نبض البلد - عمر كلاب
دون توطين الكفاءة كنهج اقرب الى الايديولوجيا في الادارة الاردنية, سنجد انفسنا خارج سياق الفعل الوطني, وستذوب كل محاولات الاصلاح المنشود, ولا اقصد بالادارة هنا, الادارات التنفيذية فقط, بل ادارة المشهد العام بمجمله, فالنماذج القيادية التي يتم تقديمها اليوم, اقرب الى الاحباط منها الى التفاؤل, فنحن امام انماط هجينة تتقدم المشهد, تارة تكون الشهادة العلمية والخبرة الاكاديمية عنوانها, وتارة تكون الزبائنية المسنودة الى التبرير, وفي قليل من المرات ترى الكفاءة الحقيقية تتصدر المشهد.
اي ان القاطرة تسير على مبدأ ثلاثي الابعاد, نجحت شركات السيارات في انتاجه ولم يكتب له الديمومة او الانتشار, فثمة سيارات تسير على البنزين والكهرباء والهايبرد, واظن شركة واحدة او اثنتين انتجتا هذا النوع من المركبات, لكنها لم تنجح في الحصول على ثقة المستهلكين, وهذه الانماط تشير بلا لُيس, الى فقدان السردية الوطنية, لمعجزة الادارة الاردنية, التي نجحت طوال عقود, في إخراج الاردن من مآزق الاقليم, ومن ارتدادت الخارج على الداخل, سواء تلك الارتدادات الاقتصادية او السياسية وحتى الثقافية منها.
شرعية الادارة ومشروعيتها, قامت على توطين الكفاءة, ومن يراجع نستوولوجيا الشارع الوطني, في حنينه الى الماضي, نرى ان الزرقاء تتغنى بإبن الطفيلة, وأن عمان تتغنى بإبن الشمال, وان الكرك تتغني بإبن الضفة الغربية, والشمال يتغنى بإبن الكرك, وهكذا كان سلوك الادراة ثوري, وشكل اداة ردع لاي محاولة تفتيت او تفكيك او محاصصة, بوصف هذه الثلاثية مرض عضال, قادر على اجهاض اي اصلاح من الداخل, دون حاجة لكل مفردات المؤامرة والتآمر.
اذا راقبنا حجم الاحتجاجات على القيادات الادارية, والتي تنتهي مطالبها بتعيين ابناء المنطقة, في مواقع القيادة, من ادارة مستشفى الى ادارة مياه او كهرباء, ستجد ان سببها غياب التواصل من المسؤول مع البيئة المحلية, او محاولة الاقتراب من مراكز القوى في تلك المنطقة على حساب المواطنين في تلك الدائرة, فياتي الاقتراح بان يتحمل المسؤولية ابن المنطقة, كونه الاكثر معرفة, ناهيك عن وجود قطبة مخفية, يغزلها متنفذون للخلاص من مخالفيهم, بتازيم اللحظة او بتثوير الشارع الشعبي في تلك المنطقة, وكثيرا لغايات انتخابية.
مع انفراجة اقليمية, على حدودنا مع الشقيقة سورية, وملمح انتهاء المذبحة في غزة, تبدو الفرصة مواتية, لخطوة غير مسبوقة, نحو العودة الى ثقافة الكفاءة وتوطينها, دون القبول بالضغط المناطقي, وتكفي مراجعة تجارب الادارات العسكرية والامنية والشرطية الناجحة, والتي تحظى بثقة الشارع, الى تثبين وتوطين هذا النهج, فلا يعقل ان تصبح المحاصصة نهجا في الادارة حتى السياسية, فالمجتمع الشاب بات قلقا على مستقبله, وهو يرى ان الادارة تسير في واد غير الواد الذي خبره في دراسته او عرفه من متابعته لشؤون الكون, فهذا الجيل متعلم, ويتابع ويعرف, وقد بلغ سن الفطام منذ امد.
الكفاءة والنزاهة, هما عنوان ثقة الاردنيين, ومن يقرأ انحياز الشارع الوطني الى شخصيات, مثل وصفي التل وعبد الحميد شرف وطاهر المصري وحابس المجالي, والقرعان وغيرهم الكثير, على اختلاف مسقط رؤوسهم, سيعرف ان الكفاءة والنزاهة هي القاسم المشترك الاعظم.