الابتكار لا يحتاج إذنًا… فقط قرارًا!

نبض البلد -
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
في كل مرة نظن أن العالم قد وصل إلى أقصى درجات التقدّم، يظهر عقل مجنون أو جريء أو ملهم ليقلب كل ما نعرفه. من أين جاء هؤلاء؟ من سمح لهم بإعادة تعريف القواعد؟ من منحهم الأذن ليبتكروا؟ الإجابة ببساطة: لا أحد. لأن الابتكار لا يحتاج إذنًا… بل يحتاج قرارًا!
الابتكار لا يولد في الاجتماعات الرسمية، ولا في قاعات الانتظار الطويلة، ولا في لجان الموافقات المملة. الابتكار يولد في العقول التي تجرؤ، في القلوب التي تحلم، وفي الأيادي التي تتّسخ لتصنع شيئًا من لا شيء. لا يأتي الابتكار من الخوف، بل من الجراة. لا ينبثق من التردّد، بل من الحسم.
في عالم اليوم، أصبح التغيير أسرع من الصوت، وأصبحت الجرأة على التجريب أهم من كل الشهادات المعلّقة على الجدران. الشركات الكبرى لم تبدأ عملاقة، بل كانت فكرة على ورقة، أو حلمًا في مرآب قديم. لم ينتظر ستيف جوبز إذنًا ليخترع، ولم ينتظر إيلون ماسك موافقة ليحلم بالصعود إلى المريخ. قرروا… فقط قرروا. والباقي أصبح تاريخًا يُكتب في الكتب.
وفي العالم العربي، وبين جدران جامعاته، وفي شوارع مدنه، وفي بيوت شبابه، هناك ملايين من العقول القادرة على الابتكار، لكنّها تنتظر الإذن! تنتظر أن يقول أحدهم: "الآن يُسمح لك أن تحلم.” لكن لا أحد سيعطيك هذا الإذن، لأنك ببساطة لا تحتاجه.
أنت لا تحتاج إلى تمويل ضخم لتبدأ. تحتاج إلى فكرة ناضجة، وإرادة فولاذية، وشغف لا يهدأ. لا تحتاج إلى انتظار موافقة الجميع، بل تحتاج أن تكون أول المؤمنين بنفسك. أن تؤمن أنك قادر، حتى وإن شكّك العالم كله فيك. الابتكار ليس حكرًا على العباقرة، بل هو نتاج أولئك الذين رفضوا أن يستسلموا للروتين، وكسروا القالب بدلًا من الانسجام معه.
انظر من حولك، كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي شكل الحياة، وكيف تعيد حواسيب الكم رسم ملامح المستقبل. كل هذه القفزات لم تبدأ بإمكانيات خارقة، بل بقرار جريء من شخص واحد أراد أن يرى العالم بشكل مختلف. والأردن، هذا البلد الحبيب، بشبابه الطموح، وجامعاته المتناثرة في كل محافظة، يملك من الإمكانات ما يكفي ليكون مركزًا إقليميًا للابتكار. فقط لو تحررنا من عقلية الإذن، واعتنقنا ثقافة القرار.
هل تنتظر موافقة من أجل البدء بمشروعك؟ لا تفعل. هل تنتظر دعمًا ماليًا قبل أن تطوّر فكرتك؟ لا تنتظر. هل تنتظر فرصة ذهبية لتثبت نفسك؟ اصنعها بنفسك. الحياة لا تُمنح، بل تُنتزع، والمستقبل لا يُكتب إلا بأيدي من يملكون الجرأة على الخطوة الأولى.
المدهش في الابتكار أنه يبدأ صغيرًا، لكنه لا يعرف التوقف. فكرة صغيرة تجرّ أخرى، وقرار شجاع يفتح أبوابًا لم تكن موجودة من قبل. والذين ينتظرون الإذن يضيعون العمر في الانتظار، بينما الذين يقرّرون يصنعون واقعًا جديدًا.
فيا شباب الأردن، ويا شباب الوطن العربي… لا تنتظروا أن يأذن لكم أحد بالحلم، ولا أن يصفّق لكم قبل أن تبدؤوا. أنتم الأمل. أنتم الطاقة. أنتم من سيُدهش العالم، لا حين يسمح لكم، بل حين تقررون أن تفعلوا. لا تجعلوا الخوف يقودكم، ولا التردد يعرقلكم. خذوا القرار… وابتكروا.
لأن في النهاية، المجتمعات لا تنهض بالنسخ واللصق، بل بالابتكار والجرأة. والتاريخ لا يخلّد من سار خلف الصفوف، بل من تجرأ أن يكتب السطر الأول.
فهل ستأذن لنفسك أن تبدأ؟ أم ستنتظر إذنًا قد لا يأتي؟