نبض البلد - محسن الشوبكي
تشهد سوريا في السنوات الأخيرة تطورات سياسية وإدارية معقدة، إذ تتصاعد النقاشات حول مفهوم الحكم الذاتي أو اللامركزية، بين من يراه وسيلة لتحسين الإدارة المحلية وتخفيف العبء عن الدولة المركزية، ومن يعتقد أنه قد يمهّد لتفكك الدولة إلى كيانات محلية مستقلة بحكم الواقع.
في الشمال الشرقي، تدير "قوات سوريا الديمقراطية” مناطق واسعة ولديها مؤسسات مدنية واقتصادية وأمنية خاصة بها، ويحظى هذا التنظيم بدعم عسكري وسياسي من الولايات المتحدة، ما يمنحه نوعاً من الاستقلالية. وعلى الرغم من وجود محاولات للتفاهم بين هذه القوات والحكومة السورية، فإن الخلافات حول مستقبل الإدارة المحلية وموقع "قسد” ضمن هيكل الدولة ما تزال قائمة.
أما في الجنوب، برزت مطالب محلية بإدارة ذاتية في محافظة السويداء نتيجة ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة وتراجع الخدمات الحكومية. وقد تطورت هذه التحركات إلى تشكيلات محلية تحمل طابعاً أمنياً أو خدمياً، فيما يثار التساؤل حول مدى استقلالها عن الدولة المركزية، إلى جانب احتمال تأثيرات خارجية من الكيان الصهيوني على الوضع الداخلي.
وفي الساحل السوري، الذي يشكل موطنًا لأغلب الطائفة العلوية، فقد طرحت مجموعة من الضباط المتقاعدين وشخصيات محلية من النظام السابق أفكاراً لتوسيع الحكم المحلي أو تأسيس أشكال من اللامركزية الإدارية بغطاء علماني وفيدرالي. ورغم أن هذه المبادرات لم تتبلور بعد في كيانات سياسية مستقلة، فإنها تمثل محاولة لتطوير إدارة محلية أكثر استقلالية ضمن إطار الدولة، مع استمرار النقاش حول طبيعة العلاقات مع القوى الإقليمية مثل إيران وحزب الله.
ويشكل تدخل الكيان الصهيوني في الجنوب السوري أحد العوامل المعقدة في المشهد، إذ يستخدم هذا التدخل ذريعة حماية الأقليات، مستغلاً الضعف الاقتصادي والأمني لبعض المناطق، ويقدّم الدعم لبعض التشكيلات المحلية بما يعزز نفوذه ويحد من قدرة الدولة السورية على فرض سيطرتها الكاملة. وفي الوقت نفسه، تم تسليح "قوات سوريا الديمقراطية” ودعمها أمريكيًا بذريعة محاربة الإرهاب، كما تحظى بغطاء سياسي من الغرب، مما يمنحها نوعًا من القوة أمام النظام السوري ويجعل أي تحرك عسكري ضده صعبًا، خاصة في ظل المواقف الغربية الداعية لحماية الأقليات، وهو ما يحد من هامش المناورة أمام الحكومة الجديدة للتعامل معها بالقوة.
ويظل هذا المشهد مرتبطًا بتدخلات أطراف إقليمية أخرى، مثل إيران وحزب الله في الساحل والمناطق الغربية، ما يزيد من تعقيد موازين القوى داخل البلاد ويجعل إمكانية إعادة توحيد الإدارة السورية تحديًا مستمرًا.
ويبقى السؤال الأساسي عن مستقبل سوريا: هل تشكل اللامركزية وسيلة لإعادة توزيع السلطة وتحسين الإدارة المحلية ضمن إطار الدولة الموحدة، أم أنها قد تؤدي إلى تفكك سياسي وجغرافي على المدى الطويل؟ ويبدو أن غياب مشروع وطني جامع وعدم التوافق على شكل الدولة المستقبلية يزيد من هشاشة الوضع ويجعل البلاد عرضة لتباينات داخلية وتدخلات خارجية مستمرة.