بقلم: المهندس سعيد المصري
توازن الخسائر وترجيح كفة النظام في طهران
رغم الخسائر
الفادحة التي تكبدتها إيران خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، سواء على مستوى المواقع
النووية أو البنية التحتية العسكرية والمدنية، فإن وقف إطلاق النار الذي أُعلن في صباح
٢٤ يونيو ٢٠٢٥ شكّل، في ميزان المكاسب الاستراتيجية، فرصة ذهبية للنظام الإيراني لالتقاط
الأنفاس ومنع تحول الهزيمة العسكرية إلى انهيار داخلي شامل.
صحيح أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية ألحقت ضررًا ملموسًا بإسرائيل، إلا أن الأثر
الأعمق كان معنوياً، إذ هزت هذه الضربات صورة الردع الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن المعادلة
لا يمكن حسمها بالأثر النفسي وحده، بل بالنتائج الميدانية والسياسية التي أنتجها هذا
الصراع وانتهى بها إلى وقف النار.
تفادي السيناريو الليبي الإيراني
استمرار
العمليات الإسرائيلية، في ظل السيطرة الجوية الكاملة، كان سيمنح تل أبيب الوقت لتصفية
ما تبقى من بنى تحتية إيرانية حيوية. وهذا لم يكن ليقتصر على أهداف عسكرية، بل سيمتد
على الأرجح إلى منشآت أمنية وإدارية وخدمية، بما يهدد بإحداث شلل في الدولة وتفكك مؤسساتها.
في ظل التنوع الإثني والمذهبي داخل إيران، فإن أي فراغ أمني أو تفكك سلطوي كان سيُستغل
من قبل خصوم طهران، لإثارة اضطرابات داخلية واسعة قد تتطور إلى شكل من أشكال الحرب
الأهلية، على غرار ما شهدته ليبيا بعد انهيار الدولة المركزية. وقف إطلاق النار حال
دون هذا المسار الكارثي، ومكّن النظام من الحفاظ على الحد الأدنى من تماسكه الداخلي.
كبح جماح إسرائيل تحت ضغوط أميركية
القرار الأميركي بفرض وقف إطلاق النار على إسرائيل لم يكن بدافع التعاطف مع إيران، بل نابعًا من إدراك خطورة انزلاق المنطقة إلى فوضى شاملة في حال تمادت إسرائيل في تنفيذ خططها غير المعلنة. كانت واشنطن تخشى أن تؤدي الفوضى الإيرانية إلى تهديد مباشر لاستقرار دول الجوار، لا سيما العراق والخليج، وهو ما لا تحتمله المصالح الأميركية في هذه المرحلة.
منع التصعيد الإقليمي وضمان بقاء علاقات الجوار
من أبرز
المكاسب التي جناها النظام الإيراني من وقف إطلاق النار، هو تفادي اتخاذ خطوة الرد
المباشر على القواعد الأميركية في دول الجوار. لو حدث ذلك، لتحولت الأزمة من مواجهة
إيرانية–إسرائيلية إلى صراع مفتوح مع الولايات المتحدة، ولتعرضت علاقات إيران الإقليمية
لضربة قاصمة.
أما الآن، فإن إيران تحتفظ بقنوات تواصل فاعلة مع معظم دول الجوار، ما يتيح لها العودة
إلى طاولة العلاقات الثنائية من موقع أقل عزلة، خصوصًا وأن أغلب دول المنطقة لا ترغب
في رؤية إيران منهارة أو فوضوية.
فرصة لإعادة البناء الداخلي واستعادة التماسك الشعبي
يمنح
وقف إطلاق النار للنظام الإيراني مساحة للتحرك داخليًا. فالشارع الإيراني، الذي التف
في البداية حول القيادة تحت ضغط العدوان الخارجي، بدأ يشعر بثقل الأعباء اليومية والتدمير
الواسع. ولا سبيل أمام النظام للحفاظ على هذا الالتفاف الشعبي سوى بالبدء الفوري في
إعادة الإعمار وتحسين الظروف المعيشية.
إن العودة إلى الحياة الطبيعية ليست رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار الداخل
الإيراني، والحد من قدرة الخصوم على اختراق النسيج المجتمعي.
كبح طموحات الهيمنة والتأسيس لانخراط إقليمي عقلاني
من المرجح أن تشكل هذه الجولة نقطة تحول في استراتيجية إيران الخارجية. إذ يدرك النظام الآن أن الاستمرار في نهج التوسع الإقليمي دون حدود، وتبني سرديات الهيمنة الفارسية، بات يهدد وجوده الداخلي. وقف إطلاق النار يفتح الباب أمام تحولات أكثر عقلانية، تقوم على تعزيز دور إيران كدولة إقليمية مسؤولة بدلاً من كونها مصدر تهديد دائم لجيرانها.
خلاصة المشهد: المكاسب رغم الجراح
لم تنتصر إيران عسكريًا، لكنها نجت من سيناريو الانهيار. فبوقف إطلاق النار، حافظ النظام الإيراني على بقاء الدولة، ومنع تفكك المجتمع، وأبقى على مساحة للعودة التدريجية إلى المسرح السياسي الإقليمي والدولي، ولو من بوابة الإنقاذ بعد الكارثة. هذا وحده كافٍ ليجعل وقف إطلاق النار – برغم قسوته – مكسبًا إستراتيجيًا للنظام في طهران.