نبض البلد - د. خالد العاص
شهد العام الأول من حكومة الدكتور جعفر حسان زخماً واسعاً في القرارات والسياسات، إذ أصدر مجلس الوزراء771 قراراً غطّت مجالات متعددة، من الاقتصاد والاستثمار إلى الإصلاح الإداري والخدمات العامة. وبحسب تقرير "راصد"، فإن الحكومة أولت اهتماماً خاصاً بمحركات النمو الاقتصادي، حيث شكّلت القرارات المرتبطة بالاستثمار ما نسبته32.8٪ من مجمل قراراتها، تلتها الخدمات المستقبلية والموارد المستدامة. هذا التوجه يعكس محاولة واضحة لترجمة رؤية التحديث الاقتصادي إلى واقعٍ مؤسسي، إلا أن الرأي البرلماني والحزبي لا يزال منقسماً حول جدوى التنفيذ وسرعته.
في المشهد البرلماني، جاءت مؤشرات الرضا النيابي مزيجًا بين "الحذر والأمل"؛ فبينما عبّر 86.4٪ من النواب عن رضاهم عن الأداء الدبلوماسي والسياسة الخارجية، اعتبر أكثر من نصفهم أن إدارة الأزمات والإصلاح الإداري والاقتصادي لم تبلغ المستوى المأمول. ويُلاحظ أن التقييمات الإيجابية تميل نحو الملفات ذات الطابع الخارجي، في حين بقيت الملفات الداخلية كالبطالة، مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات موضع انتقاد متكرر، إذ أبدى86.4٪ من النواب عدم رضاهم عن معالجة البطالة، فيما رأى 53.8٪ أن جهود مكافحة الفساد لا تزال دون المطلوب.
أما في البعد الحزبي، فقد كشف التقرير عن فجوة عميقة في التواصل بين الحكومة والأحزاب السياسية، حيث أعرب 91.4٪من الأحزاب عن عدم رضاهم عن مستوى التنسيق معها، وهو مؤشر يعكس ضعف الثقة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والسياسية الحزبية، في لحظة يُفترض فيها أن تكون المشاركة السياسية ركيزة أساسية لمسار التحديث السياسي. كما أظهر استطلاع الأحزاب أن تقييم كفاءة الحكومة تراوح بين الجيد والمقبول، لكن الأغلبية أبدت تشككاً في فاعلية سياساتها في ملفات البطالة والإصلاح الإداري والاقتصاد الإنتاجي.
اللافت أن الحكومة سعت خلال عامها الأول إلى تكثيف حضورها الميداني، إذ نفّذ رئيس الوزراء 33 زيارة شملت 114 موقعاً في مختلف المحافظات، ركّزت على قطاعات التعليم والصحة والإنتاج، وهي محاولة لإظهار نموذج القيادة المتابعة ميدانياً. غير أن هذه الجهود لم تنعكس بالكامل في الرأي العام النيابي والحزبي، ما يشير إلى فجوة في الإقناع السياسي أكثر منها في الأداء التنفيذي.
ورغم ما تحقّق من إنجازات إجرائية وتقدم في بعض المؤشرات الاقتصادية، إلا أن مستوى التوقعات المرتفع من الحكومة جعل من تقييمها السياسي أكثر صرامة. فالتحدي في عامها الثاني لا يقتصر على زيادة القرارات أو الزيارات، بل على بناء ثقة مستدامة مع البرلمان والأحزاب والمجتمع، عبر وضوح السياسات وفاعلية التواصل وقياس الأثر الفعلي للإصلاحات.
وفي ضوء التوقعات السياسية، أظهر الاستطلاع أن57.6٪ من النواب و ٪ 82.9 من الأحزاب يتوقعون علاقة "متوترة" مع الحكومة في عامها الثاني، وهو مؤشر تحذيري ينبّه إلى ضرورة إعادة ضبط العلاقة بين الحكومة ومكونات المشهد السياسي لتجنّب حالة "الإرهاق السياسي" التي قد تعيق تنفيذ برامج التحديث الوطني.
إن حكومة جعفر حسان تقف اليوم على مفترق طرق؛ فبين أداء إداري نشط ورضا سياسي متحفظ، تبدو معادلة الاستقرار السياسي رهينة بقدرة الحكومة على تحويل الإصلاح من شعارات إلى أثر ملموس، ومن القرارات إلى نتائج يشعر بها المواطن قبل النائب والحزب.