نبض البلد - هاشم هايل الدبارات
هناك الكثير من الخلط في المفاهيم والعناوين ما بين رواية جديدة للدولة أو رواية لتاريخ، وبالتأكيد الأمر ليس روايات عابرة، بل هي سردية وطنية واقعية رسمتها الوقائع والأحداث في الماضي، بينما الرواية ممكن أن تكون منسوجة من وحي الخيال، أو تكون رواية مرتبطة بحدثٍ ما من التاريخ.
أما السرديات أو السردية، فهي سرد الحدث والموقف والحالة من الأحداث بشكلٍ واضح وصريح بكل مصداقية وموضوعية.
ولا نبعد بعيداً، لطالما لنا ماضٍ زاخر بحاجة لصياغة تبيّن الإضاءات والتضحيات، فهناك شواهد كثيرة في جميع العناوين والمجالات في العقد الزمني السابق. خُلِّدت الانتصارات بالكرامة، كان لنا صولات وجولات، أحد تلك المحطات في التضحية والانتصار عندما أقدمت نساء عيرا ويا رقاً على الوقوف المشرف خلف الجيش العربي بكل أنواع الدعم اللوجستي من الإمداد في الطعام والشراب. هنا مفاصل السردية وواقعيتها حين ارتفعت الرؤوس والرايات في إسناد المدفعية والدبابات بالسمن البلدي العربي الأصيل كبديل عن الزيت والتشحيم في ساعة الوغى والمعركة الخالدة في يوم الكرامة. امتزج وتوحد الجميع على نصرٍ واحد بالذود عن تراب الوطن وثرى فلسطين الأقرب إلى الوجدان الأردني العروبي.
ذلك بعض من المحطات المضيئة التي تمخضت منها الحالة القومية العربية والهوية الوطنية في تعاطي وتجاوب الأردن عبر التاريخ في جميع القضايا والملفات بحنكة سياسية ودبلوماسية حيدت الكثير من الأزمات بمنهجية واضحة واستراتيجية بارعة برسم السياسات الوطنية والقومية التي أبقت الوطن شامخاً لا ينحني أمام كل المعضلات.
جميع ذلك استند واشتد على صلابة العمود الفقري للدولة وهو المواطن الأردني الأصيل بثباته محافظاً عن الأرض والعرض بكل ثقة واقتدار، لذلك كان الركيزة الأساسية والعنوان الرئيسي في الحدث والواقعة والحبكة والقصة بل القصة والحكاية التي تخلد للتاريخ وتُدرس للأجيال عن خامة الشعب الأصيل. السردية الوطنية الحقيقية تُنقل بمصداقية وتبحث وتجوب كل محافظة ولواء وقرية، تبحث عند السطر الأول وتقرأ ما بين السطور وتجيب كيف كانت، وكانوا، ولماذا وأين حدث ووقع من أحداث. الأردنيون لن يبخلوا يوماً في عملهم الدؤوب ولا يساوم يوماً على أرضه ولا على قدسية قيادته الهاشمية الحكيمة.
ما نحتاجه اليوم ليس ورش عمل ومؤتمرات ولقاءات للبحث عن السردية أين هي، بل نريد التوضيح للقارئ والمستمع بماهية السردية فقط، وأن نميز ولا نخلط بين وطنية الأشخاص والسرد الوطني في مراحل ومفاصل الوطن، وأن نكون على ثقة بأن السردية تأتي من اللبنة الأساسية، القاعدة الاجتماعية، حياة الناس، ومن بعد تلك القاعدة الأردنية الصلبة ترتفع إلى الهرم الأعلى بالتدرج إلى الخامات والطبقات من الساسة والقادة الذين يديرون الحوار الوطني في الصالونات السياسية وليس العكس.
نأمل أن تتطلع اللقاءات النخبوية والحوارية في ذلك الأمر لتلك الجوانب وتسترجع الماضي، وأن تكون ردود الأفعال على حجم الهدف المنشود.