وليد حسني
لا يمكن لأي شعب ان يصمت على ما وصلت اليه الجزائر الهادرة، ام المليون شهيد، وأم الشعب الحر الذي لا يزال يعيش في وطنه بصفة "نصف مواطن " او "شبه إنسان".
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي أوهنه المرض وأخذه بعيدا عن عالم اليقين لا يدري إن كان لا يزال في السلطة أم خارجها، والجزائريون الذين يقدرون نضالات زعيمهم لا يتظاهرون في الشارع ضد بوتفليقة، وإنما ضد من يستغلون مرض زعيمهم لينغمسوا أكثر في الفساد وفي تنحية الشعب وتجويعه وحرمانه من عائدات بلادهم النفطية وثرواتهم الضخمة.
بوتفليقة لا يحكم الجزائر عمليا منذ ان أقعده المرض سنة 2013، ومنذ ذلك الحين ظهر للشعب نحو 7 مرات فقط كان فيها مجرد جسم شعر الجزائريون معه بالألم والتضامن، لكن لا يعني ذلك ان يبقى زعيمهم مجرد صورة تتلاعب بها قوى اخرى من تحالف العسكر، وتحالف عائلة بوتفليقة نفسه وتحديدا شقيقه سعيد الذي يهتف الجزائريون ضده"لا نريد بوتفليقة ولا سعيد"، فالرئيس لم يتزوج ولم ينجب.
ظلت الجزائر لعقود مضت تحت حكم العسكر، هناك يحكم الجيش والضباط، ويبقى الرئيس خارج هذا التحالف المصلحي، وقد قاد هذا التحالف الجزائر الى سنوات الدم والموت في تسعينيات القرن الماضي قبل ان تتعافى قليلا، إلا أن مؤسسة الفساد لم تستطع ان تتعافى من حكم العسكر والجيش وضباط المنافع ، والاستهتار بالشعب وبمصالحه وبمطالبه الإنسانية والوطنية.
هناك في الجزائر ثمة قسوة في الحكم لا أعتقد بالمطلق ان بوتفليقة يتحمل أية مسؤولية عنها خاصة بعد ان أقعده المرض والوهن وتركه مجرد صورة يوغل المستفيدون من غيابه وتغييبه بالإبقاء عليها وتسنيدها ورفعها في المناسبات بديلا عن حضور صاحبها، ليستكملوا نهب بلدهم والسيطرة على مقدراته وليذهب الشعب الى الجحيم.
والجزائريون اليوم يرفضون الولاية الخامسة لرئيسهم لأنهم يدركون تماما أنه لم يعد منذ سنوات في مؤسسة الحكم، ويعرفون اكثر من غيرهم ان رئيسهم لم يطلب ترشيحه لولاية خامسة، ويدركون اكثر أن إعادة ترشيحه إنما يستهدف إبقاء مؤسسة الفساد العسكرية والعائلية في سدة السلطة تحكم باسم الرئيس شبه الغائب عن الحياة ــ شافاه الله ــ .
هناك في شوارع هذا الوطن الجزائري العظيم أدرك الشعب ان ساعة التغيير أصبحت أكثر من ضاغطة، وقد آن الأوان لكي يذهب الجزائريون الى المستقبل وهم مطمئنون تماما أن ثمة املا سيبنونه بعيدا عن سلطة العسكر التي فرضت نفوذها وقسوتها على المشهد الجزائري لعقود طويلة مضت.
المشهد الجزائري يقودني لاستذكار المشهد التركي حين فرض العسكر والجيش نفسه وقوته على مؤسسة الحكم منذ كمال اتاتورك وحتى عهد قريب حين أدى التجذر الديمقراطي التركي الى إزاحة مؤسسة العسكر وحلول الحكم المدني الديمقراطي في مقعد السلطة.
الجزائر الهادرة اليوم تنهض في مواجهة حكم العسكر الذين يختبئون خلف صورة الرئيس المغيب..//