شرم الشيخ في ضوء الكلام الملكي: مفترق السلام أم خدعة التهدئة؟

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران

شرم الشيخ في ضوء الكلام الملكي: مفترق السلام أم خدعة التهدئة؟

من يتابع تفاصيل قمة شرم الشيخ الأخيرة، يدرك أن المنطقة تقف عند مفترقٍ خطير بين سلامٍ حقيقي وعدٍّ جديد بالتهدئة المؤقتة. فبين التحذير الصريح الذي أطلقه الملك عبدالله الثاني في مقابلته مع قناة "بي بي سي”، والبيان الختامي الصادر عن القمة، تتضح معادلة الشرق الأوسط: كلمات ثقيلة بالتحذير، وبيانات مشبعة بالوعود، لكن التنفيذ ما زال غائبًا.

الملك عبدالله الثاني لم يُجامل حين قالها بوضوح: «إذا لم نتوصل لحل لهذه المشكلة، فإننا محكومون بالهلاك» 
لم تكن تلك جملة دبلوماسية، بل إنذارٌ استراتيجي من زعيمٍ يدرك أن المنطقة تسير على حافة الانفجار. فالمشكلة ليست في الحرب ذاتها، بل في غياب الأفق السياسي الذي يُبقي النار مشتعلة ولو تغيّر مكانها.
في المقابل، جاء البيان الختامي لقمة شرم الشيخ داعمًا لاتفاق إنهاء الحرب في غزة، مؤكّدًا على وقف شامل للعمليات العسكرية، وتبادل الأسرى، والانسحاب الإسرائيلي، ودخول المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، والانطلاق في مسارٍ سياسي يضمن الحقوق الفلسطينية 

لكن ما بين التحذير الملكي والبيان الختامي، يبقى السؤال معلقًا: هل يكفي دعم الاتفاق لإنهاء الحرب كي يولد السلام؟ أم أننا أمام تكرارٍ مألوف لسيناريوهات "وقف إطلاق النار” التي تلبس ثوب السلام ثم تتهاوى أمام أول اختبار؟
الملك عبدالله الثاني لم يتحدث بلغة المجاملات، بل بلغة من يعرف تعقيدات المشهد. فقد أشار إلى أن "الشيطان في التفاصيل”، وأن الخطر الأكبر يكمن في أن تتحول الهدنة إلى ستارٍ جديد يخفي واقع الاحتلال، بدل أن تكون جسرًا نحو الدولة الفلسطينية المستقلة.

في حين احتفت القمة بإعلان الدعم، لم تُحدّد آليات التنفيذ ولا الجهة الضامنة للاتفاق، لتبقى بنوده معلّقة بين الإرادة السياسية والتجاذبات الميدانية. وهنا يظهر الفارق بين الخطاب الملكي الذي يربط الاستقرار بالعدالة، وبين لغة البيانات التي تكتفي بتوصيات لا تُنفَّذ.

إن حديث الملك لم يكن موجهًا إلى طرفٍ بعينه، بل إلى العالم بأسره، حين قال إن المنطقة ستواجه مصيرًا قاتمًا إن لم يتم التوصل إلى حلٍ دائمٍ وشامل. تحذيرٌ يعني أن التهدئة وحدها لا تصنع المستقبل، وأن الدولة الفلسطينية هي الأساس الذي لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه.
أما القمة، ورغم ما حملته من نوايا إيجابية، فإنها أعادت التذكير بالمفارقة العربية القديمة: بيانات تؤيّد العدالة ولا تملك أدوات فرضها، واتفاقات تُوقَّع ثم تُعلَّق على مشجب "الظروف”.

الأردن في هذا المشهد ليس وسيطًا محايدًا، بل طرفًا مؤمنًا بأن أمنه واستقراره لا ينفصلان عن القضية الفلسطينية. فالموقف الأردني الثابت ليس موقف دبلوماسية ناعمة، بل موقف مبدئي يدافع عن جوهر العدالة الإقليمية. ولذا، فإن صوت الملك يعلو دائمًا حين يصمت الآخرون، لأنه يدرك أن كل تأخير في الحل يزيد النار اشتعالًا، وأن صمت المجتمع الدولي هو تواطؤ مقنّع.

اليوم، وبعد قمة شرم الشيخ، يقف العالم أمام خيارين: إما أن يتحول الدعم إلى فعلٍ سياسي حقيقي يُنهي الاحتلال ويفتح أفق الدولة الفلسطينية، أو أن تبقى المنطقة أسيرةَ بياناتٍ موسمية وهدنٍ مؤقتة لا تغيّر في الواقع شيئًا.
في المحصلة، يبقى الموقف الأردني هو البوصلة التي تُعيد التوازن في زمن الانحيازات. فبين صوت الملك وتحركات الدبلوماسية، تتجسد الحقيقة: لا سلام بلا عدل، ولا استقرار بلا دولة فلسطينية. كل ما عدا ذلك مجرد هدنة مؤجلة ستنفجر عاجلًا أو آجلًا.