المغرب والربيع العربي: حدود المقارنة وخطر الاستنساخ

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

التيارات السياسية ذاتها التي قادت موجة ما يُسمى "الربيع العربي" تلتقط المظاهرات في المغرب وتجعل منها امتداداً لما حدث في العشرية الماضية. من الخطأ أن يتم استدعاء نموذج "الربيع العربي" وتبرير الحاجة إليه أو الدعوة لتكراره في ظل الوضع العربي القائم، فهذا النموذج سيء السمعة وُلد مشوهاً ولم يتبلور ضمن بيئته الوطنية الداخلية رغم وجود عوامل موضوعية جعلت صورته منطقية ومشروعة، لكن هذه العوامل جرى استغلالها من بعض القوى التي زادت نفوذها في المنطقة العربية بشكل مجاني. كما أن الثقة الشعبية المطلقة بأن العنف السياسي للجماهير سيعقبه فجر جديد تتحول فيه أحلامهم بالحرية والعدالة الاجتماعية إلى واقع، لكنهم استيقظوا على واقع لا يقين فيه، ولم تكن الوعود التي قطعتها القوى السياسية للجماهير التي حرّكتها سوى دعاية تم ترويجها للانتقال إلى هذا الواقع الذي كان احتمال حدوثه مستبعداً؛ لأن الثقة الجماهيرية بسلامة العقل السياسي للمعارضة وصوابية ما تفعله كانت أكبر من أي شيء آخر!

الوضع الحالي في البلدان العربية التي اجتاحها "الربيع العربي" صار أسوأ مما كان عليه، وهذه النتيجة لم تكن مفاجئة، لأن القوى السياسية التي قادت الجماهير في ذلك الحين كانت عاجزة عن بناء مشروع وطني يُعتبر بديلاً معقولاً يمكنه أن يحل محل الأنظمة القائمة، ولم تكن رؤيتها السياسية تتجاوز هدف إسقاط النظام الذي قادت الثورات الشعبية ضده، بدليل أن بعضها حين صعد إلى سدة الحكم بعد ذلك وقع في أزمات أدت لإعادة إنتاج الوضع القائم بصورة معاكسة. لم تكن تجارب "الربيع العربي" متطابقة في البلدان العربية، ورغم مشروعيتها من وجهة نظر حقوقية إلا أنها لم تكن أكثر من عمل احتجاجي مرتجل يفتقر للتأطير السياسي الوطني، وهو ما أنتج الفوضى السياسية أو فاقم المعاناة بالنسبة للمواطنين في أكثر من بلد عربي

المواطنون الذين ثاروا ضد الأنظمة السياسية التي حكمت بُلدانهم العربية ربما لم يُخطئوا، لكن تدويل قضاياهم الوطنية فتح باباً واسعاً للتدخل الأجنبي في المنطقة على نحو غير مسبوق، وما تزال تداعيات ذلك على المنطقة ماثلة إلى اليوم من نواحي الأمن والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية

ما يحدث في المغرب، من الخطأ أن يتم فصله عن سياقه الوطني والدعوة إلى استنساخه في بلدان عربية أخرى يعيش مواطنيها ذات الظروف التي ثاروا من أجلها بوجه أنظمتهم السياسية قبل أكثر من عقد؛ فما زالت قوى المعارضة التي يجمعها السخط السياسي ورفض الأوضاع القائمة في بلدانها بلا رؤية سياسة تجعل من حراكها الميداني منتجاً أو متطوراً عما كان عليه فيما يُسمى "الربيع العربي"، وهو ما سيجعل من ذلك مفتاحاً لمرحلة تندفع فيها القوى الإقليمية والدولية الطامعة بتحقيق المزيد من الأهداف الاستراتيجية في المنطقة العربية كما فعلت في العقد المنصرم. ولذلك فإن على الشعوب العربية أن تتعلم الدرس من تجربة "الربيع العربي" وألا تقع ضحية للدعايات السياسية التي تبثها الأجهزة والتنظيمات تحت شعارات مغرية لإدخال المنطقة العربية في نفق مظلم مرة أخرى

رغم الحاجة الماسة إلى التغيير، إلا أن معنى هذا الأخير لا يجب أن يظل غامضاً ولا بد من التوافق على تعريفه، وبناء أطر سياسية حقيقية يمكنها إنجازه بلا عنف أو فوضى، وهذه المهمة يجب أن تضطلع بها الأنظمة السياسية لقطع الطريق على التيارات الانتهازية التي تتغذى على الشعبوية والتحريض الذي يقود الجميع إلى مسارات مجهولة