الأردن من أولى الدول العربية
نبض البلد – عمان - سامر نايف عبد الدايم
مما لا شك فيه أن التغيرات المناخية تُعد من أهم قضايا العصر الحالي لما يترتب عليها من مشكلات وأضرار يمكنها أن تتفاقم وتزداد في حالة إن لم يتم التوصل إلى الحلول المناسبة. ومن هذه الأضرار ما يؤثر على الصحة, كالإصابة بأمراض القلب و الجهاز التنفسي و سوء التغذية, و منها ما يؤثر على التنوع الزراعي والغذائي نتيجة للتغير في حالة المناخ, و نسب هطول الأمطار, و كذلك الأمراض التي قد تصيب النباتات و المحاصيل الزراعية, بالإضافة إلى تجريف التربة, كما يمكن لهذه الأضرار أن تمتد لتشمل التأثير السلبي على الغابات و المساحات الخضراء, فتزداد حالات إحتراق الغابات و تغير مساحاتها. وأما عن الأضرار المائية, فقد ينتج عن التغيرات المناخية إرتفاع منسوب المياه في البحار و المحيطات نتيجة لدرجات الحرارة المرتفعة و التي تؤدي بدورها إلى إنصهار جليد القطبين الشمالي و الجنوبي, مما ينتج عن ذلك حدوث الكوارث الفيضانية التي تهدد حياة الإنسان, بالإضافة إلى تغلغل مياه البحار المالحة إلى التربة و إختلاطها مع المياه الجوفية العذبة, ليؤدي ذلك في النهاية إلى خفض معدلات العذوبة بمياه الشرب و زيادة نسبة الملوحة بها.
التنوع البيولوجي
كما يمكن لهذه الأضرار أن تؤثر على التنوع البيولوجي من خلال التسبب في حدوث الجفاف الذي قد يلحق بالكائنات الحية من بشر و حيوانات و نباتات, و أيضاً عن طريق هجرة الطيور الغازية من المناطق الإستوائية إلى حيث الأماكن ذات درجات الحرارة العالية نتيجة للتغير المناخي. و من أجل التصدي لمثل هذه المخاطر و القضاء على ما يعقبها من مشكلات,يتوجب على جميع الدول أن تتحد فيما بينها للتغلب على هذه التغيرات المناخية التي تهدد كوكب الأرض ككل, و ليس دول بعينها.
و قبل التطرق إلى التغيرات المناخية الحادثة في الأردن و الطرق المقترحة لحلها, يجب أن نتدارك أن الأردن كأي دولة أخرى تتعرض لمخاطر بيئية قد تضرب بمناخها الطبيعي,حيث يسود طبيعياً في وادي الأردن المناخ المداري الجاف, بينما يسود الاستبس الدافئ و مناخ البحر المتوسط فوق المرتفعات الجبلية. و أما عن الطقس فيها فهو حار جاف صيفاً, لطيف رطب شتاء.
التغيرات المناخية والبيئية
وعن المسببات للتغيرات المناخية و البيئية بها , فمنها ما هو طبيعي كالإشعاع الشمسي و الزلازل, و منها أيضاً ما هو ناتج عن الأنشطة البشرية كزيادة إنبعاث الغازات الدفيئة – وهي الغازات الموجودة في تكوين الغلاف الجوي و التي تقوم بإمتصاص الأشعة تحت الحمراء وتعيد بث هذه الأشعة وتساهم في ظاهرة التغير المناخي. ولولا وجودها بتراكيزها الطبيعية لما كانت الحياة على سطح الأرض ولكن زيادة تراكيزها المنبعثة من الأنشطة البشرية يزيد من درجات الحرارة وبالتالي حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري .
تساهم ملوثات المناخ قصيرة الأجل التي تعتبر مدة مكوثها في الغلاف الجوي قصيرة نسبياً من بضعة ايام الى بضعة عقود في تغير درجة الحرارة والناتجة بشكل أساسي من عوادم السيارات والمصانع والمخلفات الصلبة وهي غاز الميثان والكربون الأسودوالأوزون الأرضي والمركبات الهيدروفلوروكربونية وتعتبر هذه الملوثات ثان أكبر مسبب للإحتباس الحراري بعد غاز ثاني أكسيد الكربون, بما لها من تأثير سلبي على البيئة و الصحة و الزراعة.
الأردن وإتفاقيات التعاون
قامت الاردن بالمصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعزيز التعاون فيما بينها لإتخاذ عدد من الإجراءات التي تهدف إلى التصدي لتغير المناخ ، مع إحترام ومراعاة إلتزاماتها بحقوق الإنسان، والحق في الصحة، وحقوق الشعوب الأصلية، والمجتمعات المحلية، والمهاجرين، والأطفال, والأشخاص من ذوي الإحتياجات الخاصة,و كذلك الأشخاص الأكثر تأثراً والأحق في التنمية ، فضلاً عن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ، والإنصاف بين الأجيال، لذلك هنالك ضرورة ملحة للإستعجال في التصدي لتغير المناخ. و من هذه الإتفاقيات, الإتفاقية الإطارية للتغير المناخي حيث تُعد هذه الإتفاقية مظلة للعمل المناخي العالمي وتهدف إلى توطيد الإستجابة العالمية للتهديد الذي يشكله تغير المناخ في سياق التنمية المستدامة وجهود القضاء على الفقر لتحقيق ما يلي:
الحد من إرتفاع درجات الحرارة بوضع مدى معين لدرجة الحرارة لا يمكن تجاوزه و تعديه .
تعزيز القدرة على التكيف مع الآثار الضارة لتغير المناخ, و كذلك تعزيز القدرة على خفض مستويات الغازات الدفيئة المنبعثة في الجو، على نحو لا يهدد إنتاج الأغذية .
تسخير التمويل المالي من أجل العمل على خفض إنبعاثات الغازات الدفيئة و تقليل نسبها في الجو, والعمل على تحمل تغير المناخ و التكيف معه.
كما يتوجب على الأردن الإلتزام ببعض المتطلبات لتحقيق الإفادة الكاملة من هذه الإتفاقية, و تشتمل هذه المتطلبات على عدد من المجالات المختلفة مثل:-
1- أولاً في مجال التخفيف من الإنبعاثات :
• يجب التبليغ عن المساهمات الوطنية أو تحديثاتها بحلول عام 2020, وأن تفعل ذلك كل خمس سنوات,كما يجب السعي إلى اتخاذ تدابير تخفيف محلية بهدف تحقيق أهداف تلك المساهمات.
• كما يتطلب وضع إستراتيجيات للعمل على خفض مستوى إنبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050.
• و كذلك تعزيز السياسات والإستراتيجيات والأنظمة وخطط العمل وإلاجراءات المتعلقة بتغير المناخ في مجالي التخفيف والتكيف معاً.
• والعمل على اتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز و زيادةعدد بواليع وخزانات الغازات الدفيئة.
• و كذلك السعي إلى إقامة تعاون مع دول أخرى من أجل تنفيذ مساهماتها المحددة وطنياً لإتاحة مستوى أعلى من الطموح في اجراءاتها المتعلقة بالتخفيف والتكيف وتعزيز التنمية المستدامة والسلامة البيئية.
2- ثانياً في مجال التكيف :
و لأن العمل على تكيف المواطن مع التغير المناخييُعد من المتطلبات اللازمة, حتى يكون بالوعي المطلوب للتغلب على هذه الأزمة و تجاوزها بحرص بالغ, أصبح من المفترض إتخاذ عدد من التدابير ألا و هي :
• تبادل المعلومات والممارسات الجيدة والتجارب والدروس المستفادة بما يشمل الجوانب المتصلة بالعلم والتخطيط والسياسات والتنفيذ فيما يختص بإجراءات التكيف.
• العمل على نشر المعلومات المتعلقة بموضوع التغير المناخي وتقديم الدعم والإرشادات التقنية للدول المختلفة, بما يشمل من بحوث ومراقبة منهجية للنظام المناخي ونظم الإنذار المبكر، على نحو يُسترشد به في اتخاذ القرار.
• مساعدة الدول النامية في تحديد أساليب التكيف الفعالة، وإحتياجاته، وأولوياته، و كذلك تحديد الدعم الذي تم تلقيه لتعزيز جهود التكيف، وكذلك التحديات والثغرات التي تغلبت عليها الدول بطريقة مناسبة, لتشجيع الممارسات الجيدة.
• تحسين فعالية إجراءات التكيف وديمومتها.
**لذلك يتوجب على الدول المشاركة في هذه الإتفاقية – أطراف الإتفاقية - وضع و تعزيز السياسات ذات الصلة التي قد تشمل ما يلي :
تنفيذ الإجراءات والجهود في مجال التكيف.
عملية صياغة وتنفيذ خطط التكيف الوطنية.
تقييم آثار التغير المناخي وقابلية التأثر به, بهدف وضع إجراءات ذات أولوية محددة وطنياً، مع مراعاة الفئات والأماكن والنظم الأيكولوجية القابلة للتأثر.
رصد وتقييم خطط وسياسات وبرامج وإجراءات التكيف وتقييمها والتعلم منها.
بناء قدرة النظم الإجتماعية والإقتصادية والنظم الأيكولوجية على التحمل بوسائل تشمل التنويع الاقتصادي والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية.
3- ثالثاً في مجال الخسائر والأضرار الناتجة عن تغير المناخ و العمل على تقليلها والتصدي لها:
وذلك عن طريق التعاون والتيسير من أجل تعزيز الفهم والإجراءات المتخذة,والدعم المقدم لتجنب الخسائر والأضرار.
4- رابعاً في مجال الدعم المالي:
و ذلك يكون بتقديم البلدان المتقدمة موارد مالية لمساعدة البلدان النامية في كل من التخفيف والتكيف وتحقيق إلتزاماتها القائمة بموجب الاتفاقية.
5- خامساً في نقل التكنولوجيا:
عن طريق العمل المشترك بهدف تطوير التكنولوجيا ونقلها لتحسين القدرة على تحمل تغير المناخ وخفض إنبعاثات الغازات الدفيئة، وتقديم الدعم المالي إلى البلدان النامية من أجل تنفيذ هذه المادة بهدف تحقيق التوازن بين دعم التخفيف والتكيف.
6- سادساً في مجال بناء القدرات :
• من خلال تعزيز بناء قدرات وكفاءات البلدان النامية بالإستناد إلى الإحتياجات الوطنية ومُلبيا لها ، وكذلك بالإسترشاد بالدروس المستفادة على ان تكون عملية فعالة وتكرارية قائمة على المشاركة وشاملة لعدة قطاعات ومراعية للمنظور الجنساني ((gender.
• وايضاً بتقديم الإبلاغات من قبل البلدان النامية بصورة منتظمة عن التقدم الحادث في تنفيذ خطط وسياسات وإجراءات وتدابير بناء القدرات.
7- سابعاً في مجال البلاغات الوطنية:
فيتوجب من خلالها على كل طرف أن يتقدم بشكل دوري بما لديه من المعلومات التالية:
• تقرير جرد وطني لإنبعاثات الغازات الدفيئة البشرية, و طرق إزالتها بواسطة البواليع و الخزانات.
• المعلومات اللازمة لتتبع التقدم الحادث في تنفيذ وتحقيق مساهمتها المحددة وطنياً.
المعلومات المتعلقة بتغير المناخ والتكيف
• ينبغي على البلدان النامية ان تقدم معلومات عن الدعم اللازم والمُتلقى في مجال التمويل
• ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات،على أن تخضع هذه المعلومات للمراجعة من قبل الخبراء بهدف النظر في الدعم المقدم وكيفية تنفيذه وتحقيقه للمساهمات المحددة وطنياً، وتحديد المجالات الواجب تحسينها.
لذا من المفترض أن تعمل أطراف الإتفاقية على تعزيز وتطوير قدرات اللجنة الوطنية للتغير المناخي لزيادة المعرفة وتكامل السياسات وإدراج ما يطرأ على التغير المناخي من مفاهيم جديدة و تحديثات. كما يستلزم تأسيس فريق متكامل لمتابعة القرارات التي ستنتج عن هذه الاتفاقية في المراحل القادمة.
و إلى جانب الإتفاقية الإطارية, هناك أيضاً بروتوكول كيوتو الذي تم تبنيه في ديسمبر 1997, و قد عمل هذا البروتوكول على إستحداث تعهدات قانونية تلزم 38 دولة صناعية من ضمنها 11 دولة في وسط وشرق أوروبا, بتقليل إنبعاثاتها من الغازات الدفيئة بمعدل %2.5 عما كانت عليه في عام 1990, وذلك خلال الفترة من 2008 و حتى عام 2012.ومن خلال ما ورد على البروتوكول من تعديلات حديثة, تم إلزام الدول الصناعية بتقليل انبعاثاتها بمعدل %18 خلال الفترة من 2012إلى2020.
و يمكن الحد من أخطار الإنبعاثات الدفيئة بإتخاذ السياسات والتدابير اللازمة التي تستهدف تقليل ابعاثات غازات الدفيئة.
وقد تشمل هذه التدابيرالحد من الطلب على السلع والخدمات ذات الإنبعاثات المكثفة، وزيادة إستخدام التكنولوجيات المنخفضة الكربون. وثمة طريقة أخرى لتخفيف أثار تغير المناخ تتضمن تشجيع "مصارف الكربون" أي مواطن التخزين التي تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون من قبيل الغابات والمستنقعات.
التغير المناخي في الاردن
وعن إسهامات الأردن الأخرى في حل قضية التغير المناخي و الجفاف, فقد قامت الدولة بعدد من الإجراءات الهامة مثل :-
1- تقديمها تقرير البلاغات الوطنية الأول (INC) إتفاقية الامم المتحدة الأطارية وذلك في عام 1998 وبذلك تعتبر الأردن أول بلد نام يقوم بهذا الدور.
2- قامت بتنفيذ دراسة تقييمية بعنوان "التأثر و التكيف (A&V)مع تغير المناخ ” وتم تنفيذ مشروعبناء منشأة الغاز الحيوي التجريبي لتوليد الكهرباء و تقليل إنبعاث غاز الميثان, و ذلك في عام 2000.
3- و في عام2001, تم تأسيس اللجنة الوطنية لتغير المناخ لمتابعة قضايا تغير المناخ في الأردن.
4- و في عام 2003, بدأ الأردن جهود العمل في مجال آلية التنمية النظيفة CDM , ووزارة البيئة الأردنية هي الجهة المعنية لمتابعة آلية التنمية النظيفة في الأردن,كما لها دور رئيسي في تحديد وإعتماد مشاريع الية التنمية النظيفة.
5- و أيضاً بدأ الأردن في القيام بمشروع ” التقييم الذاتي للقدرات الوطنية لإدارة البيئة العالمية (NCSA), من أجل الجاهزية السوق PMR والذي يهدف إلى دعم البلدان ومساعدتها في تحديد أدوات السوق المناسبة لتوسيع نطاق جهود التخفيف تماشياً مع أهداف التخفيف من آثار تغير المناخ وأهدافنا التنموية.
وكذلك مشروع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة REEE,والذي يهدف إلى تعزيز الإنتاج الزراعي من خلال تجهيز المزارع المروية ب 300 منشأة لضخ المياه بالطاقة الشمسية في منطقة غور الأردن والمناطق المرتفعة و برنامج الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في الأردن REEE II الذي يهدف إلى توفير مصدر نظيف ومستدام وموثوق للطاقة في عمليات ضخ المياه للمزارع، وذلك بإستبدال مضخات الديزل بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية، لذا سيتم تركيب 200 وحدة ضخ المياه بالطاقة الشمسية على طول منطقة وادي الأردن، و 100 وحدة في المناطق المرتفعة في المفرق والأزرق ومادبا.
بالإضافة إلى مشروع «الدعم المؤسسي للتعريف بملوثات المناخ والهواء قصيرة الأجل»,وذلك ضمن تحالف المناخ والهواء النظيف والذي يهدف الى مقاومة آثار التغيرات المناخية من خلال إدماج وتعزيز اجراءات تخفيف انبعاثات ملوثات المناخ قصيرة الأجل في النشاطات الوطنية ذات العلاقة ورفع الوعي بضرورة استدامتها.
و بهذا يُعد الأردن من أولى دول الشرق الأوسطو الدول العربية التي تتوجه بأنظارها إلى مشكلة التغير المناخي و الجفاف البيئي, بل و تسعى إلى إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة البيئية الكبيرة, حتى تتمكن من القضاء على مشكلة التغير المناخي والجفاف والعمل على حلها بحلول الأعوام القليلة القادمة //.