حاتم النعيمات
في عام 2018 اقترحت حكومة الدكتور هاني الملقي تعديلات مهمة على قانون ضريبة الدخل وُصفت من قبل خبراء بأنها كانت تطبيقًا حقيقيًا لمبدأ التصاعدية في الضريبة (التصاعدية تعني ببساطة أن من يكسب أكثر يدفع ضريبة أكثر). وعلى أثر ذلك تحرّك الشارع وضغط إلى أن استقالت الحكومة في مشهدٍ يثير الكثير من التساؤلات. فالجديد في تلك الاحتجاجات هو أن معظم من قاموا عليها كانوا من طبقة الموظفين متوسطي الدخول والطبقة الوسطى وليس الطبقة الفقيرة، حيث تشكلت هذه التظاهرات من تجمعات صغيرة لشبان وشابات يخلطون الإنجليزية بالعربية ويرتدون ثيابًا أنيقة وسط تجهيزات ترفيهية مُكلفة على وقع ألحان غربية وكأنها سهرات سمر أو احتفاليات وليست مظاهرات!. لقد كان شكل الاحتجاج مخالفًا للسائد خلال تلك الفترة، أي أن هناك عنصرًا جديدًا تسلل إلى حراك الشارع ثم اختفى ولم يظهر بعد ذلك أبدًا.
قانون الضريبة الذي اقتُرح آنذاك كان يمس "مراكز قوى اقتصادية ومالية" بشكل مباشر، والمفارقة أنه لم يكن ليؤثر على "معظم" متقاضي الرواتب في البلاد، وقد علمت بعدها أن هذه المراكز حرّضت بشكل أو بآخر مجاميع موظفيها والعاملين لديها والمستفيدين منها على الاحتجاج ضد قانون الضريبة. وقد عبّر الدكتور هاني الملقي عن هذا كله في لقاء متلفز تم بثه لاحقًا.
مناسبة الحديث هو أن هناك تناظرية بين وضع حكومة الملقي والحكومة الحالية التي تقوم بإصلاحات عميقة قد تمس مراكز قوى اقتصادية: فإصلاح النقل العام (بالأخص من المحافظات للعاصمة) يمس سوق السيارات وشركات النقل الخاص، وتحسين أوضاع المعلمين وبناء المدارس يعني أن جاذبية التعليم الحكومي ستعود يومًا ما وتنافس الخاص، وتخفيض الضريبة على المركبات سيؤدي إلى انخفاض قيمة قروض شرائها... والأمثلة كثيرة في قطاعات كالصحة والإدارة المحلية والتي حظيت بمتابعات ميدانية مباشرة من الرئيس.
من الطبيعي في أي دولة أن يستفيد القطاع الخاص من قصور الخدمات الحكومية في العديد من المجالات، لذلك لا غرابة في تكون قوى ترفض الإصلاحات بطريقة أو بأخرى.
خلال الأسبوع الفائت تعرّضت الحكومة لانتقادات لاذعة على أثر تصريحات وُصفت بالجدلية لعدد من المسؤولين، ونشأت على أثر ذلك حملات إعلامية وإلكترونية ضد تلك التصريحات، وانحرفت بعض هذه الحملات إلى الشخصنة أولًا وإلى نسف إنجازات هؤلاء المسؤولين ثانيًا. الفكرة ليست الدفاع عن المسؤولين ولا عن الحكومة بل هي مجرد قراءة في منظومة تتكون من متضررين من النهج الإصلاحي للحكومة يحركون مجاميع من غير المعنيين لصالحهم.
وأقول حملة لأن هناك من يحاول أن يستغل حالة الصراحة التي تحدث بها المسؤولون لنسف كل مل تقوم به الحكومة ولاستعادة بعض الخراب الذي يحقق الأرباح. وهنا لا أتحدث عن الحق المكفول في إبداء الرأي فيما يصدر عن الشخصيات العامة، بل عن شعور بأن هناك من ضخّم التصريحات وبالغ بها رغم أنها تقع بين الصراحة وزلة اللسان لإيقاف عملية الإصلاح التي تتبناها حكومة حسان وبدأنا نلمس نتائجها.
المطالبة بالإصلاح تعني الإقرار بالخلل، والدفاع عن حكومة إصلاحية يعني اثقال كاهلها بالمسؤولية ولا يعني أبدًا إعطائها شيك على بياض؛ فنحن ما زلنا بحاجة إلى الكثير من الإصلاحات في العديد من القطاعات، فلدينا مشاكل في قطاعات حساسة كالنقل والتعليم والصحة والإدارة المحلية والطاقة، والمفترض أن ندعم دائمًا أي جهد يسعى لإصلاح هذه القطاعات بالذات، وحكومة حسان تقوم بذلك من وجهة نظري، لذلك فإن خلق الأزمات دون مبرر لن يخدمنا بقدر ما سيخدم المتضررين من هذه الإصلاحات، والتاريخ القريب يشهد على ذلك.