نبض البلد -
بلاسمة: مشاريع الطاقة المتجددة يمكن أن تصبح وجهة قائمة بحد ذاتها وتضيف قيمة سياحية واقتصادية
البيايضة: دمج القوة الخضراء مع التقنيات الذكية يخلق تجربة سياحية وتعليمية فريدة
الأنباط - عمر الخطيب
في وقت تعيد فيه الأمم صياغة اقتصاداتها على إيقاع الطاقة الخضراء، تتعامل ألمانيا مع ألواحها الشمسية لا بوصفها مجرد قطع زجاجية تلمع في الحقول، بل كقصة معرفية تُحكى وتُدرّس. أما الدنمارك فقد حوّلت مزارع الرياح إلى متاحف مفتوحة يرتادها الزوار كما يقصدون القلاع القديمة، بينما جعلت الإمارات من محطات الطاقة النظيفة أيقونات معمارية تنافس في حضورها ناطحات السحاب.
العالم اليوم يدمج بين الطاقة والتكنولوجيا والسياحة في لوحة واحدة، بينما ما زلنا في الأردن نتعامل مع مزارع الطاقة المتجددة كأعمدة فولاذية صامتة تُسجّل أرقامها في تقارير رسمية، وننشغل أكثر بحساب الفواتير في نهاية الشهر.
الأردن، الذي لا يمل من التقدم في مسار التحديث الاقتصادي، يقف أمام فرصة نادرة. فالشمس التي تسطع على الصحراء كسجادة ذهبية، والرياح التي تهب ليلاً كأنها تذكّر بأن المستقبل يقترب، كلها موارد جاهزة لإضافة بعد جديد إلى الإرث السياحي، وصياغة نموذج مبتكر يمزج بين الطاقة الخضراء، والتقنيات الذكية، والتجربة السياحية التعليمية.
يبقى السؤال مطروحاً: لماذا لا تتحول مزارع الطاقة في الأردن إلى وجهات سياحية تعليمية ذكية، تنقل الكهرباء من مجرد "كيلوواط” إلى تجربة حيّة، وتحول الطواحين الصامتة إلى شرفات تطل على المستقبل؟ ولماذا لا نكسر عزلة القطاعات لنضع الأردن على خريطة السياحة التكنولوجية العالمية، بدلاً من أن نبقى أسرى دفاتر الفواتير.
الطاقة المتجددة كمنتج سياحي
وفي هذا السياق، يرى خبير الطاقة فراس بلاسمة أن مزارع الطاقة الشمسية والرياح لم تعد تقتصر على دورها في إنتاج الكهرباء، بل يمكن أن تتحول إلى مقاصد سياحية وتعليمية قائمة بحد ذاتها. وأوضح أن هذه المشاريع قادرة على استضافة مراكز زوار مجهزة بتقنيات حديثة تعرض للزوار رحلة تحوّل أشعة الشمس والرياح إلى كهرباء بطريقة تفاعلية، عبر شاشات وتقنيات الواقع الافتراضي. كما يمكن تصميم مسارات بيئية حول مزارع الرياح والألواح الشمسية تدمج بين المتعة البصرية والتجربة البيئية، إلى جانب أنشطة تعليمية مثل محاكاة تشغيل محطة طاقة، حيث يشارك السائح في تغيير زاوية الألواح أو سرعة التوربينات ليرى الأثر المباشر على إنتاج الكهرباء. واعتبر بلاسمة أن هذا النموذج يضيف قيمة سياحية واقتصادية، ويعزز صورة الأردن كبلد يرتبط بالاستدامة والابتكار.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي محرك للتجربة
وأشار بلاسمة إلى أن دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يجعل التجربة السياحية أكثر تميزاً، حيث يمكن أن يرافق الزائر مرشد افتراضي ذكي عبر تطبيق على الهاتف يقدم المعلومات وفق مستوى معرفة السائح سواء كان مبتدئاً أو طالباً أو خبيراً. كما تسهم تحليلات حركة الزوار في تحسين إدارة الموقع وتوزيع الخدمات بكفاءة، فيما تتيح تقنيات الواقع الافتراضي للزائر خوض تجربة إدارة محطة طاقة افتراضية. ولفت إلى أن السياح، خاصة من أوروبا وآسيا، يبحثون عن "وجهات خضراء” تعتمد على الطاقة النظيفة، مؤكداً أن على الأردن التسويق لنفسه كوجهة سياحية مستدامة تعتمد مرافقها وفنادقها على الطاقة المتجددة، ما يمنحه ميزة تنافسية في الأسواق العالمية.
خارطة طريق للتطبيق
وحول آلية تحويل الفكرة إلى واقع، اقترح بلاسمة إطلاق مشروع نموذجي في إحدى مزارع الطاقة الشمسية القائمة يتضمن مركز زوار وتجربة ذكية متكاملة. وأكد أهمية بناء شراكات بين وزارتي السياحة والطاقة، والجامعات التقنية، والقطاع الخاص لتطوير المحتوى العلمي والتجريبي، إلى جانب حملات تسويق دولية تبرز الأردن كوجهة للسياحة الخضراء والابتكار. كما دعا إلى استقطاب استثمارات لإنشاء "حدائق طاقة” تجمع بين السياحة البيئية والتعليمية والطاقة المتجددة، وإطلاق برامج تعليمية موجهة للمدارس والجامعات لجذب السياحة التعليمية إلى هذه المواقع.
الأثر المتوقع
وبيّن بلاسمة أن دمج الطاقة المتجددة بالقطاع السياحي سيترك أثراً واسعاً على مستويات عدة. فمن الناحية الاقتصادية، يساهم في تنويع مصادر الدخل وزيادة العوائد عبر تجارب سياحية مبتكرة. وعلى المستوى البيئي، يعزز صورة الأردن كدولة ملتزمة بالاستدامة والاقتصاد الأخضر. أما اجتماعياً، فيفتح المجال لخلق فرص عمل جديدة في مجالات السياحة البيئية والتعليم التكنولوجي وتشغيل مراكز الزوار. واستراتيجياً، يضع الأردن في موقع ريادي إقليمي بربط الطاقة المتجددة بالسياحة والذكاء الاصطناعي. وأكد أن هذا التوجه ليس فكرة مثالية بعيدة المنال، بل ورقة عمل عملية قابلة للتنفيذ، قادرة على تحويل مزارع الشمس والرياح إلى منصات جذب سياحي وتعليمي تضيف قيمة جديدة للمشروع الطاقي وتؤسس لصورة الأردن كوجهة عالمية تجمع بين الابتكار والاستدامة.
مزارع الطاقة المتجددة كمحطات سياحية ذكية
من جهته، أكد دكتور علم الحاسوب في جامعة إكسفورد، وائل البياضية، أن تحويل مزارع الطاقة المتجددة في الأردن إلى وجهات سياحية يمثل فرصة مثالية لتعزيز الوعي البيئي، وزيادة الاهتمام بالطاقة النظيفة ومكافحة التغير المناخي. وأضاف أن هذه الخطوة توفر مصدر دخل إضافي عبر بيع التذاكر والجولات الإرشادية والمنتجات التعليمية، كما تعزز صورة الأردن كمركز للابتكار والتكنولوجيا الخضراء، ما يساهم في جذب الاستثمارات والسياح المهتمين بالتقدم التكنولوجي. ولفت إلى الجمال الهندسي الفريد لمزارع الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح، والذي يمكن استغلاله سياحياً لخلق تجربة تجمع بين الجمال والوظيفة.
ربط الذكاء الاصطناعي بجذب السياح
وأشار البياضية إلى أن دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يحوّل الزيارة من مجرد مشاهدة إلى رحلة تعليمية تفاعلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال أدوات متنوعة مثل المرشد الافتراضي، والروبوتات التفاعلية، وتطبيقات الواقع المعزز (AR) عبر الهواتف الذكية، التي تزود الزائر بمعلومات عن كل قسم يمر به بمجرد توجيه الكاميرا. كما يمكن توزيع "نظارات ذكية” ووضع شاشات تفاعلية في نقاط محددة، إلى جانب روبوتات متكلمة تستقبل الزوار وتجيب على أسئلتهم بلغة طبيعية.
وأضاف أن واجهات تفاعلية ذكية وأكشاك شرح مزودة بشاشات لمس كبيرة (Interactive Kiosks) يمكن أن تقدم محاكاة تفاعلية توضح كيفية تحويل ضوء الشمس أو الرياح إلى كهرباء، مع بيانات عن كمية الطاقة المنتجة والانبعاثات الكربونية التي تم توفيرها، إلى جانب ألعاب تعليمية (Gamification) للأطفال والكبار لاختبار فهمهم لمفاهيم الطاقة المتجددة.
وتابع البياضية أن محطات تجربة الواقع الافتراضي (VR) توفر تجربة غامرة، مثل "الطيران” بين توربينات الرياح أو "الدخول” إلى قلب اللوح الشمسي لرؤية عمل الخلايا الكهروضوئية من الداخل، وهي تجارب تجذب الفئات العمرية الشابة. كما تساعد أنظمة إدارة الزوار الذكية على تخصيص المحتوى وفق أعمار الزائرين واهتماماتهم، مع تطوير مستمر للبرامج التعليمية والترفيهية بناءً على بيانات فعلية للزوار.
السياحة الذكية بالطاقة الخضراء
وأكد البياضية أن تحويل مزارع الطاقة إلى وجهات سياحية تعليمية ذكية يمثل استثماراً استراتيجياً يجمع بين العائد الاقتصادي والبعد البيئي والاجتماعي. وأوضح أن تحقيق ذلك يتطلب دراسة جدوى بالشراكة بين شركات الطاقة ووزارتي السياحة والاتصالات، والتعاون مع شركات التقنية لتطوير حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، إلى جانب تصميم باقات سياحية متكاملة تدمج زيارة المزارع ضمن برامج أوسع للمنطقة. وخلص إلى أن دمج القوة الخضراء للطاقة المتجددة مع التقنيات الذكية يخلق وجهة فريدة تترك أثراً إيجابياً لدى الزوار، وتضع الأردن على خريطة السياحة التكنولوجية العالمية.