نبض البلد -
حاتم النعيمات
يصعب القول إن صفحة المواجهة بين إسرائيل وإيران قد طُويت نهائيًا، فإسرائيل، كما يبدو، ليست في وارد التفريط بما تعتبره تفوقًا استخباريًا وجويًا حققته في الجولة الأخيرة. كما أن نهاية القتال لم تكن حاسمة أو قائمة على اتفاق متوازن، بل جاءت نتيجة ضغط أمريكي مباشر أجبر إسرائيل على وقف القصف دون اقتناع حقيقي. وبمعنى أدق، الحرب توقفت بأمر أمريكي، لا بضمانات حقيقية لعدم تجددها.
الحقيقة أن هناك صراع ما زال قائمًا في واشنطن حول فعالية الضربة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية التي ختمت بواسطتها الحرب، حيث نشرت كل من الواشنطن بوست و CNN عن مصادر استخباراتية ما يفيد بأن الضربة الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية لم تكن ناجحة كما روج لها الرئيس ترامب وأبرز قادة الجمهوريين كليندسي غراهام وتوم كوتون، وخلصت التقارير الإعلامية التي استفزت حينها البيت الأبيض إلى أن إيران تحتاج لأشهر للتعافي من الضربة والعودة إلى استكمال برنامجها النووي. ما زاد الطين بلة هو تأييد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لهذا الطرح حيث قال: "إن إيران لا تزال قادرة على استئناف التخصيب خلال أشهر قليلة”.
على ما يبدو أن هناك تيارين داخل الإدارة الأمريكية؛ تيار يريد إنهاء النظام الإيراني وتفكيك الدولة وهذا يمثله الديموقراطيون ومن يتبع لهم من مؤسسات إعلامية (كالواشنطن بوست و CNN) والمجتمع الحقوقي القانوني، وتيار يريد بقاء حالة التوازن في المنطقة ويمثله ترامب والجمهوريون بشكل عام. ويبدو أن حسم هذا الصراع سيساهم بشكل كبير في احتمالية استئناف الهجمات الإسرائيلية (وربما الأمريكية) على إيران.
في إيران نفسها يوجد صراع لا يمكن إهماله بين الإصلاحيين الذي يريدون حل الأزمة بالمفاوضات والحوار وعلى رأسهم الرئيس مسعود بزكشيان ووزير الخارجية عراقجي (الذي أبدا مرونة بتصريح رسمي في سياق نقل اليورانيوم المخصب إلى دولة تضمن استخدامه للأغراض غير العسكرية)، وبين المحافظين المتشددين الذين يمثلهم المرشد الأعلى وقيادة الحرس الثوري واللذان يعتمدان على إصدارا تصريحات تصعيدية وغير واقعية أحيانًا. إذن، الخارطة السياسية الإيرانية لم تعطي الجواب النهائي بعد، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات رغم أن جوابها أقل أهمية من جواب الخارطة السياسية الأمريكية.
في تل أبيب أيضًا تتحول قضية إنهاء الحرب على غزة إلى تهديد حقيقي لتحالف نتنياهو الحاكم، حيث لم يتوقف الوزيران المتطرفان بنغفير وسموترتس بالاستقالة وبالتالي اسقاط الحكومة التي يخضع رئيسها حاليًا لمحاكمات في قضايا فساد ورشوة. ميزة الساحة الإسرائيلية أنها ذات تأثير قوي على القرار في واشنطن.
العدوان على غزة على وشكل أن ينتهي بخطة ترامب للسلام، وبعد ذلك سيبقى أمام نتنياهو فسحة من الزمن قبل الانتخابات، بالتالي فرصة لاستمرار حالة الحرب بإشعال جبهة إيران.
إذن نحن أمام ثلاثة صراعات في واشنطن وطهران وتل أبيب قد تحدد مصير إيران والبرنامج النووي، وبطبيعة الحال ستؤثر على جميع دول المشرق العربي، لذلك لا بد من تعامل عربي استباقي مشابه لما حدث في نيويورك مع الرئيس ترامب.
إذا كان هناك جولة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل (وهذا وارد حسب المؤشرات) فإن الجميع سيتأثر لأن هذه الجولة -إن حدثت- لن تكون استكشافية كالأولى، وقد ينتح عنها بؤرة فوضى جديدة في إيران ستكون كارثة؛ فلدينا التجربة الأمريكية التي أجريت على العراق وحولته إلى منبعٍ للتطرف والطائفية بعد إسقاط نظام صدام حسين. الضرر قد لا يتمثل بالضربات الجوية ولا الصواريخ بل بالفوضى وتوابعها وتطبيقاتها.