نبض البلد - المهندس عامر الحباشنة
لعقود توالت تراكم الكثير الكثير من الوعي الزائف وحالة الإنكار وظواهر عدة ناتجة عن غياب المشروع والهوية الجامعة وهذا يعمم على المنطقة جميعا، وببطء سقطت وتلاشت الهوية الجامعة لصالح هويات الوهم التي لا يمكن أن تعيش ،وعندما قال أحدهم في سبعينات القرن الماضي عن بعض ظواهر العمل الوطني الفلسطيني بان هدف المشروع المعادي نقل الشعب من الأمل الكاذب إلى اليأس غير المبرر ،وهذا الأمر انسحب على باقي المجتمعات العربية، فأصبح الوهم المتعلق بالوطنية والوطن الواحد المتميز محطة قادت عبر خطط محكمة إلى حالة من اليأس غير المفهوم ،ولذلك عندما غاب المشروع الكبير لصالح المشاريع الصغيرة ووصل الحال لما هو فيه، أصبح من السهل فهم ما يحصل الأن من حالة انفصام وتناحر ،انفصام عن الواقع وتناحر على الفشل ،
نعم ،مراجعة بسيطة لما يحدث توضح ذاك، بالأمس وأثناء التناحر بين أبناء الشعب الواحد في سوريا وتعدد المواقف بين ما هو مرتبط بهذا الطرف او ذاك وبين من يستقوي على نفسه بالخارج وعودة مرحلة الطوائف الأندلسية قبل قرون ،بالأمس لفت انتباهي مقطع فيديو يختصر الكثير، شاب سوري وقد لا يكون لكنه على الأرض السورية مسلحا وكأن يواجه في جبهات القتال ،هذا الشاب يواجه رجلا اعزلا على درج عماره في موقع ما في محافظة السويداء ،وهذا المواطن يتعرض لسؤال واحد تعتمد حياته على اجابته ،يسأل الشاب المقاتل ،انت درزي وإلا سني ،فيجيب المواطن سوري يا خي، سوري ،وخي لم تكفي الشاب المقاتل وأصر على السؤال وكرر، ليأتي صوت زميله المقاتل بأنه درزي ،وتنهمل الرصاصات على المواطن ويقتل لعدم قدرته على الإجابة الصحيحة في الزمان والمكان الصحيح.
لسنا هنا لندين القاتل ولا المقتول فكلاهما ضحية هذه المرحلة وضحية تراكمات طويله من التزييف والقطع مع الماضي والإصرار على استحضار النقاط السوداء في التاريخ ،كلاهما ضحية التوجيه والتوجه الذي دمر المنطقة عراقيا وسوريا ولبنانيا وفلسطينيا وعلى كافة المساحات في هذا الشرق المتعب يماضيه والذي يتعرض للتقسيم والتفتيت مرة بإسم الوطن وأخرى باسم القومية ومرة بإسم الدين والان بإسم الطوائف.
وما حدث في سوريا يمكن أن يحدث في اي مكان والسودان واليمن مثال والانقسام في الحركة الوطنية في فلسطين مثال اخر.
هذا التشخيص الخطير لما يحدث في مرحلة نقل الشعوب من حالة الدولة الجامعة لحالة القبيلة والطائفة والحركة والحزبية المفرقة. لتصبح الحالة العامة مزيج من الوعي والوهم المزيف والفوضى الخلاقة ،وأي بل وكل محاولات اغماض الأعين عما يحصل من تجريف للوعي والهوية الوطنية والقومية والدينية الجامعة ،سيكون نتاجه ما نراه اليوم وما سنراه في قادم الأيام.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.