النصر الوطني ‏والطريق المجيد من حرب كاراباخ الثانية إلى استعادة السيادة

نبض البلد -
انطلقت شرارة ما يُعرف بـ"حرب كاراباخ الثانية" لتدخل أذربيجان مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، عنوانها التحرير واستعادة السيادة وقد شكّل اندلاع حرب كاراباخ الثانية في ذلك اليوم لحظةً فارقةً في نضال الأمة من أجل العدالة والسيادة وسلامة أراضيها. لقد عاش الشعب الأذربيجاني مأساة إنسانية عميقة نتيجة الاحتلال الأرمني ، وهي مأساة امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا، وخلّفت آثارًا اجتماعية ونفسية واقتصادية لا تُمحى بسهولة ، لقد حرم الاحتلال الأرمني مئات الآلاف من الأذربيجانيين من ديارهم، وعرّض البلاد للظلم والتهجير. وقد شنت القوات المسلحة الأذربيجانية بقيادة القائد الأعلى المنتصر الرئيس إلهام علييف،حملةً استمرت 44 يومًا، وأسفرت عنها تحرير الأراضي المحتلة. لم يكن هذا النصر العسكري نصرًا تاريخيًا في ساحة المعركة فحسب، بل كان أيضًا برهانا دامغا على الوحدة الوطنية، وصمود الشعب، وثقته العميقة بالدولة والجيش.
‏لا يزال هذا الحدث التاريخي المجيد محفور في ذاكرة الأفراد والجماعات وهو حدث مؤسس في الوعي الوطني الأذربيجاني،.فتحرير جبرائيل، وفضولي، وزنجيلان، وغوبادلي؛ ورفع العلم ثلاثي الألوان بفخر فوق جسر خدافرين؛ واستعادة مرتفعات استراتيجية حيوية. وفوق كل ذلك فإن تحرير شوشا في يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 كان رمزًا للعزيمة والبطولة ولحظة من اللحظات التي تحقق فيها حلم أذربيجان الذي لطالما طال انتظاره باستعادة قلبها التاريخي والثقافي.
‏ومع ذلك، فلم تتحقق استعادة سيادة الدولة بالكامل إلا في سبتمبر/أيلول 2023. في السنوات التي تلت الحرب، بحيث أدى استمرار وجود الجماعات المسلحة الأرمنية غير الشرعية في منطقة كاراباخ واستمرار ممارستهم للأنشطة الانفصالية إلى التسبب في تقويض حقوق أذربيجان السيادية. وردًا على ذلك، نفذت القوات المسلحة الأذربيجانية إجراءات محلية حاسمة لمكافحة الإرهاب يومي 19 و20 سبتمبر/أيلول 2023. وفي غضون 23 ساعة فقط، استسلمت القوات الانفصالية وفُككت الهياكل غير الشرعية، وتم اعادة إرساء النظام الدستوري لجمهورية أذربيجان. وأنهت هذه العملية السريعة فصلًا دام عقودًا من الاحتلال والانفصال، وقد أُعلن يوم 20 سبتمبر/أيلول يوم سيادة الدولة - وهو تاريخ ستحتفل به اذربيجان وتحييه في التقويم الوطني لأذربيجان.
‏بعد استعادة أذربيجان لسيادتها الكاملة على أراضيها ، تحول تركيز أذربيجان نحو إعادة إعمار الأراضي المحررة وإنعاشها. وقد أُطلقت عدة مشاريع إعادة إعمار ضخمة في قره باغ وشرق زانجيزور، شملت البنية التحتية والنقل والطاقة والمرافق الاجتماعية. كما ويجري حاليًا بناء طرق وسكك حديدية جديدة، وترميم لمحطات الطاقة الكهرومائية، وتشغيل مطارات لإعادة ربط المنطقة ببقية أنحاء البلاد. ويحظى برنامج "العودة الكبرى" بأهمية مماثلة، وهو برنامج مصمم لتمكين النازحين داخليًا من العودة إلى ديارهم بعد عقود من النفي القسري. ولا تمثل هذه العملية عودة فعلية فحسب، بل هي فعليا بمثابة استعادة للكرامة والهوية والذاكرة الجماعية.
‏ومع ذلك، لا تزال مشكلة الألغام الأرضية تُمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه عملية التعافي. فخلال سنوات الاحتلال، قامت القوات الأرمينية بزراعة ما يقرب من مليون لغم، وخلفت وراءها كميات هائلة من الذخائر غير المنفجرة. وتُشكل هذه التهديدات الخفية خطرًا مُميتًا على المدنيين العائدين، وعمال البناء، وفرق إزالة الألغام. ورغم استثمار أذربيجان الواسع في عمليات التطهير وتعاونها مع الشركاء الدوليين، يُتوقع أن تستغرق العملية سنوات عديدة. وللأسف، أودت انفجارات الألغام بحياة حوالي 400 مدني أو أصابتهم بجروح بالغة منذ نهاية حرب عام 2020. ويُبرز حجم هذه الأزمة الإنسانية الحاجة المُلحة للتضامن الدولي في جهود إزالة الألغام.
‏وفي غضون ذلك، واصلت أذربيجان وأرمينيا مفاوضات السلام الرامية إلى إرساء استقرار دائم في جنوب القوقاز. ويبشر تطبيع العلاقات بفرص جديدة ليس فقط للبلدين، بل للمنطقة بأسرها. وقد تحقق ذلك بتقدم ملحوظ في 8 أغسطس/آب 2025 في الولايات المتحدة، حيث توصل الزعيمان بحضور الرئيس دونالد ترامب، إلى التوصل إلى اتفاق على نص معاهدة سلام. ويُعتبر هذا التطور نقطة تحول في السياسة الإقليمية ، على نطاق واسع إذ يُرسي أسس الثقة المتبادلة والتعاون والسلام الدائم.
‏لقدحظيت قضية أذربيجان العادلة بدعم دولي متواصل، وبرزت المملكة الأردنية الهاشمية شريكًا راسخًا. ومنذ الأيام الأولى للصراع، أعربت القيادة والشعب الأردني عن دعمهما لوحدة أراضي أذربيجان. وعقب اتفاقية السلام في الولايات المتحدة، اتصل جلالة الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، شخصيًا بفخامة الرئيس إلهام علييف لتهنئته على هذا الإنجاز التاريخي ولم تؤكد هذه البادرة صداقة الأردن مع أذربيجان فحسب، بل أكدت أيضًا عن التزام موقف الأردن بالسلام والاستقرار في جنوب القوقاز. ولعل الشروع بتأسيس جمعية الصداقة الأردنية الأذربيجانية قد عكس جليا عمق العلاقات الثنائية المتنامي. وقد بعث أعضاء الجمعية برسالة تهنئة إلى الرئيس علييف، مؤكدين على أهمية اتفاقية السلام وتضامن الأردن مع تطلعات أذربيجان.
‏إن يوم 20 سبتمبر، يوم سيادة الدولة، ويوم 27 سبتمبر، يوم ذكرى شهداء حرب كاراباخ الثانية، يحتلان مكانةً مقدسةً في سجل التاريخ الوطني لجمهورية أذربيجان . حيث يُخلّد هذان التاريخان تضحيات من ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، ويحتفل الشعب الأذربيجاني بالانتصارات التي أعادت للبلاد كرامتها واستقلالها. ولعل إحياء مثل هذه الأيام على ارض المملكة الصديقة لهو مصدر فخرٍ للشعب الأذربيجاني، ورمزا لوجود روابط الصداقة والتضامن التي توحد الشعبين .
‏تقف أذربيجان اليوم كدولة استعادت كامل أراضيها وسيادتها. وتسعى إلى السلام والتعاون والتنمية كمبادئ توجيهية لسياساتها الإقليمية والدولية. وستظل الرحلة من حرب كاراباخ الثانية إلى استعادة السيادة رمزًا قويًا للصمود والوحدة والعدالة في سجلات تاريخ أذربيجان وبطولاته.