جزارون في "كيان" الدم ... (( 14))
المعاهد الدينية العسكرية تتحول لحواضن للأيديولوجيا الدينية القومية
جنود يدرسون التطرف والإرهاب ومنظمة إرهابية تتولى تثقيفهم
30ألف يشاركون بالإبادة وخطة التجويع تكشف الوجه الحقيقي للجيش
"هند" تكشف بشاعة الاحتلال و"أمير غزة" حصل على الفتات فقتله الجيش
جندي يفتخر باختطاف عائلة من غزة واخر يقدم القرابين بـ"الأقصى"
عبد الرحمن ابوحاكمة
من داخل سيارة عالقة بين دبابات الاحتلال في حي تل الهوا جنوب غربي غزة، ظل صوت الطفلة هند رجب 6 سنوات يتردد عبر سماعة الهاتف وهي تقول بصوت مرتجف "أنا خايفة.. حدا يجي ينقذني".. كانت تلك الكلمات آخر ما سمعته والدتها قبل أن ينقطع الصوت وتغيب هند إلى الأبد.. بعد 12 يومًا، تم العثور على جثة الطفلة وأفراد عائلتها ومسعفين حاولوا إنقاذها تحولت قصتها إلى رمز عالمي للبراءة المهدورة لتظل علامة فارقة في الذاكرة، إذ سجلت بالصوت والصورة لحظة التلاشي بين الحياة والموت حين اطلقت صرختها للعالم كله ولم يأت أحد..
يدرسون الارهاب ويتفاخرون بجرائمهم
قصة هند ليست مجرد مأساةبل مرآة تكشف وجه كيانٍ يتغذّى على الدم، ويصنع من القتل عقيدة دينية، ففي ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة، تتكشف فصول جديدة من جرائم جيش الاحتلاللتظهر للعالم أدلة إضافية على الانتهاكات المروعة بحق المدنيين منذ بدء حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جنود يوثقون جرائمهم بالفيديو، يبثّونها عبر "السوشيال ميديا" كـ"بطولات"، بينما الأطفال يُقتلون جوعًا أو اختناقًا في الحاضنات.
القناة الرابعة البريطانية بثّت تقريرًا من داخل مدرسة دينية عسكرية تُظهر كمًّا هائلًا من الدروس التي تغذي الكراهية والتطرف بين عناصر الجيش قبل إرسالهم إلى المناطق الفلسطينية، يركز التقرير على أكاديمية بني دافيد، حيث يتلقى الجنود دروسًا دينية تُبرّر القتل وتربط الحرب بـ"الوصية التوراتية".
مناهج الكراهية ... ومجتمع يبرّر القتل
المعاهد الدينية العسكرية تكمّل ما بدأته المناهج التعليمية الإسرائيلية منذ الطفولة، إذ تُغرس في عقول الطلبة أفكار التفوق العرقي والعنف ضد العرب والفلسطينيين.
ولذلك، تُظهر استطلاعات الرأي أن 2% فقط من الإسرائيليين يرون أن جيشهم يستخدم "القوة المفرطة"، في دلالة على عمق الانحراف الأخلاقي في الوعي الجمعي.
وحوش تستهدف "هند" و أجويلار يكشف مأساة "أمير"
نشرت واشنطن بوست تحقيقًا استقصائيًا حول مقتل هند، مؤكدة أن استهدافها كان متعمدًا ومباشرًا من سرية تُعرف باسم "إمبراطورية مصاصي الدماء"، يقودها الضابط شون جلاس، الذي يتباهى بأنه يقود "وحوشًا لا تعرف التراجع".
وفي قصة أخرى رواها أنتوني أجويلار المتعاقد مع "مؤسسة غزة الإنسانية"، ظهر الطفل أمير الذي قطع 12 كيلومترًا حافي القدمين بحثًا عن الطعام كان ذلك في يوم 28 ايار "مايو" 2024، يقول أجويلار: "اقترب مني وقال شكرا... ثم سقط بعد دقائق برصاصة الجيش بينما كان يغادر مع المدنيين".
من المشاهد الصادمة أيضًا، ما نشره جندي يُلقّب بـ"ميسوري" يوثّق فيه اختطاف عائلة فلسطينية من جباليا، فيما ظهر جندي آخر يقدم "قرابين نباتية" داخل المسجد الأقصى، احتفالًا بما يسمى عيد العُرشوهو يرتدي الزيّ العسكري.
الاف متورطين بـ إبادة غزةوجيش يرعى البؤر الاستيطانية
كشف برنامج ما خفي أعظم على قناة الجزيرة عن وثيقة تضم أسماء 30 ألف عسكري من سلاح الجو الإسرائيلي شاركوا في حرب الإبادة على غزة، وتشير الوثيقة إلى أن هؤلاء الطيارين والفنيين نفذوا غارات أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين.
كما وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية خطة تجويع ممنهجة أعلن عنها وزير الحرب يوآف غالانت، استهدفت تدمير الزراعة وقطاع الغذاء، وهو ما أكدته منظمة مسلك الإسرائيلية في تقرير بعنوان "الحرب على إنتاج الغذاء: قطاع الزراعة".
في الضفة الغربية، يتولّى الجيش دعم البؤر الاستيطانية الرعوية بشكل علني.فقد زار رئيس الأركان إيال زامير في آب الماضي بؤرًا في طولكرم، بينها "مزرعة أوري" و"تسورئيل"، ضمن خطة بدأت عام 2016 لنشر بؤر في مناطق (ج).
تشير هآرتس إلى أن عددها تضاعف من بؤرتين إلى أكثر من 70 بؤرة رعوية حتى عام 2024.
من "يشيفوت هسدير" لـ"الميخنا".. مصانع الإرهاب الديني
تُظهر الوقائع أن الفكر المتطرف ينتقل من المعاهد العسكرية الدينية إلى الميدان، هذه المؤسسات –مثل "يشيفوت هسدير" و"الميخنا"– تُدرّس مفهوم "الدفاع عن أرض إسرائيل" كأمر توراتي مقدّس، وتدمج دراسة التوراة بالتدريب العسكري.
وتكشف الهجمات الإرهابية في الضفة نمطا خطيرا في انتقال الفكر المتطرف من حواضن الإرهاب العسكرية إلى تنفيذ واقعي عبر توظيف المعرفة العسكرية والانضباط في أعمال انتقامية ضد الفلسطينيين.
منظمة كسر الصمت الإسرائيلية وثقت حالات لجنود نفذوا اعتداءات ضد الفلسطينيين تحت شعارات دينية مثل "نحارب حرب الرب" و*"تطهير أرض إسرائيل من الأشرار"*.، كما كشفت قناة كان 11 تسجيلات لجنود يرفعون كتب التوراة في المعارك ويهتفون بشعارات توراتية.
حتى منظمة "لاهفا" الإرهابية، المعروفة باعتداءاتها على الفلسطينيين، حصلت على إذن رسمي لتقديم "دروس توعية" للجنود، وفق ما نشرت صحيفة هآرتس، مؤكدة أن الحاخام بنتسي غوفشتاين زعيم "لاهفا"، يشارك وقادتها في تقديم أنشطة "توعية دينية" للجنود.
جنرالات متدينون وجيش يتحول إلى ميليشيا
يرى مراقبون أن تصاعد المدّ الديني في السياسة والجيش جعل جيش الاحتلال أكثر تطرفًا وتديّنًا، حتى وصفه بعض الحقوقيين الإسرائيليين بأنه تحوّل إلى "ميليشيا دينية". وان الجمعيات التوراتية باتت الممول الأكبر للجنود، وارتداء "الكيبا" أصبح ظاهرة عامة بين الضباط، جيث ظهر ما يُعرف بـ ظاهرة الجنرالات المتدينين مثل: يعكوب عميدرور، يائير نافيه، أليعيزر شتيرن، يائير بار، جرشون كوهين، وصولًا إلى القائد المستقيل هآرتسي هاليفي، وجميعهم يُمثلون نفوذ التيار الديني في مفاصل القيادة.
ويؤكد النائب الأسبق لرئيس الأركان دان هارئيل أن المتدينين يقودون معظم الوحدات المقاتلة والنخبوية، وأنهم سيتولون قيادة الجيش خلال عقدين قادمين، تنفيذًا لفتوى الحاخام أبراهام شابيرا الذي قال: "التجنّد في الوحدات المقاتلة قربى للرب".
الدم ... ولا شيء غير الدم
ما ورد اعلاه "غيض من فيض" يؤكد بما لا يدع مجالا للشك وباعتراف واقرار من "الاسرائيليين" انفسهم انه هكذا يتجلى "جيش الاحتلال" في صورته الحقيقية: عقيدة توراتية ملوّثة بالدم، يقودها الحاخامات، ويؤمن جنودها أن القتل عبادة.
فـ من هند إلى أمير ومئات الشهداء من الاطغال، ومن معاهد "يشيفوت" إلى غرف العمليات، يتوارث الكيان لغة واحدة: الدم... ثم الدم... ثم الدم.. ولا شيء غير الدم.