نبض البلد - د. حازم قشوع
تقوم مبادرة نوثق من أجل توثيق المسيرة الملكية واستحضار الإرث الأردني ضمن جغرافية المكان، وتسليط الضوء على المنجزات الوطنية في المناحي الأمنية والتنموية، كما تسعى رسالتها من أجل مزج الهوية الملكية بالهوية الوطنية لتشكل قدسية مرجعية للحالة الوطنية، وذلك عبر تسليط الضوء على المنجزات الوطنية لتعزيز ثقافة الانتماء الوطني والولاء الملكي، ومن أجل تعزيز حالة الاعتزاز الوطني عبر المحتوى التاريخي والمكنون الحضاري الذي تقف عليه أردن الرسالة، كما يسعى برنامجها التنفيذي على تحويل المكتوب إلى منطوق ومرئي مشاهد بأسلوب تقني يقوم على الصناعة المعرفية بوسائلها الحديثة، وهذا ما يجعل من مبادرة نوثق تقوم على توثيق المنجز وبيان المنجزات عبر السيرة الهاشمية ومسيرة الإنجازات الوطنية وآلة استحضار جغرافية المكان في بيان جملة العبارة الوطنية.
ولعل رابط العلاقة التي تربط الوطن بالوطنية والمواطنة، هو ذات الرابط الذي يربط الإنسان بالمناحي التشخيصية للوطن حيث السيرة الملكية الهاشمية ومسيرة الإنجازات الوطنية وجغرافية المكان بإرثه التليد، فإن هذه المعطيات الرئيسية من شأنها بيان قيم الولاء والانتماء التي من شأنها أن تولد حالة تجريدية تعبر عنها مناخات الحالة الوطنية ومضمونها، وهي الحالة التي تقوم عليها منهجية وقيم المواطنة عند تحويل الإنسان في المجتمع من ساكن إلى مواطن، لتتكون عبر محصلة ثقافة عنوانها الولاء والانتماء، حيث تحول هذه المنظومة الفرد من حامل عضوية دولة إلى مواطن بالدولة، تلك هي الثقافة الوطنية التي تجعل من الوطن يسكن بداخل المرء كما يسكن المرء بداخله، وتجعل من الإنسان متعلقًا بحواضنه حيث إرثه التليد وحواضره الماثلة بسيرة الدولة ومسيرة إنجازاتها والتي تعنونها بيئته وثقافته محتواه، وهي الرسالة التي تسعى المجتمعات لبناء محتواها عبر حالة وطنية وقومية تقوم على منهجية المواطنة الإنتاجية وبرنامج للثقافة الوطنية، حيث يستحضر فيها الوطن تاريخه ومحتواه الحضاري عبر منطوق جغرافية المكان كما يقوم بالتماهي مع بيئته ومحتواه عبر سيرة الدولة الهاشمية ومسيرة الإنجازات الوطنية.
وهو برنامج عمل واسع يحتوي على تفاصيل عديدة، يقوم على "فكرة استحضار تاريخ تواصل الإنسان واتصاله بعمقه الحضاري التليد ببيان شواهد جغرافية المكان كما ينهل منهجه من السيرة الهاشمية ورسالتها وتزداد صلابتها إرادة من مسيرة النجاحات الوطنية"، وهذا ما يمكن تحقيقه عبر برنامج شامل يمكن تنفيذه في حيز الواقع من خلال إطلاق برنامج "وثق لنحقق"، الذي كنت بينت أهميته في كتابي الذي يحمل عنوان "شرعية الإنجاز والحياة السياسية"، لما لهذا البرنامج من أهمية في إغناء الثقافة الوطنية عبر استحضار جغرافية المكان على الوقوف على محتواه الوطني، وهذا ما يتطلب وضع استراتيجية عمل خاصة لهذا الجانب لأهميته الوطنية في بيان منهجية المواطنة وجغرافية المكان بمنطوق الشواهد الجغرافية والتاريخية، ولما يحمله من أهمية وطنية ترسخ معاني الانتماء والولاء، مع تحويل المكتوب إلى منطوق ومرئي باستخدام وسائل التواصل الحديث والعصري ببيان الهلغرافيك وتوثيقها عبر برنامج البودكاست وتقديمها عبر الاتصال العصري الحديث.
ولأن استراتيجيات العمل الذاتية غالبًا ما تتأثر بالظروف الموضوعية التي في الغالب الأعم تكون أكثر تأثيرًا من العوامل الذاتية نتيجة بواقع قوة تأثيرها على الواقع العام، فإن رفع مستوى تأثيرها يتطلب بناء روافع توعوية ثقافية داعمة حتى تكون العوامل الذاتية قادرة على ردع الظروف الموضوعية، وعاملة على تحصين المحتويات الذاتية بما يجعلها لا تؤثر سلبًا على استراتيجيات العمل التنموية، وتخفيف ثقل أبعاد تكيفها مع الظروف الإقليمية التي ما فتئت تحدث أثرًا عكسيًا على الحالة التنموية بسبب إرهاصات الجوانب المحيطة.
فإن العمل على تحقيق حالة منعة مجتمعية يتطلب إقران هذه الاستراتيجيات التنموية بأخرى ثقافية تقوم على تحصين المحتوى الثقافي وتحصين محتواه، حتى لا تبقى الخطط التنموية عرضة للتعديل أو التجميد لبيان مناحي التأقلم مع اشتداد رياح التغيير واستمرار منحنيات التغير، التي تجلبها المناخات الإقليمية أو الدولية لشدة تأثيرها على النظم الاستراتيجية بشكلها العام، كما على ناتج خططها بالنواحي الإصلاحية والتنموية، كما في الجوانب المالية أو الاقتصادية أو الإدارية أو حتى السياسية، هذا لأن استراتيجية العمل الثقافي تقوم على إحقاق مناعة شاملة للعامل الذاتي بما يمكنه من التصدي لهذه التحديات مهما حملت إسقاطاتها من رواسب وترسبات.وذلك لما تحويه المنزلة الثقافية من جذور عميقة غائرة بالموروث الثقافي، وعاملة على ربط هذا المخزون بالثقافة الوطنية، ليكون وطنيًّا لدرجة العقائدية من خلال ربط الأدبيات الحضارية والمسلكيات الاجتماعية والبيئة المجتمعية بالحاضنة الوطنية، وهي العوامل الخمس التي تشكل جذورها الثقافة الوطنية بما يمكنها من إحداث حالة استجابة مجتمعية في معادلة التكوين المستهدفة، حيث يتم تكوين الأثر الطبيعي وتعميق التأثير البشري بالبصمة الوطنية، التي بدورها تقود المسارات الوطنية لتوثيق العلاقة المجتمعية بين الإنسان والأرض والمجتمع حيث محتوى الدولة والوطن، والتي تتشكل منها درجة الانتماء المستهدفة وتُعزَّز عبر مناخاتها قيم الولاء للنظام والانتماء للوطن عبر الإطار الناظم لمسلكيات الدولة ومؤسساتها التي تستند لمفاهيم العناية والرعاية والحماية والحوكمة الرشيدة.
ولأن أركان الولاء والانتماء تتشكل من قيم المواطنة، وتعاظم منزلة الوطنية عبرها فإن تعظيم قيمها ومبادئها يأتي عبر تعزيز حركة المجتمع والثقافة الوطنية، بما يجعله أكثر منعة ومنعًا من التأثر بالظروف الموضوعية، فإن بيان جملة تنفيذية بالثقافة الوطنية ستجعل الدولة أكثر حصانة من التأثر بإسقاطات الظروف المحيطة، لاسيما وأن استراتيجية الثقافة الوطنية تتأثر بالتحديات بشكل طردي، على عكس ما تتأثر به الاستراتيجية التنموية، فكلما كبرت التحديات على المجتمع عظمت معها وسائل الإبداع الثقافي وتعززت معها روح التضحية والفداء، وهي الأرضية التي تجعل من ظروف إغناء قيم المواطنة والوطنية أمرًا ضروريًّا، كما تنفيذ استراتيجية للثقافة الوطنية أمر ضروري، وهو ما يُعوَّل عليه البيان بشحذ الهمم وإغناء مستويات الإرادة تجاه الوصول للهدف المنشود أو في تحقيق منجز يُراد تحقيقه، من هنا تأتي درجة الاهتمام بروافد الثقافة الوطنية ومساراتها.
ولأن الاستراتيجية الثقافية بحاجة لبيان رؤية وتحديد رسالة ووضع آليات وتأطير عناوين ووضع سياسات وبرامج تأثير، فإن بيان أهدافها أمر واجب بالتعريف كما العمل لبلورة استراتيجية ثقافية يستدعي بيان المفاهيم الوطنية وتوضيح عناوينها وشرح أدبياتها وتأطير مساراتها، ووضع برامجها في الأطر التوجيهية الإعلامية كما في المناهج الفنية والأدبية، حتى تنسجم المنطلقات المركزية للمواطنة مع روافد العمل المتنوعة ضمن أدوات عمل قادرة على تحقيق عناصر الاستجابة، ويتم عبرها بناء حواضن التأثير وإظهار عناوين الأثر من الناحية العملية، وهذا ما يمكن إنجازه بواسطة تفاعلية مبادرة وتفاعلية مناعية تشكل في المحصلة حالة ضمنية فاعلة ومتفاعلة.
ذلك لأن رؤية العمل بهذا المقام تقوم على صياغة النموذج الثقافي للخصوصية المجتمعية، على أن يأتي ذلك وفق معادلة مركزية تقوم على المنطلقات الحضارية للمجتمع، كما على طريقة الاستشراف الموصولة للبيئة الحاضنة، وهذا ما يسهم ببيان استكشاف للإبداع واستدراك الحركة الاجتماعية من أجل تحقيق درجة التطلع المنشودة، على أن يتم ذلك ضمن جملة خبرية تحدث العلامة الفارقة لسمات المجتمع، فإن العمل على بلورة ذلك يتطلب تكوين دلالة مباشرة يُكَوِّنها مزيج المواطنة الذي يتشكل برنامج عمله من رؤية المجتمع الثقافية ويَبين محتواها من ناتج سماته الحضارية، وهذا بحاجة لفتح أبواب الحوار لإطلاق الرؤية الاستراتيجية الثقافية للمجتمع، والتي يجب أن تبدأ باستنباط رؤيتها من المحتوى الفكري لجلالة الملك عبدالله الذي يندرج تحت عنوان "نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل".
أما ما يتعلق في الرسالة ومحتواها، فإنه من المفترض أن تحوي هذه الرسالة على ناتج المحتوى من واقع هضم حركة المجتمع الفكرية والأدبية والموروثة السلوكية والمنهجية السياسية منها، من أجل تكوين رسالتها لتهضم بالمحصلة جميع هذه المركبات وتقوم على تأطيرها بإطار الاستهدافات المرجوة والتطلعات المنشودة، بحيث تقوم هذه الرسالة على توضيح مسارات العمل وجوانبها ضمن محددات مباشرة يمكن استنباط فحواها من مضامين الأوراق الملكية.
حتى ينطلق المجتمع الأردني من إيمان راسخ بالله، ويهدف إلى تجسيد تطلعات الإنسان والأرض هوية وانتماء في ظل المجتمع المدني وضوابط سيادة القانون، ومن أجل تعظيم قيم العدالة وتكافؤ الفرص، ومن أجل ترسيخ النهج الديمقراطي التعددي الذي يحفظ قيم المواطنة، ومن أجل تجسيد المفاهيم الإدارية باللامركزية والحكم المحلي، ومن أجل تحقيق أطر الاقتصاد الإنتاجي، ومن أجل إيجاد بيئة أفضل للتعليم والتعلم والمعرفة، وذلك ضمن رسالة وطنية بناءة معرفية تضيف للعمل الإنساني وعلومه المعرفية إضافات تثريه وروافد علوم تغنيه وتحقق له المنفعة عبر نماذج المعرفة.
وهي الرسائل الخمس التي احتوتها الأوراق الملكية، حيث يمكنها تجسيد رؤية جلالة الملك بالكيفية التي تمكننا من بناء مضمون المجتمع الأفضل أو المتقدم، وهذا ما يمكنه من تشكيل الجزء الثاني من الرؤية التي حملت عنوان "نحو أردن أفضل"، فيما تقوم رسالة المجتمع تجاه الإنسانية لتحمل رسالة الأردن للبشرية جمعاء، عندما حملت ذات العنوان نحو المجتمع المعرفي بقيمه وعطائه الإنساني، وهما ما يشكلان معًا كامل الرؤية "نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل".
وهي الرسالة التي يمكنها تشكيل الكور الأساس في بناء محتوى ثقافي وازن يمكن الاتكاء عليه في بناء استراتيجية ثقافية للدولة الأردنية، تقوم على شرعية الإنجاز بما يجعلها قادرة على تعظيم حركة المجتمع عبر تطوير وسائلها وتصميم نماذج عملها بما يجعلها قادرة على توظيف السياسات العامة للدولة بجوانبها وأنظمتها لتثري بالمحصلة حركة المجتمع الثقافية والأدبية، كما يجعلها قادرة على تكوين سمة منهجية وقيمية تميز الأردن عن بقية المجتمعات، لتضيف على قيم التسامح ونهج الأمان سمات أخرى تميزه ويمتاز بها.
إن العمل على تصميم نماذج عمل ثقافية عبر تسليط الضوء على النشاطات الثقافية وقصص النجاح في المجتمع باعتبارها علامة فارقة تميز الأردنيين بثقافتهم وعلومهم وأدبياتهم وموروثهم الحضاري التليد، يعتبر من النماذج المهمة التي من شأنها أن ترفع من سمو حملة راية الضاد وعنوان رسالتها، باعتبار ذلك من الركائز الأساسية التي تسهم في بناء الثقافة الوطنية، وكذلك في مسألة إظهار سمة المجتمع الأردني بعناوينه، تعتبر أيضًا من الصفات الأساسية التي تقوم عليها ثقافة التعايش السلمي والتسامح الأخلاقي والمعرفي، لما تقف عليه سمات المجتمع الأردني من كرم وجود وحسن خلق وعظمة منزلة، وهي أيضًا بحاجة لبرنامج عمل متمم يتم صهره عبر المحتويات الإعلامية والثقافية التي تُظهر معاني الترفع عن الصغائر التي يقف عليها المجتمع الأردني بعاداته الموروثة من سمو أخلاقه وحسن التربية، إضافة لثقافة المعرفة وموروثها المعرفي وعنوانها الأدبي المؤصل لجذوره العريقة، وهو ما يمكن اعتباره أحد القيم الرئيسية التي يمكن تجسيدها عبر وردة الأرجوان وعمق مكنون السوسنة على ما تحمله من أسرار مكنون جغرافية المكان، هذا إضافة لمسألة تسليط الضوء على نماذج النجاحات المجتمعية ومؤسساتنا الوطنية بعراقة التاج الملكي الذي يجسد عنوانه مؤسسة الديوان الملكي والمؤسسات البرلمانية والحكومية والقضائية، باعتبارها تشكل أحد الروافد الرئيسية لشرعية الإنجاز.
منهجية الأمان تعتبر أحد السمات الرئيسية للمجتمع الأردني، كونها تمزج بين الأمن والحرية، فإن العمل على تجسيد ذلك عبر "مساحة للحريات" يُعبر عن مناخات الحرية التي يتمتع بها شعبنا في التعبير والحركة في النشر والبيان، كما في المحافظة على الرأي الآخر عبر أجواء التعددية لتُظهر حالة الديمقراطية، فإن المحافظة على مناخات الاستقرار كانت دائمًا تشكل العامل الأبرز في تشكيل معاني الأمان من واقع تسليط الضوء عليها وعلى روافعها، باعتبارها تشكل أحد أهم أركان العمل الثقافي المنهجي للدولة الأردنية، وهو باب يعد من الأبواب التي يستدعي الاهتمام بها عند بيان استراتيجية العمل هذه.
أما عن الأمن ورسالته، والتي شكلت علامته علامة ميزت المجتمع الأردني عن غيره في كل المحطات، فإن نماذج الأمن العديدة التي باتت محط تقدير عالمي في مجالات الدفاع والوقاية والاستدراك والاحتراز، تتطلب رفدها بحواضن ثقافية توسع من حواضنها الشعبية، سيما وقد غدت بمضمونها تشكل علامة فارقة للدولة الأردنية، لما تقوم عليه في حفظ المنجزات وما تبينه ضوابطها الأربعة "الردعية والاحترازية والحافزية والوازعية" من بيان في الجوهر والمضمون، كونها برهنت نجاحها على كافة المستويات وأخذت تشكل درجة امتياز وعنوان تميز.
ولعل استراتيجية العمل هذه أخذت تستوجب تضمينها خطة تنفيذية أخرى تُبرز قصص نجاحات الأردن عبر ما قدمته الدولة من نماذج وقاية في حرب الإرهاب ومقاومة الوباء، وما قدمته من منهجية حرفية جعلت من رسالة الأمن عند الأردنيين تكون أُمثولة أممية ومضرب أمثال بين المجتمعات الدولية، نتيجة نماذج العمل التي قدمها الأردن في الحرب على الإرهاب والوباء، وما قامت به أيضًا تجاه حفظ السلم الإقليمي والسلام الدولي بالأفكار والميدان، وهو ما جعل من برنامج العمل التثقيفي والثقافي أمرًا هامًّا، كونه سيقوم بتسليط الضوء على هذا المحتوى باعتباره جزءًا من شرعية الإنجاز المستهدفة.
وفي إطار آليات العمل التي يمكن توظيفها لإحقاق حالة موضوعية تستند للعملية بالتقدير والمهنية بالأداء، فإن آليات عملها تقوم على أسس تراعي البيئة المجتمعية الحاضنة لإحداث الأثر وظروف ومناخات التأثير، بحيث يتم اختيار الآليات وملاءمة ميزان التقدير، بحيث يتم تحديد آليات العمل لبناء النظم المركزية للعمل بما تحمله من عناوين توعوية وما تتضمنه من مرجعيات توجيهية وإرشادية بناءة أو إصلاحية، هذا إضافة لاختيار الوسيلة الملائمة للتعاطي وإطلاق المبادرات مهما حملت من عناوين، بالطرق المباشرة أو اتخذت من مسارات عبر الطرق غير المباشرة في بيان وسائلها لتحقيق أهدافها التقليدية منها أو الاجتماعية.
وهذا يتطلب دراسة محتوى الرسالة ونوعية البيئة المستهدفة وتحديد توقيتات الإرسال، إضافة لمسألة اختيار فريق عمل الإرسال، على أن يتم ذلك بمهنية متناهية وحسب الوصف الوظيفي المعد لهذه الغاية، فإن مقتضيات العمل التثقيفية بحاجة إلى مراكز إرسال (مهنية منهجية وفكرية)، بحيث تقوم بإيجاد حالة يُستثمر عبرها كُتّاب الرأي والمسرح والمسلسلات التلفزيونية والبرامج الوثائقية لبيان مضمون المحتوى من على قاعدة "المواطنة وجغرافية المكان"، بما تحويه من أماكن تاريخية تُبينها شواهد الجغرافيا وتميزها عبق الأصالة وموروثها الحضاري العميق، وذلك عبر تسليط الضوء على الشخصيات التاريخية الوطنية، والقضايا المجتمعية التي تشكل مفاهيم مجتمعية جامعة، فيها من الأصالة والحضارة كما فيها من الحداثة والمعرفة، وهذا يأتي وفق نسق مجتمعي جامع تُرسخ فيه الهوية الأردنية الوطنية الجامعة، لما لذلك من أهمية في إغناء الموروث الثقافي والأدبي عند الإنسان الأردني.
ومن هنا تأتي أهمية إيجاد صندوق للإبداع السينمائي والمسرحي والفني بشكل عام، بحيث يعمل على اكتشاف المواهب الأردنية وإعادة تأهيلها بنظم احترافية، والعمل على تدريب كوادرها من أجل صناعة معرفية تقوم على صناعة الفن والسينما، وتعمل على الاهتمام بالمسرح والسينما الأردنية والمسلسلات الأردنية والنماذج الفنية المتنوعة، لكونها تشكل المناخات الإيجابية بإغناء روافع رسالة الإنجاز الوطني وشرعيته، فإن الظروف الإنتاجية بحاجة دائمًا إلى مناخات عمل مشجعة ومحفزة تقوم على بلورة بيئة صحية للعمل كما بقية مسارات الإنجاز، لا سيما في المسارات الديمقراطية والمدنية واللامركزية والتعليمية، كما في نماذج العمل للاقتصاد الإنتاجي.
أما السياسات التي يمكن اتباعها، فإنها تقوم على مزج النظم الحافزة بالنظم الوازعة، وذلك لاعتبارات تقديرية لها علاقة بطبيعة البيئة الفنية وآلية عملها، باعتبارها الأداة الموصلة للرسالة والمشكلة لدوائر التأثير، وهذا يتطلب تشكيل نماذج عمل تُدار في البداية من خلال منصات مركزية، حيث تتكون هذه المنصات من خلال هيئة استشارية تحوي خبرات تقنية عربية ودولية في الإخراج والتأليف وكتابة السيناريو واللوجستية المتممة، حتى يتم تشكيل منظومة عمل مهنية للأعمال الفنية كما المسرحية والسينمائية من على أرضية نصوص توجيهية وتوعوية تهتم في معالجة القضايا المجتمعية، وهذا بحاجة إلى إيجاد جوائز سنوية للإبداع والابتكار والإغناء الفني والتقني في المجال الفني والسينمائي، إضافة إلى أهمية توحيد مرجعيات العمل في إطار هيئة مستقلة تقوم على وضع استراتيجيات العمل ولا تتأثر بعوامل تغيير السياسات بتغير الوزارات، أما برامج التأثير وتحقيق الأثر، فإنها تقوم على اختيار نوعية الوسيلة المناسبة للرسالة والصيغة التي يمكن تقديمها عبر برنامج يطلق الرسالة ويتابع وصولها ويقيم مقدار تأثيرها في حيز الواقع وبيان عمق الاستجابة المجتمعية الناشئة، وذلك ضمن برنامج التقييم والتغذية الراجعة لغايات التصويب وإعادة البناء.
إن العمل على تقديم هذه الاستراتيجية وإيجاد الخطط التنفيذية لتحقيقها ضمن جدول زمني معلوم، سيعمل على إعادة الزخم للمنتج المعرفي في الصناعة السينمائية والفن والكتابة، سيؤدي كذلك إلى تبديد المناخات السلبية في المجتمع أينما وُجدت، والتخفيف من مقدار التركيز على الحالة السياسية، وتسليط الضوء على قضايا مجتمعية يمكن معالجتها بطرق توعوية وإرشادية دون توجيه وجاهي، لكن عبر معالجة تجسيدية تتضمن برامج واضحة، تُحاكي الواقع بموضوعية وتقوم على بناء مناخات اجتماعية تلفظ التطرف والانتقاد والتشكيك والاتهام، وتحتضن الرأي الآخر كما الرأي المعارض بإيجابية مناخات التعددية.
ولأن المرحلة الاستثنائية التي تشهدها المنطقة بحاجة إلى تعزيز مناخات المناعة الثقافية والوطنية والتثقيفية الوقائية، حتى يُصان عبرها الفضاء المجتمعي بما يجعله محافظًا على حالة الفكر الفردي مع اشتداد الرياح الإقليمية الفوق قُطرية، بما تحمله من أتربة مسمومة وأجواء من التشكيك والاتهامية تستهدف خلخلة مصدات الرأي واختراق نسيج الوحدة الوطنية والمجتمعية، وتقودها لحالات هدامة تحمل مآرب معلومة ومقروءة سياسية وجيوسياسية، نتيجة تبدل موازين القوى وتغيير التوجهات العامة بدل مراكز الاستقطاب الإقليمي.
فإن التصدي لهذه الأجواء وظروف تكوينها بحاجة إلى مصدات وطنية وثقافية، لا تقوم أنظمتها على تغذية الهويات الفرعية كونها محببة لهذه الأتربة الفيروسية، بل تعمل على إعلاء مكانة الهوية الأردنية الجامعة وتعظيم جوانب العلاقة الدستورية التي تمزج ما بين الشرعية الملكية التي جاءت مع الخيمة الهاشمية برسالتها الفكرية وأوتادها التاريخية والدينية والثورية مع الشرعية الشعبية، حيث الهوية الوطنية للحواضن الشعبية وبيت القرار النيابي، بما يجعل هذا المزيج يمزج بين القرارات الرأسية والحواضن الأفقية، ويعمل هذا المزيج بقيادة رائدة على تحقيق مكانة شرعية الإنجاز التي يسعى لتحقيق أركانها الملك عبد الله في المملكة الرابعة، وهذا ما بيّنه كتابي "شرعية الإنجاز والحياة السياسية".
ومن هنا تأتي أهمية إطلاق مبادرة نوثق (نوثق لنحقق)، بهذه المرحلة، تُعنى بالفكر والنهج والمحتوى، وتقوم آليات عملها على إغناء المحتوى الإعلامي بالرسائل الفكرية والمنهجية وتعظيم دور الرسالة الإعلامية وكيفية إطلاقها، وتمكين دور المنصات التوجيهية للوصول إلى الآلية الملائمة لتحقيق التأثير الأوسع في دوائر الاستهداف، فإن العمل على تعزيز مناخات الثقة وتقديم توجهات الرأي بطريقة نمطية رسمية بالندوات والمؤتمرات واللقاءات الوجاهية، بات بحاجة إلى إعادة بناء في ظل الظروف السائدة وإسقاطاتها، من هنا جاءت مبادرة نوثق لاتباع وسائل معرفية وفنية في تقديم الرسالة ومحتواها وطرق علاجها.
هي الوسيلة التي تجدها مبادرة نوثق الأفضل في تعزيز المحتوى الثقافي، لإيجاد مناخات إيجابية تسهم في تشكيل مناخات اجتماعية أكثر تفاعلية، إضافة إلى أن هذه الاستراتيجية ستعمل على إيجاد أرضية ملائمة لإطلاق صناعة معرفية وفنية عامة، والتي تعتبر أحد روافع العمل الداعمة لحركة الاقتصاد الإنتاجي في إطار الرؤية الاستراتيجية للثقافة الوطنية التي تحمل عنوان "نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل"، لذا كان هذا الاجتهاد بتقديم أرضية عمل من أجل بناء استراتيجية للثقافة الوطنية، بما يجعلها تجيب عن الأسئلة وتُبين مسارات البناء ضمن جملة ثقافية سياسية تنهي جدلية المواطنة وتُبين ثقافة محتوى الوطنية عبر جغرافية المكان، وتُبين سيرة النظام الهاشمي وهوية ومسيرة الدولة وهوية محتواها بقصة نجاحات تُبين عظيم محتواها.