السابع من اكتوبر.. بين العاطفي والسياسي 2/2

نبض البلد -
بهدوء

عمر كلاب


اذا كان المنطق السياسي, اقرب الى ان السابع من اكتوبر هو حدث اقليمي, فإن قراءته وفقا لذلك, تتطلب السير في مسارين, بعد الهدنة التي فرضتها الوقائع على الارض اولا, بفضل الصمود الاسطوري للغزيين ومقاومتهم, وثانيا بسبب تآكل الصورة التي نجحت الحركة الصهيونية في رسمها خلال عقود طويلة, عن الكيان الصهيوني, كواحة حرية وتقدم, وسط مجموعات قبلية اخذت اشكال دول, كما فهمنا بجلاء من تصريحات المندوب السامي الامريكي في سورية" برّاك " الذي وصفنا هكذا كدول ومجتمعات.

في الشق السياسي, نجح الصمود الغزي, وبناء المقاومة على الارض الفلسطينية, في اظهار الوجه الحقيقي للحركة الصهيونية, التي مارست حرب ابادة على كل شبر من ارض فلسطين, وليس على غزة وحدها, من مجازر لم تكن التقنيات الحديثة حاضرة لتصويرها وتوثيقها, فنجحت رواية الكيان الصهيوني, منذ العام 1948 في رسم صورتها وتثبيت سرديتها, وسط ضعف فلسطيني وعربي, في رسم صورة مضادة, واعني بالضعف, عدم وجود مقاومة فلسطينية مسنودة عربيا, على ارض فلسطين, بعد ان اخفقت القيادة الفلسطينية في بناء مقاومة في الداخل, مستفيدة من حالة دعم وعطف دوليين, حظيت بهم فلسطين وقضيتها, باعلى مما تحظى به الان بالمناسبة, لكن بؤس القيادة انذاك وبحثها عن التمثيل بدل الحقوق, اضاع تلك الفرصة التاريخية, وسبق ان اوضحت في مقالات سابقة هذا الرأي.

الجانب الآخر تآكل صورة الصهيونية العالمية, وانتقال هذا التآكل ليصل الى صورة اليهودي في العالم, الذي بات يخشى على نفسه وصورته, في ظل ما تنقله الصورة والاحداث من ابادة في غزة, ورأت اليهودية العالمية, ان الصهيونية قد انتقلت من حركة علمانية بين قوسين, الى حركة يمينية متطرفة, اقرب الى الدعشنة, وانها خطفت الدولة المنتظرة والصورة المرسومة, نحو فضاءات منحرفة ومتطرفة, ورأينا كيف ان معظم الحراكات في اوروبا وامريكا, المناهضة لحرب الابادة, كانت تحت قيادات يهودية, صحيح ان العرب والفلسطينيين, ساهموا في التاثير, لكن من تابع بكثافة يرى الحضور اليهودي, ويرى اثره على كثير من العواصم, وربما كانت واشنطن من ضمنها, وباستثناء اسبانيا وايرلندا, فلم يكن هناك موقف جذري رافض للحرب في اوروبا وامريكا.

اما في الشق العاطفي بعد الهدنة, فعلينا ان نتريث قليلا, فثمة خلط بين مضامين المبادرة الترامبية, ووقف حرب الابادة على غزة, ويبدو ان اولوية وقف الحرب والمجازر, قد طغت على قراءة المبادرة, التي تعيد انتاج المندوب السامي من جديد, وان جوهرها, لا يفضي الى اهداف السابع من اكتوبر, على الاقل مؤقتا, لكن في المدى المتوسط والطويل اعتقد انها ستكون العلامة الفارقة, ولا اريد استباق الحكم, فالمبادرة مليئة بالغموض الذي لن يتم تفسيره لصالح فلسطين وقضيتها في هذه الظروف, وهذا لا يستدعي ابدا الحديث عن جدوى السابع من اكتوبر, كما يحلوا لكثير من محللي النميمة والبغضاء, الذين يساوون بين المحتل والمقاوم, بقصد او دون قصد في تحليلهم البائس.

كذلك لا يجوز ان تقودنا العاطفة, الى الوصف بدل القراءة العميقة, لنقول انتصرنا او انهزمنا, فلا يوجد حتى اللحظة معيار للهزيمة او معيار للنصر, نستطيع ان نقيس به الحدث, اما الاكيد, ان السابع من اكتوبر قد نقل فلسطين وقضيتها نقلة هائلة, يمكن ان تفضي الى دولة فلسطينية شريطة اكتمال الورقة الفلسطينية الواحدة واعادة الاعتبار للوزن الشعبي داخل فلسطين, واعادة الارتباط مع فلسطينيي الشتات بشكل منهجي ومدروس, وليس على قاعدة الاصطفافات الشوفينية التنظيمية, فقد نجحت المقاومة في فرض نفسها كحركة تحرر وطني, ولا يجوز وصفها بغير ذلك مهما تنوعت المرجعيات الفكرية لاطياف المقاومة, كما لا يجوز تحميلها وزر الدمار الذي حدث في غزة, فالمسؤول عن الدمار والابادة, الكيان الصهيوني والولايات المتحدة فقط.

كما انهيت الجزء الاول من المقال الاسبوع الفائت انهي المقال الثاني, مجددا على المقاومة بكل اطيافها, قبل الاختلاف على النصر والهزيمة, ان تقرأ كتابا اردنيا, صدر عقب هزيمة حزيران, عنوانه, دروس في الهزيمة, وصدر في العام 1969, وشارك في كتابته,الشهداء وصفي التل ومنيف الرزاز وصادق العظم واكرم زعيتر واخرون, ولا اعني بذلك وصف السابع من اكتوبر, ولكن كتاب فيه الكثير من الاسترشاد الذي يصلح لوقتنا الحالي, كي نفهم ما جرى ونضع المعايير اللازمة كما وضعوها.

omarkallab@yahoo.com