نبض البلد - عمر كلاب
صحيح انها جملة تستهدف رفع الروح المعنوية للشعب الاردني, لكنها ايضا جملة كاشفة لما يدور في الاقليم, ولما يحتاجه الداخل, فالقلق حاضر, وان يستهل به الملك خطاب العرش امام مجلس الامة, فهذا يعني اننا امام حالة استنهاض وطني شامل, تتطلب الكثير من الاعتراف بالتحديات وتتطلب ايضا التوافق على الحلول, دون استئثار الحقيقة والمعرفة من طرف, فدعونا نقرّ بصبر المؤمنين , اننا نعيش لحظات قلق وطني على مختلف الصعد.
ربما يشاطرني كثير, بأن القلق من الاقليم وجيرتنا الصعبة وجوارنا المشتعل, ليس قلقنا الاكبر, فنحن نملك كل ادوات التصدي, لكل المشاريع الاقليمية الصعبة, من منعة سياسية, ومكنة عسكرية, ويتحول الاردنيون في لحظات القلق الخارجي, الى كتلة صلبة واحدة, لا يأتيها الباطل من اي اتجاه, وهذا سلوك معروف ومألوف من الاردنيين, واظنه تحول من سلوك سياسي, الى جين اصيل في عقل ووجدان الاردنيين جميعهم, طبعا دون التقليل من الخطر الخارجي, في ظل وجود يمين صهيوني متطرف, يملك رغم كل تراجعه الدولي, اواصر الدعم والاسناد من حكومات العالم الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة.
القلق الاكبر, هو الداخل الوطني, الذي يعيش حالة من اللا يقين, حيال مستقبله المعيشي, الذي انعكس عنفا وتطرفا مجتمعيا, يغذيه انحسار اماني الاردنيين وامالهم, من مسلكيات رسمية, تفتر من عضد العدالة والمساواة, في معظم شؤون حياتهم, ولعل اشارة الملك في خطاب العرش الى ثالوث الحياة الكريمة, اساس هذا القلق ومكمنه, فالصحة والتعليم والنقل, ابرز تحديات الاردنيين, واكثر ما يستنزف دخلهم, فالنقل وحده يشكل ثلث الانفاق, حسب اخر استراتيجية لوزارة النقل, والتعليم يستنزفهم تماما, سواء المدرسي او الجامعي, حد الاقتراض, مع تراجع فرص الشغل وتآكل الرواتب, والواقع الصحي لا يقل ضغطا, لكنه يأتي في المرتبة الثالثة, بعد التعليم والنقل, فما زال نظامنا الصحي, قادر على مواجهة الاعباء اذا ما تم تحفيزه ورقمنته.
الواقع السياسي, ليس بخير,فما زالت الاحزاب تجتر التجربة, وتستكين الى ضعف التجربة وقلة الخبرة, لكنها لا تسعى الى تجاوز هذه الاستكانات بالعمل الحزبي, بدل الشكوى والتلكؤ, فالاحزاب عاجزة عن انتاج حالتها, بعد ان استأثرت نخبة سياسية على سدتها, فأصبحت عبئا مضافا على اعباء اماني الاردنيين وطموحاتهم, وما زال المال حاسما لكثير من الامال الحزبية والبرلمانية, للاسف, وما زالت المحاصصة عاملا رئيسا, مع زميلتها الزبائنية في شغر المواقع والمناصب, فأدار ثلثي الشعب ظهره لكل مشاريع الاصلاح, وما لم نفكك سر غياب الثلثين, عن المشاركة الفاعلة, فسنبقى نراوح مكاننا.
الحديث الملكي عن القلق, بهذه القوة والصلابة, يرفع وتيرة العمل لمن اراد, ولعل القلق الملكي يذكرني على الاقل, بقول المتنبي, " على قلق كأن الريح تحتي أوجهها جنوبا او شمالا " فقلق الملك الجسور, فيه كل معاني هذا البيت, وهو ليس قلقا ساكنا, بل قلق متحرك لتوجيه الدفة, نحو مواطن النجاح, لهذا نسند الملك, فهو ربان ليس ماهر فقط, بل يملك دراية العارف والواثق, على توجيه القلق ورياحه نحو مكامن قوتنا.
omarkallab@yahoo.com