زيارة أمير قطر إلى الأردن: تحالف العزيمة في زمن الأزمات

نبض البلد -
زيارة أمير قطر إلى الأردن: تحالف العزيمة في زمن الأزمات

عماد عبدالقادر عمرو

في خضم العواصف الإقليمية والأزمات المتلاحقة، تختبر المواقف وتُكشف معادن الدول، فتتضح حقيقة من يصمد ومن يساوم. وفي هذا الإطار، تأتي زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى المملكة الأردنية الهاشمية، لتشكل محطة فارقة في مسار العلاقات الأردنية القطرية، ورسالة عربية واضحة في لحظة استثنائية من تاريخ المنطقة. تأتي هذه الزيارة في ظل استمرار العدوان الوحشي على غزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، مما يعزز أهمية الموقف الأردني الثابت في دعم الحق العربي والدفاع عن أبناء الأمة.

منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي على الدوحة ، كان الأردن في طليعة المواقف العربية. 
فقد بادر جلالة الملك عبدالله الثاني بالاتصال الهاتفي بأخيه سمو الأمير تميم، مؤكداً أن أمن قطر هو من أمن الأردن، في موقف صريح يعكس عمق الأخوة والالتزام القومي. ولم يكتف الأردن بالتصريحات، بل ترجم موقفه على أرض الواقع بإيفاد سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى الدوحة، حاملاً رسالة ملكية واضحة بأن الأردن لن يتخلى عن قطر مهما كانت الظروف والتحديات.

يثبت الموقف الأردني دائماً أنه الأوضح، وأن بوصلته ثابتة بعيدة عن حسابات الربح والخسارة، بل متجذرة في القيادة الهاشمية عندما يتعلق الأمر بالكرامة العربية. هذا الموقف امتداد لنهج ثابت في رفض سياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة. فالأردن، الذي وقف شامخاً في وجه العدوان على غزة، يقف اليوم بالصلابة نفسها أمام الأفعال العدوانية ضد قطر، رغم التهديدات المباشرة التي أطلقها وزراء حكومة نتنياهو بقطع الماء والغاز عن المملكة. لقد أثبتت عمّان أنها لا ترضخ للابتزاز، وأن كرامة الأمة وحقوقها ليست للمساومة.

وقد تجلّى هذا الموقف على الصعيدين الدولي والإقليمي، من خلال كلمة وزير الخارجية الأردني في مجلس الأمن وصولاً إلى خطاب جلالة الملك التاريخي في القمة الطارئة بالدوحة، حيث دوّى صوته صرخة الأمة في وجه العدوان، ورسالة واضحة أن الأردن لا يتراجع ولا يساوم حين يتعلق الأمر بالكرامة والأمن العربي.

ومن جهتها، تدرك قطر أن الموقف الأردني لم يكن مجرد تعبير دبلوماسي عابر، بل التزاماً صادقاً وموقفاً شجاعاً تتحمل المملكة بسببه أعباء وضغوطاً سياسية واقتصادية جسيمة. وقد أكدت قطر أن الزيارة كانت مقررة منذ شهر، إلا أن سمو الأمير تميم أصر على القيام بها في هذا التوقيت تحديداً تقديراً لجلالة الملك ومواقفه الثابتة، لتؤكد أن العلاقة بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل والثقة العميقة والمواقف المشتركة في أصعب اللحظات.

تأتي زيارة سمو الأمير تميم إلى عمّان محمّلة بكل هذه المعاني، لتفتح صفحة استراتيجية جديدة في العلاقات الأردنية القطرية، عنوانها الشراكة الصلبة وركائزها التعاون الدفاعي والأمني، التكامل الاقتصادي، والتوسع في مجالات الطاقة والتنمية. إنها ليست زيارة مجاملة بروتوكولية، بل خطوة تؤطر لتحالف عربي صادق يقوم على الموقف والمصير المشترك، ويعكس إيمان البلدين بأن أمن الأمة كل لا يتجزأ، وأن الكرامة والسيادة لا تخضعان للمساومة أو الضغوط.

وهذه دعوة لجميع الأردنيين لاستقبال ضيف الأردن الكبير، الذي رفض إلا أن يكون مع المملكة في توحيد المواقف في ظل ظروف معقدة تمر بها المنطقة، ليكون رمزاً للأخوّة والتضامن العربي الصادق.

إن هذه الزيارة تمثل منعطفاً تاريخياً في مسيرة العلاقات الأردنية القطرية وصفحة مضيئة في سجل التضامن العربي، وستكتب صفحات التاريخ أن الأردن وقطر وقفا جنباً إلى جنب في لحظة الشدة، فشكلا معاً نموذجاً للأخوة الصادقة والتحالف العربي، ورسّخا قاعدة أن الأمن العربي واحد والمصير مشترك لا يقبل التجزئة.