في زمن اللايقين…وطلاب الجامعات

نبض البلد -
في زمن اللايقين…وطلاب الجامعات
د. صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
في أمسية مفعمة بالأمل والتطلع نحو المستقبل، وقفت د. سهير الحموري أمام خريجي دفعة 2025 من كلية كنغ للأعمال في حفل أقيم في فندق أتلانتس ذا بالم - دبي، لتتحدث لا عن النجاح بمعناه التقليدي، بل عن قيمةٍ أعمق وأقوى "الشجاعة، "لم يكن خطابها احتفاليًا عابرًا، بل أشبه برسالة زمنٍ يتغير بسرعة، وبوصلةٍ لقادة الغد الذين سيجدون أنفسهم في مواجهة عالم لا يشبه الأمس.
تحدثت الحموري بصوت هادئ وواثق عن زمنٍ باتت فيه التقنيات تتطور أسرع من القوانين، والقطاعات تُعاد صياغتها قبل أن تُفهم بالكامل، فيما أصبح الذكاء الاصطناعي واقعًا يوميًا لا مفر من التعامل معه. وفي هذا السياق، أشارت إلى مفارقة لافتة: «83٪ من قادة الأعمال يتوقعون أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في عملياتهم خلال خمس سنوات، لكن أقل من 15٪ يشعرون بالثقة في جاهزيتهم». لماذا؟ لأن "الآلات تستطيع معالجة البيانات… لكن الإنسان وحده يستطيع معالجة الشك".
ومن هذه الفكرة انطلقت الحموري لتضع مفهومًا جديدًا للنجاح، قوامه الشجاعة لا المعرفة وحدها. شجاعة تحدي الافتراضات، شجاعة التعلم من جديد، وشجاعة اتخاذ القرار عندما لا توجد إجابة مثالية. خاطبت الخريجين بصدق: «أنتم لم تنتظروا اللحظة المثالية… بل صنعتم الزخم بأنفسكم»، في إشارة إلى قدرتهم على التوفيق بين دراستهم العليا، وحياتهم المهنية، والتزاماتهم العائلية.
ثم فتحت نافذة صغيرة على حياتها الشخصية، لتقول إن أعظم التحولات في مسيرتها لم تحدث عندما كانت "جاهزة”، بل عندما اختارت أن تتحرك رغم الخوف. تلك اللحظات، كما وصفتها، لم تكن صاخبة أو مثالية، لكنها كانت حقيقية، شجاعة، ومفصلية.
في عالمٍ يتغير بوتيرة متسارعة، شددت الحموري على أن اللايقين ليس خصمًا، بل مقدمة لشيء جديد. فالقادة الحقيقيون ليسوا أولئك الذين ينتظرون الظروف المثالية، بل الذين يخطون نحو المجهول بثبات ووعي. «العالم لا يحتاج إلى قادة مثاليين… بل إلى قادة شجعان»، قالتها بثقة، لتلخص روح المرحلة المقبلة.
واختتمت خطابها برسالة حملت عمق التجربة الإنسانية:
"القرارات الأكثر شجاعة في حياتكم نادرًا ما ستكون الأكثر ضجيجًا، بل هي تلك العهود الصامتة التي تقطعونها مع أنفسكم… عهد على النهوض بعد السقوط، وعهد على المخاطرة بالراحة من أجل الصواب، وعهد على القيادة، حتى لو كنتم أول من يسلك الطريق".
لقد كان خطاب د. الحموري أكثر من مجرد كلمة في حفل تخرج، بل دعوة إلى شجاعة هادئة تليق بقادة المستقبل الذين سيكون عليهم أن يتخذوا قرارات جريئة في عالمٍ غير مؤكد… ذلك العالم الذي نطلق عليه في محاضرات استشراف المستقبل اسم عالم الفوكا  (VUCA World)، حيث التقلّب واللايقين والتعقيد والغموض هي سمات المرحلة لا استثناءاتها.
في مثل هذا العالم لا تنجح الوصفات الجاهزة ولا تكفي الخطط المعلّبة، بل تصبح الرشاقة والشجاعة الذهنية رأس مال القائد الحقيقي. وربما كانت أجمل ما في رسالتها أنها لم تُقدّم حلولًا نمطية، بل منحت الخريجين أداة أقوى: الإيمان بأن الشجاعة لا تحتاج إلى صخب… بل إلى قرار صامت في اللحظة المناسبة؛ قرارٍ يصنع الفارق حين يختار الآخرون التردد.