نبض البلد -
حاتم النعيمات
لا يختلف اثنان على أن إسرائيل كيان محتل يغتصب أرض شعبٍ أصيل ويرتكب الجريمة تلو الجريمة بحقه، وهذا طبيعي أن يحدث من قبل كيان وُلد على يد احتلالين؛ التركي الذي سمح بهجرة اليهود وأعطاهم الضوء الأخضر لشراء الأصول الفلسطينية. والبريطاني الذي أسس على حساب أصحاب الأرض كيان الدولة الإسرائيلية. وطبيعي أيضًا من كيان يلعب اليوم دور القاعدة المتقدمة للهيمنة الأمريكية حيث يتم بشكل دوري ضرب توازن المنطقة لأجل بقائه كقوة متقدّمة ضامنة للمصالح الأمريكية.
ما ذكر أعلاه بديهي ومعروف، والنتائج التي ترتبت عليه منذ 1948 معروفة أيضًا، فتبعات هذا الاحتلال حفرت في النفس العربية الكثير من النّدب على جميع المستويات السياسية والاجتماعية، وترتبت على ضفافه الكثير من الأحداث والمؤامرات، ونال الأردن قسطًا كبيرًا من هذا الضرر ما زلنا نتأثر به وندفع ثمنه ديموغرافيًا وسياسيًا واجتماعيًا.
هذه المقدمة جاءت لإغلاق الباب أمام الأحادية الفجرية التي لا تفهم سوى لغة من هو ليس معي فهو ضدي، وهي تمهيدٌ للتعليق على ظاهرة مزعجة تمثلت في ازدراء مصالح الأردن والمخاطر التي تواجهه؛ فقد ظهر جليًا أن هناك من يرغب باستمرار مرور مقذوفات إيران من فوق رؤوسنا ظنًا منه أنها ذاهبة لتحرير فلسطين بالفعل، وليس للدفاع عن الذات الإيرانية المجروحة، وهذا -بالمناسبة- مظهر من سلسلة مظاهر الرغبة بطحن هذا البلد لأجل المشاريع الخارجية؛ فهل يُعقل أن يبتهج البعض بتعرُّض بلدنا ومواطنيه للخطر لأجل شهوة أيدولوجية لا ترى الواقع والتغيرات الجديدة؟ وهل يمكن أن يستمر هذا البعض بتحميلنا مسؤولية تقاعسه عن واجباته اتجاه قضاياه واعتبارنا مجبرين على حمل وزرها بالنيابة عنه؟ وكمحصلة، إلى متى سنتسامح مع الفكر الذي يريد الأردن ساحة وخزان بشري لأجل قضية شهدت تاريخًا متخمًا بالفشل والإنحرافات وإهمالًا واضحًا وانقسامًا كارثيًا على يد من أدارها؟
الأردن متضرر من حركة المقذوفات الإيرانية، لنتفق على هذه الحقيقة، فقد سقط عدد كبير منها على الأرض الأردنية وتسببت بأضرار فعلية، دعك من أن حركتها أصبحت تعطّل جزءًا من الاقتصاد بشكل عام والاستثمار والسياحة بشكل خاص، لذلك كله، فمن السيء أن يفرح البعض لحركتها في أجوائنا مهما كان، فالأصل أن يكون أمن وسلامة البلاد والمواطنين أهم من أي شيء آخر.
القوات المسلحة الأردنية وضّحت مشكورة بما لا يدع مجالًا للشك كيف يتم التعامل مع هذه الأجسام التي تدخل مجالنا الجوي، حيث أكدت أن هناك عدم دقة عالية في حركتها، وبينت أن الموضوع ليس بالبساطة التي يتحدث بها البعض، وفي طيات هذا التوضيح كان هناك رسالة مفادها أن اعتراض هذه الأجسام يتم بناءً على تقدير مسارها وخطورتها، أي أن هناك انتقائية "علمية تقنية" في التعامل معها، وهذا يعني بالضرورة أن هناك مقذوفات "تترك ولا يتم اعتراضها"، وفي ذلك إثبات قاطع للجميع أننا لا ندافع عن أحد بل عن سلامة وطن بُني بالدم والتعب والتضحية.
يجب توقف هذه المزاودات، ولتُلجم بعض الألسنة والأقلام عنها، لأنها ببساطة تعطي ذخيرة للحملات الإعلامية التي تشن ضدنا منذ سنوات، فالقائمين على هذه الحملات يجدون في تفاعل البعض معها نجاحًا لأفعالهم، وفرصة لزيادة وتيرة الهجوم.
ما نتعرّض له عبارة عن أذى مادي واقتصادي وسياسي وليس لعبة عابرة، والحاجة اليوم أصبحت مُلحة لضبط هذه الفضاءات التي يسودها الخطاب الهدّام والتخويني ليكون لدينا جيل يؤمن بالدولة وشرعيتها ومشروعها البنائي؛ فظروف المنطقة المتوقعة لن تتسامح أبدًا بأي خلل في علاقة المواطنين بدولتهم وقيادتهم. وإذا لم ندافع عن الأردن في مثل هذا الظرف فمتى سندافع عنه؟