة على مُختلف مشاربها لتمرير رسائل التهديد والوعيد للمُقاومة في غزّة، في مُحاولةٍ خبيثةٍ جدًا لـ”اجتياز″ الذكرى السنويّة لمسيرات العودة بسلامٍ، أيْ عدم الانجرار إلى حربٍ لا تُريدها إسرائيل، كما المُقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة. ولكن هذه الأمور تبقى في حدود التمنيّات لا أكثر، إذْ أنّ الرسائل الإسرائيليّة للمُقاومة الفلسطينيّة تحمِل في طيّاتها الكثير من العنف والدّم، الذي سيسيل بغزارةٍ على الـ”حدود” بين الكيان وبين قطاع غزّة في ذكرى يوم الأرض الخالد، التي تُصادِف يوم غدٍ السبت.
وفي هذا السياق، يجب الالتفات جيّدًا إلى ما نقله صباح اليوم الجمعة، مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة عن كبار المسؤولين في جيش الاحتلال. هارئيل، أحد الأبناء المُدللّين للمنظومة الأمنيّة في تل أبيب، نقل عنهم قولهم إنّ الأعداد هي التي ستُقرِّر، مُضيفًا في الوقت عينه إنّه إذا قرّرّت حركة (حماس) غدًا، في ذكرى يوم الأرض، إحضار 50 ألف متظاهر إلى الجدار مع إسرائيل، فإنّ الحركة لن تتمكّن من السيطرة على هذا الكمّ الهائل من الجماهير الغاضبة، وبالتالي فإنّ الاشتعال سيكون سيّد الموقف، بحسب توصيف المصادر الإسرائيليّة الرفيعة.
وساق قائلاً، نقلاً عن المصادر عينها، إنّ التقديرات في شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، وفي جهاز الأمن العّام (الشباك الإسرائيليّ)، تؤكّد على أنّ قسمًا كبيرًا من المُتظاهرين الفلسطينيين سيقوموا بالركض باتجاه الـ”حدود” في مُحاولةٍ لاجتيازها.
عُلاوةً على ذلك، أشارت المصادر إلى إنّه كما حدث في اليوم الأوّل من "مسيرات العودة”، وبعد ذلك في شهر أيّار (مايو) من العام المُنصرِم، عندما احتفل الكيان بنقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس، لن تكون أمام جيش الاحتلال إمكانية أخرى سوى إطلاق النار باتجاه المُتظاهرين، وذلك باستخدام قوّاتٍ كبيرةٍ من قناصّة الاحتلال، وزعم أنّه على الرغم من أنّ الأوامر في الجيش تقضي بإطلاق النار على الأرجل، إلّا أنّ الأمور تخرج عن السيطرة، وتحدث أمورًا سيئةً للغاية، وبالتالي، فإنّ النتيجة النهائية للمُواجهات، أكّدت المصادر الأمنيّة في تل أبيب، ستكون سيلاً كبيرًا من دماء الفلسطينيين، الذين سيُقتلون أوْ يُصابون، وعندئذ لن تكون أمام المُقاومة الفلسطينيّة فُرصةً إلّا القيام بإطلاق الصواريخ والقذائف باتجاه العمق الإسرائيليّ، وبشكلٍ خاصٍّ على منطقة النقب، على حدّ قول المصادر للصحيفة العبريّة.
إلى ذلك، قال مُحلّل الشؤون العسكريّة في موقع (YNET) العبريّ، رون بن يشاي، إنّه في الجيش الإسرائيليّ وفي الشاباك يعتقدون أنّ الانجرار إلى مثل هذه المعركة في غزة في الأسبوع المقبل هو أمرٌ غيرٌ مرغوبٍ فيه، ليس فقط بسبب التوقيت عشية الانتخابات وتأليف حكومة، بل لأنّ العملية بحدّ ذاتها لن تكون ناجعة ولن تحقق أهدافها.
وتابع: ثمة اعتبار أمنيّ إضافيّ هو مسألة الشرعيّة الدوليّة، فبعد وقوع عشرات القتلى "الأبرياء” على السياج سيكون من الصعب على إسرائيل أنْ تُبرر أمام الرأي العام الدوليّ وأمام مجلس الأمن ما يعتبره الروس والعرب "عدوانًا وحشيًا” ضد الغزّيين الأبرياء.
وخلاصة القول، تابع بن يشاي، إنّ الرغبة السياسية الشخصية لنتنياهو في الوصول إلى يوم الانتخابات من دون تصعيدٍ في غزة يُمكِن أنْ يؤذيه في صناديق الاقتراع، وتقاطع ذلك مع رغبة الجيش في عدم الانجرار إلى عمليةٍ واسعة النطاق في غزة نتيجة احتمال وقوع قتلى بين المتظاهرين على السياج في نهاية الأسبوع.
لذلك، نقل المُحلّل عن مصادره الأمنيّة في تل أبيب، تدور حاليًا مفاوضات مع "حماس” بواسطة المصريين من أجل عدم إحباط فرص موافقة الحركة على التخفيف من حدّة التظاهرات على السياج، وألاّ يتسبب القصف الإسرائيليّ بوقوع إصاباتٍ بشريّةٍ، وأنْ يبقى الضرر الذي يلحقه بالبنية التحتية للذراع العسكرية للحركة غير خطِر، كما أكّدت المصادر.