نبض البلد - لماذا لا يكون الأردن منصة انطلاق الشركات الهندية للإقليم؟
فلاح الصغير
زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى الأردن، يرافقه وفد يضم كبار رجال الأعمال الهنود يمثلون شركات عالمية وقطاعات حيوية، حدث اقتصادي يتجاوز البعد البروتوكولي إلى قراءة رقمية عميقة لفرص حقيقية أمام الاقتصاد الأردني.
وحين تختار دولة بحجم الهند، التي تُعد خامس أكبر اقتصاد في العالم، أن تحضر بهذا الثقل الاستثماري إلى عمان، يصبح السؤال المشروع: ماذا يرى هؤلاء المستثمرون في الأردن؟ وما الذي يجعلهم يضعونه على خارطة قراراتهم الاستراتيجية في هذه المرحلة تحديدًا؟
الحضور الملكي المباشر في افتتاح منتدى الأعمال الهندي الأردني، بمشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد، أعطى إشارة لا يمكن تجاهلها بأن الاستثمار أولوية سياسية واقتصادية عليا، وعندما يؤكد جلالة الملك على مزايا تنافسية في قطاعات محددة، ويشير إلى الموقع الجغرافي للأردن وقدرته على أن يكون مركزًا لوجستيًا وتصنيعيًا مرتبطًا بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فإن السؤال يصبح: لماذا لا يكون الأردن منصة انطلاق للشركات الهندية نحو أسواق إقليمية تضم مئات الملايين من المستهلكين؟
ويزداد وزن هذه الزيارة حين ننظر إلى طبيعة الوفد المرافق لرئيس الوزراء الهندي، إذ نتحدث عن شركات تتجاوز إيرادات بعضها عشرات المليارات من الدولارات، وتعمل في قطاعات تمس جوهر الاقتصاد الأردني وخططه المستقبلية، فوجود مجموعات مثل تاتا باور بطاقة تتجاوز 14 جيجاواط، وري نيو باور بمحفظة تزيد على 13 جيجاواط في الطاقة المتجددة، وأداني بورتس التي تدير موانئ تتجاوز طاقتها 600 مليون طن سنويًا، إلى جانب شركات أدوية عالمية مثل د. ريدي وبايرت بيوتك التي تصدر إلى أكثر من 100 دولة، وشركات صناعية كبرى في الإسمنت والكيماويات والسكك الحديدية واللوجستيات، يطرح سؤالًا محوريًا: هل نحن أمام إعادة رسم لخارطة استثمارية جديدة في الأردن؟
وعندما تجتمع هذه الشركات، التي تتعامل مع أسواق تضم مئات الملايين من المستهلكين، في منتدى واحد بعمان، بحضور أعلى مستوى سياسي في البلدين، فإن الرسالة واضحة: نحن نتحدث عن فرص استثمارية محتملة في قطاعات يمكنها خلق آلاف فرص العمل، وزيادة القيمة المضافة المحلية، ونقل المعرفة والتكنولوجيا.
ومن هنا، أليس من المنطقي أن تتحول شركات الأدوية الهندية، التي تحقق مليارات الدولارات من الإيرادات السنوية، إلى شريك في التصنيع الدوائي داخل الأردن بدل الاكتفاء بالتصدير والاستيراد؟ وهل يمكن لقطاع الطاقة الأردني، الذي يخطط للتوسع في الطاقة المتجددة، أن يستفيد من خبرات شركات هندية تدير مشاريع عملاقة في الشمس والرياح؟
الأرقام التجارية تعزز هذا الطرح، فمع أن حجم التبادل التجاري شهد تذبذبًا في عام 2024، إلا أن قفزة الصادرات الأردنية إلى الهند بنسبة 27 بالمئة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 تعكس قدرة حقيقية على النمو عند توفر الطلب والشراكات المناسبة.
وفي المقابل، فإن انخفاض الواردات بنسبة 28 بالمئة يفتح باب التساؤل: هل يمكن استثمار هذا الفارق في توطين صناعات هندية داخل الأردن تخدم السوق المحلية وأسواق التصدير معًا؟ وهل يمكن تحويل الميزان التجاري من أرقام جامدة إلى سلاسل إنتاج مشتركة؟
ولا يمكن فصل هذه المؤشرات عن الإطار المؤسسي الذي يحكم العلاقات بين البلدين، حيث ترتبط الأردن والهند باتفاقيات اقتصادية وتجارية تمتد منذ عام 1963، وتطورت باتفاقية منقحة في عام 2017، إضافة إلى تفعيل دور اللجنة المشتركة والاجتماعات المنتظرة العام المقبل، لكن السؤال الأهم يبقى: هل آن الأوان للانتقال من نصوص الاتفاقيات إلى استثمارات ملموسة تقاس بالأرقام والمصانع والوظائف؟
في المحصلة، زيارة رئيس الوزراء الهندي ووفده الاقتصادي الكبير فرصة استراتيجية للأردن لإعادة النظر في خريطة شركائه العالميين، وتنويع مصادر الاستثمار، وفتح الباب أمام جنسيات وأسواق جديدة، مستندًا إلى أرقام حقيقية وقطاعات واعدة وموقع جغرافي فريد.