السياحة في المملكة.. آمال بخطة إنقاذ

نبض البلد -

 

ديه: السياحة الأردنية على مفترق طرق بين أزمات الإقليم وفرص التعافي

هلالات: البحر الميت والبتراء الأكثر تضرراً والقطاع يحتاج إلى إنعاش سريع

 

 

 

الأنباط – مريم البطوش

 

 

 

يشهد القطاع السياحي في الأردن واحدة من أصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة، بعدما ألقت التوترات الإقليمية بظلالها الثقيلة على حركة السفر وأعداد القادمين.

 

فالحروب الممتدة في المنطقة، وتراجع ثقة الأسواق العالمية، وتوقف رحلات الطيران منخفض التكاليف، كلها عوامل وضعت المثلث الذهبي والبحر الميت في صدارة المتضررين.

 

ورغم محاولات التنشيط عبر برامج محلية، إلا أن القطاع ما يزال بحاجة إلى خطة شاملة تعيد الثقة وتفتح أبواب أسواق جديدة.

 

 

 

ويرى الخبير الاقتصادي منير ديه أن السياحة الأردنية من أكثر القطاعات تأثراً بالتطورات الإقليمية، وخاصة مع استمرار حالة الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة، بدءاً من العدوان على غزة وما تبعه من أحداث في لبنان وسوريا واليمن، وصولاً إلى الحرب بين إسرائيل وإيران. موضحاً أن هذه الأزمات انعكست بشكل مباشر على حركة السياحة في المملكة، حيث تراجعت أعداد القادمين، ولا سيما من الأسواق الأوروبية.

 

وأشار ديه إلى أن توقف عدد من شركات الطيران منخفض التكاليف والرحلات العارضة عن القدوم إلى الأردن كان له أثر بالغ، إذ تسبب بإلغاء آلاف الحجوزات السياحية، ما انعكس على المثلث الذهبي، وتحديداً البتراء ووادي رم والعقبة، التي تعتمد أساساً على السياحة الأوروبية والآسيوية المرتبطة بهذه الرحلات. وأضاف أن هذا التراجع أدى إلى إغلاق عشرات الفنادق في تلك المناطق، وتسريح مئات الموظفين، فضلاً عن الخسائر التي لحقت بالمطاعم وشركات النقل الداخلي والمنشآت المرتبطة مباشرة بالنشاط السياحي.

 

ويذكر أن شركات الطيران منخفضة التكاليف بدأت باستئناف رحلاتها إلى الأردن قادمة من أوروبا تدريجيا، حسب ما ذكر رئيس مجلس هيئة الطيران المدني في المملكة هيثم مستو. وبين أن شركة "ويز إير هنغاريا" بدأت بتشغيل رحلتين أسبوعيا إلى المملكة من العاصمة بودابست، في حين ستعود شركة ريان إير للتشغيل إلى 16 وجهة في أوروبا اعتبارا من 28 تشرين الأول المقبل، كما ستبدأ بوجهتين اعتبارا من 20 أيلول.

 

وبيّن ديه أن ارتفاع الدخل السياحي خلال موسم الصيف لم يكن مؤشراً على تعافٍ حقيقي، بل جاء نتيجة عوامل ظرفية أبرزها عودة المغتربين الأردنيين لقضاء عطلتهم في المملكة، إلى جانب السياحة العربية القادمة من السعودية وفلسطين ودول الخليج، وكذلك سياحة العبور (الترانزيت) التي استفاد منها الأردن بحكم موقعه الجغرافي. لكن هذه المؤشرات تراجعت فور انتهاء موسم العطلات وعودة المغتربين إلى أماكن عملهم، ليعود المشهد إلى حالة الركود.

وتشير البيانات الأولية الصادرة عن البنك المركزي إلى ارتفاع الدخل السياحي خلال شهر آب من عام 2025 بنسبة 2.6 بالمئة ليبلغ 932.2 مليون دولار، مقارنة مع انخفاض نسبته 0.3 بالمئة خلال ذات الشهر من العام الماضي.

 

وارتفع الدخل السياحي بنسبة 7.5 بالمئة خلال الثمانية شهور الأولى من عام 2025 ليبلغ 5.33 مليار دولار مقارنة بانخفاض نسبته 3.7 بالمئة خلال الفترة المماثلة من العام السابق.

 

ويرى ديه أن مواجهة التحديات تتطلب خطة تسويق شاملة تعيد الزخم للمنتج السياحي الأردني، خاصة مع عودة بعض رحلات الطيران منخفض التكاليف إلى مطار الملكة علياء ومطار العقبة منتصف أيلول الجاري، ما قد ينعش الحركة السياحية في موسم الشتاء. وأكد أن الفرصة قائمة إذا جرى الاستثمار الصحيح، عبر التوسع في وجهات الطيران العارض وتخفيض كلف التشغيل والضرائب، والإسراع في تشغيل مطار ماركا ليستقبل رحلات بأسعار منافسة.

 

وشدد على أهمية توفير حوافز للاستثمار في القطاع، سواء ببناء وتطوير الفنادق والمنشآت السياحية أو عبر تخفيف كلف الطاقة والمياه والضرائب، مشيراً إلى ضرورة التوجه إلى أسواق جديدة، خاصة الآسيوية مثل الصين وكوريا واليابان، عبر فتح خطوط مباشرة منخفضة التكاليف وبشراكات مع شركات عالمية، إلى جانب تسهيل منح التأشيرات واستغلال السفارات الأردنية في الخارج للترويج للمملكة.

 

ولفت ديه إلى أن السياحة تساهم بنسبة تتراوح بين 15 و16% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغل عشرات الآلاف من الأردنيين، كما تتشابك مع قطاعات حيوية أخرى مثل النقل والمطاعم والفنادق والشركات السياحية والمجتمعات المحلية. مؤكداً أن أي تراجع في هذا القطاع سينعكس مباشرة على النمو الاقتصادي وعلى مكانة الأردن كوجهة سياحية. وختم بالقول إن المملكة بحاجة لتحرك سريع لوضع خطة متكاملة تعالج التحديات وتعيد القطاع إلى مسار النمو، بما يضمن استمراره كمحرك أساسي للاقتصاد.

 

 

 

صورة الأردن في الأسواق العالمية

 

من جانبه، قال الخبير السياحي حسين هلالات إن التراجع في أعداد السياح القادمين، وخاصة إلى البحر الميت والبتراء ومادبا، يرتبط بتوترات المنطقة بدءاً من الحرب على غزة وصولاً إلى المواجهة الإسرائيلية الإيرانية التي أثرت على المجال الجوي وأدت إلى إلغاء العديد من الرحلات الجوية. موضحاً أن هذه التطورات انعكست على صورة الأردن في الأسواق العالمية، حيث جرى تصنيفه كمنطقة غير آمنة، ما دفع دولاً عدة إلى تحذير رعاياها من السفر.

 

وأضاف أن توقف الطيران منخفض التكاليف فاقم الأزمة وأدى إلى خسائر مباشرة، مع إغلاق فنادق في البحر الميت والبتراء وتسريح عمالة، لافتاً إلى أن عودة هذه الرحلات المقررة في السادس والعشرين من تشرين الأول تمثل بارقة أمل لاستعادة الحركة السياحية تدريجياً.

 

وأشار هلالات إلى أن برنامج "أردننا جنة” ساهم في تحريك السياحة المحلية جزئياً، لكنه لا يعوض غياب السياحة الأوروبية والأجنبية التي تعد العمود الفقري للقطاع. فالسياحة الداخلية تقتصر غالباً على عطلة نهاية الأسبوع ولا تمتد سوى ليلة أو ليلتين، وهو ما لا يكفي لتشغيل الفنادق والمطاعم ومحال الحرف بشكل مستدام.

 

ويرى أن المطلوب اليوم إطلاق حزم سياحية متكاملة بالتعاون بين وزارة السياحة والمكاتب السياحية وشركات الطيران، بحيث تشمل الإقامة والنقل والبرامج بأسعار منافسة لجذب السائح الأجنبي. كما دعا وزارة الخارجية إلى حملة إعلامية عبر السفارات الأردنية في الخارج والسفراء الأجانب في عمان، لإبراز صورة الأردن كبلد آمن.

 

وأكد هلالات أن إقامة مهرجانات وفعاليات كبرى في البحر الميت والبتراء ومادبا من شأنه إنعاش الحركة وإعادة الثقة بالوجهة الأردنية، مشدداً على أهمية التوجه إلى أسواق جديدة في شرق آسيا مثل الصين والهند وماليزيا وإندونيسيا، بالتوازي مع شراكات مع شركات طيران جديدة ودعم حكومي مباشر لحملات الترويج.

 

وختم بالقول إن السياحة الأردنية تملك كل المقومات التي تؤهلها للنهوض من جديد، لكنها بحاجة إلى خطة جريئة وتعاون حقيقي بين القطاعين العام والخاص لإعادة الثقة للأسواق العالمية واستعادة مكانة الأردن كوجهة رئيسية في المنطقة.