الغاز.. بديل استراتيجي لتخفيض كلفة الوقود وتقليص فاتورة الاستيراد

نبض البلد -

عقل: المشروع يهدف إلى تحويل السيارات إلى الغاز لخدمة المواطن والاقتصاد الوطني
القائمون على المشروع يضعون سلامة السائق والركاب في المقام الأول

الأنباط – عمر الخطيب

في خطوة تُعد الأولى من نوعها نحو توفير بدائل عملية للبنزين والديزل وتخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين، جاء افتتاح أول محطة تجريبية لتحويل السيارات للعمل بالغاز في الأردن.
ويُنظر إلى هذا المشروع، الذي افتتحته شركة المناصير، باعتباره تحولاً استراتيجياً في قطاعي النقل والطاقة، إذ لا يقتصر أثره على تقليل كلفة الوقود بنسبة تصل إلى 60%، بل يمتد ليشمل خفض الانبعاثات الكربونية وتوفير وفورات مالية للدولة يمكن استثمارها في مشاريع تنموية جديدة.

الأهداف الاستراتيجية للمشروع
ويرى خبير الطاقة هاشم عقل أن المشروع يسعى إلى تحويل السيارات للعمل بالغاز وتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تمس المواطن والاقتصاد الوطني على حد سواء. ولفت إلى أن التوقعات تشير إلى خفض كلفة الوقود على المواطن بنسبة تتراوح بين 40 و60%، في وقت تستهلك فيه فاتورة استيراد المشتقات النفطية نحو 15 إلى 17% من الموازنة العامة للدولة.
وبيّن عقل، عبر برنامج حصاد الأسبوع على شاشة الأنباط، أن المشروع يساهم أيضاً في تقليل الانبعاثات الكربونية، كون الغاز وقوداً صديقاً للبيئة مقارنة بالبنزين والديزل، كما أن الاعتماد على الغاز المحلي يقلل من كلفة الاستيراد ويوفر وفورات مالية يمكن توجيهها نحو مشاريع استثمارية قادرة على خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة.

جاهزية المحطات والشركات للتحويل
ورغم وضوح الجدوى الاقتصادية، بين عقل أن تطبيق المشروع ينتظر صدور التعليمات الحكومية الخاصة بترخيص الشركات المؤهلة لتنفيذ عمليات التحويل. وتشترط المعايير أن تكون السيارات المرشحة مزودة بمحرك تزيد سعته عن 1300 سي سي وألا يتجاوز عمرها سبع سنوات.
وأشار إلى أن الشركات المنفذة يفترض أن تكون مرخصة ومؤهلة فنياً وإدارياً، مع وجود كادر مدرّب بشكل متخصص، حيث خضع بعض الفنيين لدورات تدريبية في مصر. وأضاف أن عملية التحويل الفنية ليست معقدة، لكنها تتطلب مهنية عالية للحفاظ على السلامة وتجنب الأخطاء.

شروط السلامة والأمان
وأكد عقل أن القائمين على المشروع يضعون سلامة السائق والركاب في المقام الأول، وهو ما يفسر التشديد على وجود اشتراطات فنية صارمة للشركات المنفذة. وأضاف أن هذه الشركات تتحمل مسؤولية توفير ضمان يمتد حتى ثلاث سنوات بعد التحويل، إلى جانب ضرورة الاعتماد على كادر مؤهل ومدرب لتقليل نسبة الأخطاء إلى الصفر.
وأوضح أن هذه المعايير تأتي لضمان ألا تتحول الفوائد الاقتصادية إلى مخاطر أمنية أو فنية على الطريق.

الكلفة الاقتصادية للتحويل
وفيما يتعلق بالناحية الاقتصادية، أوضح عقل أن تكلفة تحويل السيارة من البنزين إلى الغاز تتراوح بين 700 و1500 دولار فقط، خلافاً للاعتقاد السائد بأنها تصل إلى 3000 دولار. وأكد أن السيارة تبقى بعد التحويل ثنائية التشغيل، أي قادرة على العمل بالبنزين والغاز معاً، وهو ما يمنح السائق مرونة وأماناً إضافيين في التنقل.
وأشار إلى أن استخدام الغاز يقلل من الحاجة إلى الصيانة الدورية بفضل انخفاض الترسبات الكربونية، فيما تكفي أسطوانة الغاز الواحدة (12 كغم) لقطع مسافة تصل إلى 260 كيلومتراً، وبكلفة أقل بكثير من البنزين.

خطط التوسع وانتشار المحطات
ويرى عقل أن مشروع المناصير يعتمد على فكرة المحطات المتنقلة كحل مبتكر لتغطية مختلف مناطق المملكة، بحيث تصل الخدمة مباشرة إلى المواطن بدلاً من انتظار إنشاء محطات ثابتة تستغرق وقتاً وتكلفة.
ولفت إلى أن التجربة تستفيد من دروس مصر، التي بدأت مشروع التحويل منذ عام 1997 لكنها لم تتمكن من تجاوز حاجز 250 ألف سيارة محولة من أصل 20 مليون، بسبب ضعف البنية التحتية وقلة المحطات. وأكد أن الأردن يُتوقع أن يبدأ التطبيق الفعلي خلال ستة أشهر من صدور التعليمات الرسمية.

إنتاج الغاز المحلي (حقل الريشة)
وأضاف عقل أن نجاح المشروع يعتمد بشكل أساسي على تعزيز إنتاج الغاز المحلي من حقل الريشة الذي ينتج حالياً نحو 20 مليون قدم مكعب يومياً يذهب معظمها لتوليد الكهرباء. وتقدّر التوقعات أن الإنتاج قد يرتفع إلى 418 مليون قدم مكعب يومياً بحلول عام 2030، وهو ما يغطي الاستهلاك المحلي البالغ 350 مليون قدم مكعب يومياً.
وأكد أن الدراسات تشير إلى أن احتياطي الحقل يتراوح بين 8 و12 تريليون متر مكعب، ما يكفي حاجة الأردن لنحو 80 عاماً. لكنه شدد على أن التحدي الأكبر يكمن في غياب البنية التحتية، إذ تحتاج الحكومة إلى استثمار نحو 300 مليون دولار لإنشاء خط أنابيب يربط الحقل بالخط العربي.

دور القطاع الخاص والشراكة مع الحكومة
وأكد عقل أن القطاع الخاص يلعب دوراً محورياً في إنجاح هذا المشروع، غير أن "رأس المال جبان" – على حد وصف خبراء الطاقة – ويحتاج إلى بيئة تشريعية محفزة وضامنة. ومن هنا، شدد على أهمية وجود شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص تقوم على توزيع الأدوار والمخاطر.
ولفت إلى أن التجربة أثبتت أن الاستثمارات المحلية قادرة على تمويل مشاريع كبرى في الأردن متى توفرت قوانين استثمار عصرية تحمي المستثمر وتضمن عائداً معقولاً.

المنافسة مع السيارات الكهربائية والهجينة
ورغم المزايا الاقتصادية للغاز، إلا أن المنافسة تتزايد مع السيارات الكهربائية والهجينة التي شهدت انتشاراً واسعاً في الأردن خلال السنوات الأخيرة. وأوضح عقل أن سائقي التطبيقات الذكية مثل "أوبر" يوفرون نحو 500 إلى 600 دينار شهرياً بفضل السيارات الكهربائية، فيما تقطع السيارات الهجينة مسافات تصل إلى 1500 كيلومتر باستخدام 30 لتراً فقط.
وبيّن أن أصحاب الشاحنات الكبيرة أو السيارات القديمة سيلجؤون إلى خيار التحويل للغاز، بينما يتجه غالبية من يغيرون سياراتهم نحو الكهرباء، ما يجعلها المرشح الأقوى لكسب الرهان مستقبلاً.

البنية التحتية المستقبلية
وبين عقل أن الأردن يواجه تحدياً مشابهاً لما واجهته السيارات الكهربائية، إذ يحتاج إنشاء محطات الغاز إلى فترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنوات. وأشار إلى أن نقص محطات شحن السيارات الكهربائية ما يزال قائماً حتى الآن، ما يؤكد أن البنية التحتية تمثل "عنق الزجاجة" لمشاريع الطاقة البديلة.
ولفت إلى أن المستوى العالمي يظهر تقدماً لافتاً في هذا المجال، حيث قطعت شركات مثل "تسلا" و"نيو" خطوات متقدمة من خلال توفير خدمة تبديل البطارية خلال ثلاث دقائق فقط، وهو ما يشير إلى أن الأردن بحاجة إلى تسريع وتيرة الاستثمار في البنية التحتية سواء للغاز أو للكهرباء لمواكبة التطورات المتسارعة.