نبض البلد - خليل النظامي
أربعة عقود من المواجهة غير المعلنة، امتدت من دهاليز الاستخبارات إلى ميادين الحرب بـ الوكالة، وظل الصراع بين إيران و"إسرائيل" استثناء صاخبا يخاض بهدوء ويدار في العتمة.. من صفقات الأسلحة السرية إلى هجمات إلكترونية لا توقيت لها، حرب لم تكن تنكر، لكنها لم تعلن.
اليوم، أوراق اللعبة تحترق علنا، فـ بعد "طوفان الأقصى"، دخلت المنطقة طورا جديدا من التصعيد طويت فيه صفحة الغموض، وبدأت معركة الظهور المباشر.
صواريخ إيرانية تطلق من عمق الأراضي، وغارات إسرائيلية تطال منشآت نووية، وتدخل أمريكي عسكري لأول مرة ضد طهران منذ الثورة الأولى.
مشهد يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية، ويطرح السؤال الذي يحاول العالم تجاهله والمتمثل بـ،هل نحن أمام بروفة لحرب إقليمية كبرى قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط..؟
في هذا التحقيق، نغوص في جذور هذا الصراع المركب، نستعرض كيف تحول من تعاون استخباراتي في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، إلى عداوة وجودية في عصر آية الله الخميني، ثم إلى مواجهة مفتوحة على امتداد الجبهات.. من غزة إلى الجولان، ومن "نطنز" إلى تل أبيب.
نعتمد على تحليلات ومصادر موثوقة لـ رسم صورة شاملة لـ الصراع، بوجوهه النووية والسيبرانية والسياسية، ونكشف في فصوله كيف أصبح هذا النزاع أخطر من مجرد صراع بين دولتين، بل صراعا بين عقيدتين، أو بين مشروعين، أو بين سرديتين متنافرتين على مستقبل المنطقة العربية والاسلامية.
من الظل إلى العلن
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تحولت العلاقات بين طهران وتل أبيب من تحالف ظرفي إلى خصومة وجودية عميقة، إذ أن الصراع الذي بدأ كـ عداء أيديولوجي، تطور إلى حرب متعددة الأوجه شملت حروب بـ الوكالة، وهجمات سيبرانية واغتيالات، وضربات جوية دقيقة، كل ذلك دون إعلان حرب رسمي.
ومع دخول الصراع مرحلة جديدة بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، باتت المواجهة المباشرة واقعا لا مفر منه، وهذا ما يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة العربية، إن كنا على أعتاب حرب إقليمية شاملة، أم أن الصراع سيظل محصورا في إطار الاستنزاف الاستراتيجي والعسكري؟
جذور الصراع.. من التحالف إلى القطيعة
قبل عام 1979، كانت إيران تحت حكم الشاه حليفا وثيقا لـ الكيان الصهيوني، إذ زودتها بـ النفط وتعاونت معها استخباراتيا ضد خصوم مشتركين مثل العراق ومصر.
وشمل هذا التعاون دعما غير مباشر لـ المشروع النووي الإيراني الأول في الستينيات ضمن خطة أمريكية إقليمية، إلاّ أن الثورة الإسلامية بـ قيادة الخميني قلبت المعادلة، وأصبحت "إسرائيل" في الخطاب الإيراني "الكيان الغاصب"، وطرحت فكرة تحرير القدس ضمن أهداف الثورة ما عمل على تأسيس سياسة العداء العقائدي، وتصدر عنوان "إسرائيل يجب أن تزول من الوجود" الذي أعلنه الخميني في عام 1981 عناوين الشارع الإيراني آنذاك.
حروب الوكالة الأولى
بعد ذلك، بدأت إيران بـ بناء شبكات نفوذها عبر دعم الفصائل الفلسطينية منذ الثمانينيات، إذ دعمت طهران حركة الجهاد الإسلامي، ثم حركة حماس بعد الانتفاضة الأولى عام 1987 من خلال توفير التدريب والسلاح والمال.
وتزامن مع ذلك تأسيس حزب الله الذي أنشأه الحرس الثوري الإيراني في لبنان عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي لـ بيروت، وأصبح بـ مثابة رأس الحربة في مواجهة الكيان الصهيوني "إسرائيل"، وكانت حرب تموز عام 1993 أو ما يعرف بـ عناقيد الغضب عام 1996 أولى المواجهات الكبرى المدعومة من إيران.
الى ذلك، عززت طهران نفوذها الاستراتيجي خلال حقبة التسعينيات في فلسطين وسوريا، مستغلة الأخيرة كـ بوابة وممر آمن لـ دعم حزب الله والفصائل الفلسطينية في لبنان وفلسطين.
ووفقا لـ مؤشرات الواقع السياسي والعسكري فقد كانت حرب تموز 2006 أول مواجهة مفتوحة بين الكيان "إسرائيل" وحزب الله المدعوم بالكامل من إيران والممثل لها، ما اعتبرت نقطة تحول بعد أن عزز انسحاب جيش الإحتلال من جنوب لبنان عام 2000 تمدد حزب الله، وعرف آنذاك أنه نصرا إيرانيا ولكن بطريقة غير مباشرة، الأمر الذي أسس لـ نمط الصراع بـ الوكالة كثقافة عسكرية جديدة.
حروب الظل (2007 -2020).. النووي الهدف
بعد أن كشفت "إسرائيل" منشآت إيرانية نووية سرية في منطقتي "نطنز" و "أراك" عام 2002، بات ملف المشروع النووي الإيراني التهديد الأكبر في كبد العقيدة الأمنية الإسرائيلية، الأمر الذي استجابت له "إسرائيل" سريعا من خلال توجيه مجموعة من الهجمات السيبرانية والإغتيالات، والتي كان من أبرزها؛ هجوم (Stuxnet) المعروف بـ السلاح الإلكتروني والذي دمر أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي في "نطنز"، وكان أداة تمهيد لـ مرحلة جديدة من الحروب الرقمية.
إضافة الى مجموعة من الاغتيالات لـ عدد من العلماء النوويين نفذها الموساد "الإسرائيلي" بين عامي 2010 و 2014، أمثال مصطفى أحمدي روشن، وداريوش رضائي نجاد، ولاحقا محسن فخري زاده.
سوريا.. ساحة المواجهة الجديدة
ومع اندلاع ما يسمى ب الثورة السورية عام 2011، استغلت إيران الوضع آنذاك لـ بناء قواعد عسكرية ومخازن أسلحة، الأمر الذي أشعل فتيل الحرقة عند الإسرائيليين ما جعل جيش الإحتلال ينفذ نحو 150 غارة جوية بين عامي 2016 و 2020 استهدفت مواقع وثكنات لـ الحرس الثوري الإيراني ومخازن عدة لـ الصواريخ في منطقتي دمشق والبوكمال.
ومنذ 2019 شهد البحر الأحمر والخليج العربي عدة هجمات متبادلة على ناقلات نفط وسفن شحن مرتبطة بـ الطرفين الإيراني والإسرائيلي، دون إعلام رسمي بذلك، إضافة الى أن "اسرائيل" قامت بـ اختراق منظومات إيرانية مثل مطار "مهراباد" في 2018 على طريقة الحرب الإلكترونية، بينما ردت إيران بهجمات على بنى تحتية إسرائيلية كان أبرزها محطات المياه في عام 2020.
التحول الكبير (2021 - 2024)
كشفت معركة "سيف القدس" في 2021 اللثام عن حقيقة الدعم الإيراني المقدم لـ حركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث استخدمت فصائل المقاومة صواريخ وتقنيات متطورة، الأمر الذي عكس نقلة نوعية في القدرات العسكرية، ثم تبعها في 2023 العملية الأشهر التي عرفت بـ إسم "طوفان الأقصى" أو السابع من أكتوبر والتي شكلت نقطة تحول كبيرة، إذ أظهرت تنسيقا غير مسبوق بين الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران، وهو الأمر الذي ردت عليه "إسرائيل" بحملات عسكرية واسعة في قطاع غزة، مصحوبة بـ غارات على أهداف إيرانية في لبنان وسوريا.
الى ذلك، كانت المواجهة المباشرة بين الطرفين في عام 2024، عندما قامت إيران بـ أول هجوم مباشر بـ الصواريخ والمسيرات على مدن إسرائيلية، ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق من قبل "إسرائيل"، ثم قامت الأخيرة بـ ضربات موجهة على أهداف في منطقة أصفهان، معلنين بذلك دخول الصراع وتحوله الى منحنى اخر وجديد.
التصعيد الأخير وتدخل واشنطن
شهد الصراع الإيراني الإسرائيلي تصعيدا غير مسبوق بعد أن شن الاحتلال سلسلة غارات جوية، بدأت في 12 حزيران الشهر الحالي، استهدفت منشآت نووية إيرانية في "نطنز" و "أصفهان" و "وفوردو"، إلى جانب اغتيال قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين أمثال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، والرئيس السابق لـ هيئة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي.
4 / 5
الإسرائيليون أطلقوا على هذه العملية اسم "الأسد الصاعد"، والتي هدفت على حد تصريحاتهم إلى تدمير قدرات إيران النووية، على اعتبارها تهديدا وجوديا، وهو ما أثار الحرس الثوري الإيراني الذي رد بدوره بـ إطلاق أكثر من 500 صاروخ ومئات الطائرات
المسيرة على تل أبيب وحيفا وعكا وباقي المدن الاسرائيلية، ما أسفر عن مقتل نحو 30 شخصا وإصابة المئات وهدم العديد من الأبراج والمباني والمنشآت الحكومية والصناعية والامنية.
لأول مرة.. التدخل الأمريكي
وفي فجر 22 حزيران، دخلت الولايات المتحدة بـ شكل مباشر في الصراع لـ اول مرة في تاريخها ضد إيران، حيث قامت بــ تنفيذ عدة ضربات جوية على ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية شملت "فوردو"، و "نطنز"، و "أصفهان".
العملية التي أُطلق عليها اسم "مطرقة منتصف الليل"، شارك فيها 125 طائرة أمريكية، إضافة الى سبع قاذفات (B-2) أسقطت 14 قنبلة (GBU-57)، وزن الواحدة منها 30,000 رطل، بهدف القضاء على (فوردو) المحصن في أعماق الجبال.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن لاحقا أن الضربات الأمريكية دمرت بـ الكامل قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم، إلاّ أن وكالة الاستخبارات الأمريكية "السي أي ايه" كان لها رأي مخالف وأكدت في تقريرها أن الأضرار ربما أخرت البرنامج النووي بضعة أشهر فقط، خاصة أن السلطات الإيرانية كانت قد نقلت معظم مخزونات اليورانيوم المخصب قبل الهجوم الأمريكي.
ووفقا لـ التقارير المعلنة التي أوضحت أن (فوردو) منشأة نووية تحت الأرض بـ القرب من قم، صممت لـ تخصيب اليورانيوم بما يصل إلى (2,976) جهاز طرد مركزي، وأضافت التقارير أن الضربات الأمريكية تركت ست فوهات كبيرة، لكن الوكالة الدولية لـ الطاقة الذرية أفادت بـ عدم وجود أضرار كبيرة تحت الأرض.
أما بـ النسبة لـ "نطنز" الذي يعتبر أكبر مركز لـ تخصيب اليورانيوم في إيران، وتضم قاعات تحت الأرض وفوقها، فقد أشارت ذات التقارير أنه تم تدمير المرافق السطحية بـ الكامل جراء الغارات الإسرائيلية الأولى، بينما تسببت الضربات في أضرار بـ البنية التحتية الكهربائية، ما أدى الى تعطل أجهزة الطرد المركزي فيه.
الى ذلك، اشارت التقارير أن المرافق المتخصصة بـ تحويل اليورانيوم الى معدن في "أصفهان" الذي يضم مركزا لـ الأبحاث النووية ومنشأة لتحويل اليورانيوم قد تضررت، إلاّ أنه لم يتم رصد أو التبليغ عن تدميره بشكل كامل.
حين يكسر جدار الظل
لقد عبر الصراع الإيراني الإسرائيلي كل الخطوط الرمادية، متحولا من حرب ظل طويلة، إلى مواجهة مباشرة تدار في العلن، وتخاض على أرض مفتوحة، وفي سماء مشبعة بـ الطائرات المسيرة، تنقل قنوات تلفزيونية لحظة بـ لحظة ما كان يوما يدار خلف الكواليس.
ومنذ عام 1979، حين قطعت طهران علاقتها بتل أبيب بعد انتصار الثورة الإسلامية، بدأت عملية بناء معادلة صدام وجودي لا يشبه بقية الصراعات، عداء لا يقاس فقط بـ عدد الصواريخ والاغتيالات، بل بـ عمق الرواية العقائدية والسياسية التي تبناها
الطرفان، فـ أصبحت "إسرائيل" في الخطاب الإيراني كيانا لا يجب التفاوض معه ويجب زواله، بينما ترى تل أبيب في طهران تهديدا نوويا يتجاوز الحدود ويمتد إلى عمق أمنها القومي.
إلاّ أن اللحظة الفارقة كانت في أكتوبر 2023، مع "طوفان الأقصى"، حيث انكسرت معادلة الحرب بـ الوكالة، وبدأت إشارات التصعيد المباشر، ثم جاء التدخل الأمريكي العسكري في يونيو 2025، ليضع الحرب على مسار مختلف، كأنه يحاكي سيناريوهات أفلام الكوارث لا نشرات الأخبار، ويبعث بـ رسالة خطيرة مفادها أن الشرق الأوسط قد لا يعود كما كان.
في هذه المواجهة، لم تعد الجغرافيا سيدة المسرح، فـ الصراع يمتد من طهران إلى تل أبيب، ومن الميدان إلى منصات التواصل، حيث تخاض حرب الرواية والشرعية، وتسعى كل جهة إلى أن تعرف العدالة من زاويتها.
النتيجة...!!!!!
منطقة على فوهة بركان، فـ كل المعطيات تشير إلى أن ما بعد عام 2025 لن يكون امتدادا لـ الماضي، بل سيكون فصلا جديدا كتب بـ الحبر الساخن لـ المعارك والدم.
و السؤال لم يعد، من انتصر..؟ بل أصبح من بقي واقفا..؟ وما الثمن الذي دفع..؟
هذه ليست حربا بين دولتين، بل بين رؤيتين لـ العالم، ورغبتين متنافستين على السيطرة على شرق أوسط جديد، وفي غياب صوت العقل، وانكماش أدوات التفاوض، تبقى المنطقة رهينة معادلة اللاسلم واللاحرب، فـ عندما تكسر قواعد الحرب القديمة لا يولد السلام، بل تبدأ فوضى جديدة تحتاج إلى سنوات لفهمها، وقرون لتجاوزها.
الإسرائيليون أطلقوا على هذه العملية اسم "الأسد الصاعد"، والتي هدفت على حد تصريحاتهم إلى تدمير قدرات إيران النووية، على اعتبارها تهديدا وجوديا، وهو ما أثار الحرس الثوري الإيراني الذي رد بدوره بـ إطلاق أكثر من 500 صاروخ ومئات الطائرات
المسيرة على تل أبيب وحيفا وعكا وباقي المدن الاسرائيلية، ما أسفر عن مقتل نحو 30 شخصا وإصابة المئات وهدم العديد من الأبراج والمباني والمنشآت الحكومية والصناعية والامنية.
لأول مرة.. التدخل الأمريكي
وفي فجر 22 حزيران، دخلت الولايات المتحدة بـ شكل مباشر في الصراع لـ اول مرة في تاريخها ضد إيران، حيث قامت بــ تنفيذ عدة ضربات جوية على ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية شملت "فوردو"، و "نطنز"، و "أصفهان".
العملية التي أُطلق عليها اسم "مطرقة منتصف الليل"، شارك فيها 125 طائرة أمريكية، إضافة الى سبع قاذفات (B-2) أسقطت 14 قنبلة (GBU-57)، وزن الواحدة منها 30,000 رطل، بهدف القضاء على (فوردو) المحصن في أعماق الجبال.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن لاحقا أن الضربات الأمريكية دمرت بـ الكامل قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم، إلاّ أن وكالة الاستخبارات الأمريكية "السي أي ايه" كان لها رأي مخالف وأكدت في تقريرها أن الأضرار ربما أخرت البرنامج النووي بضعة أشهر فقط، خاصة أن السلطات الإيرانية كانت قد نقلت معظم مخزونات اليورانيوم المخصب قبل الهجوم الأمريكي.
ووفقا لـ التقارير المعلنة التي أوضحت أن (فوردو) منشأة نووية تحت الأرض بـ القرب من قم، صممت لـ تخصيب اليورانيوم بما يصل إلى (2,976) جهاز طرد مركزي، وأضافت التقارير أن الضربات الأمريكية تركت ست فوهات كبيرة، لكن الوكالة الدولية لـ الطاقة الذرية أفادت بـ عدم وجود أضرار كبيرة تحت الأرض.
أما بـ النسبة لـ "نطنز" الذي يعتبر أكبر مركز لـ تخصيب اليورانيوم في إيران، وتضم قاعات تحت الأرض وفوقها، فقد أشارت ذات التقارير أنه تم تدمير المرافق السطحية بـ الكامل جراء الغارات الإسرائيلية الأولى، بينما تسببت الضربات في أضرار بـ البنية التحتية الكهربائية، ما أدى الى تعطل أجهزة الطرد المركزي فيه.
الى ذلك، اشارت التقارير أن المرافق المتخصصة بـ تحويل اليورانيوم الى معدن في "أصفهان" الذي يضم مركزا لـ الأبحاث النووية ومنشأة لتحويل اليورانيوم قد تضررت، إلاّ أنه لم يتم رصد أو التبليغ عن تدميره بشكل كامل.
حين يكسر جدار الظل
لقد عبر الصراع الإيراني الإسرائيلي كل الخطوط الرمادية، متحولا من حرب ظل طويلة، إلى مواجهة مباشرة تدار في العلن، وتخاض على أرض مفتوحة، وفي سماء مشبعة بـ الطائرات المسيرة، تنقل قنوات تلفزيونية لحظة بـ لحظة ما كان يوما يدار خلف الكواليس.
ومنذ عام 1979، حين قطعت طهران علاقتها بتل أبيب بعد انتصار الثورة الإسلامية، بدأت عملية بناء معادلة صدام وجودي لا يشبه بقية الصراعات، عداء لا يقاس فقط بـ عدد الصواريخ والاغتيالات، بل بـ عمق الرواية العقائدية والسياسية التي تبناها
الطرفان، فـ أصبحت "إسرائيل" في الخطاب الإيراني كيانا لا يجب التفاوض معه ويجب زواله، بينما ترى تل أبيب في طهران تهديدا نوويا يتجاوز الحدود ويمتد إلى عمق أمنها القومي.
إلاّ أن اللحظة الفارقة كانت في أكتوبر 2023، مع "طوفان الأقصى"، حيث انكسرت معادلة الحرب بـ الوكالة، وبدأت إشارات التصعيد المباشر، ثم جاء التدخل الأمريكي العسكري في يونيو 2025، ليضع الحرب على مسار مختلف، كأنه يحاكي سيناريوهات أفلام الكوارث لا نشرات الأخبار، ويبعث بـ رسالة خطيرة مفادها أن الشرق الأوسط قد لا يعود كما كان.
في هذه المواجهة، لم تعد الجغرافيا سيدة المسرح، فـ الصراع يمتد من طهران إلى تل أبيب، ومن الميدان إلى منصات التواصل، حيث تخاض حرب الرواية والشرعية، وتسعى كل جهة إلى أن تعرف العدالة من زاويتها.
النتيجة...!!!!!
منطقة على فوهة بركان، فـ كل المعطيات تشير إلى أن ما بعد عام 2025 لن يكون امتدادا لـ الماضي، بل سيكون فصلا جديدا كتب بـ الحبر الساخن لـ المعارك والدم.
و السؤال لم يعد، من انتصر..؟ بل أصبح من بقي واقفا..؟ وما الثمن الذي دفع..؟
هذه ليست حربا بين دولتين، بل بين رؤيتين لـ العالم، ورغبتين متنافستين على السيطرة على شرق أوسط جديد، وفي غياب صوت العقل، وانكماش أدوات التفاوض، تبقى المنطقة رهينة معادلة اللاسلم واللاحرب، فـ عندما تكسر قواعد الحرب القديمة لا يولد السلام، بل تبدأ فوضى جديدة تحتاج إلى سنوات لفهمها، وقرون لتجاوزها.