سوريا بين نيران الحرب الإيرانية الإسرائيلية وفرص الاستفادة السياسية: خريطة التحوّل الإقليمي

نبض البلد -

إعداد: نعمت الخورة

تتواصل الحرب بين إسرائيل وإيران على نحوٍ مباشر ومركّز، ضمن نطاقٍ جغرافي لا يزال محصورًا بين أراضي الطرفين، دون توسّع إقليمي حتى اللحظة.

لكن في خلفية هذا التصعيد المتسارع، تبرز سوريا كدولة خرجت رسميًا من عباءة التحالف مع طهران، وأعادت تموضعها في المشهد الإقليمي، مدفوعةً بحكومة جديدة تؤمن بالحياد السيادي.

هذه الحكومة أعلنت انتهاء وجود الميليشيات الإيرانية على أراضيها بالكامل، وأكدت أن ما تبقى ليس سوى خلايا نائمة محدودة التأثير وتحت السيطرة.

وفي هذه اللحظة المفصلية، تتحرك أطراف دولية، من بينها وسطاء خليجيون وأوروبيون، لتسهيل اتفاق بين سوريا وإسرائيل، يشبه "اتفاقات أبراهام”، بهدف تحييد الجنوب السوري كليًا من أي تهديد أمني، وضمان استقرار الحدود الشرقية لإسرائيل.

التقرير التالي يرصد تداعيات الحرب على سوريا، ومستقبل العلاقة مع إيران، وفرص دمشق في إعادة التموقع الإقليمي والاستفادة من ضعف النظام الإيراني.

أولًا: تداعيات الحرب الإيرانية– الإسرائيلية

رغم أن سوريا ليست طرفًا مباشرًا في الحرب الجارية، إلا أنها الدولة الأهم في محيط النزاع، والأكثر تأثرا وتأثيرًا فيه من حيث البنية الجغرافية والسياسية.

1 . الاستقرار النسبي مقابل الخطر المحتمل: بخروج القوات والميليشيات الإيرانية بشكل كامل، تحوّلت سوريا إلى بيئة محايدة سياسيًا في الصراع الإيراني–الإسرائيلي.

لكن هذا لا يعني أنها محصّنة كليًا من التداعيات، فإسرائيل لا تزال تتعامل بحذر مع وجود بعض الخلايا النائمة التابعة لطهران في سوريا، وتنفذ ضربات متفرقة بدواعي "الوقاية الاستباقية”، خصوصًا في ريف دمشق، والسويداء، ودرعا. هذه الضربات وإن كانت محدودة، تُشكّل تحديًا أمام الحكومة السورية، كونها تعرّض السيادة للاختراق، وتضغط على مؤسسات الدولة الأمنية لتفكيك أي بؤر محتملة بشكل كامل.

2 . مشاريع الإعمار بين الزخم الدولي والحذر الميداني:

رغم تصاعد الحرب الإقليمية، فإن دول الخليج وأوروبا لا تُبدي أي تردّد في دعم سوريا، بل هناك اهتمام واضح بالاستثمار في الدولة التي تخلّصت من الوصاية الإيرانية.

وتتجه الأنظار إلى مشاريع إعادة إعمار البنية التحتية، بدعم خليجي مشروط بالاستقرار الأمني. واستثمارات أوروبية في مجالات الطاقة المتجددة، والزراعة، والتعليم التقني. كما ان هناك محادثات أولية حول إدراج سوريا في مبادرات إقليمية تشمل ربط الطاقة والنقل بين آسيا وأوروبا.

لكن الحرب القائمة تُحدث بعض الارتباك اللوجستي المؤقت، وتدفع المؤسسات التمويلية إلى التريث المرحلي، دون إلغاء الخطط، بانتظار تبلور خريطة استقرار دائم في المنطقة.

3. تصاعد أهمية سوريا إقليميًا: وفي ظل انكفاء النفوذ الإيراني، أصبحت سوريا أولوية أمنية لإسرائيل التي تسعى لضمان خلو جنوب سوريا من أي تهديد. ووجهة محتملة للاتفاقات الأمنية. كما أمست نقطة ارتكاز خليجية لضمان الاستقرار الإقليمي بعيدًا عن المحاور الإيرانية والتركية.

ان هذا الموقع الجديد يمنح دمشق فرصة نادرة لإعادة تعريف دورها الإقليمي والسيادي، بعيدًا عن الاستقطاب الذي طبع السنوات الماضية.

ثانيًا: مستقبل النظام الإيراني وتأثيره على سوريا

أ. في حال بقاء النظام الإيراني:

• ستستمر محاولات التخريب المحدودة عبر خلايا نائمة متبقية في سوريا.

• ستتكرر الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ما يضغط على دمشق أمنيًا وسياسيًا.

• سيُعطَّل أي مسار تفاوض رسمي أو اتفاق إقليمي بين سوريا وإسرائيل.

• سيبقى الجنوب السوري في حالة توتر أمني مزمن.

ب. في حال انهيار النظام الإيراني:

• سيُزال تلقائيًا أي تهديد إيراني مباشر أو غير مباشر من سوريا.

• ستتوقف إسرائيل عن ضرب الأهداف داخل سوريا، لغياب المبرر الأمني.

• ستُفتح الأبواب أمام تسوية إقليمية كبرى، تشمل اعترافًا غير مباشر بين دمشق وتل أبيب.

• سترتفع الاستثمارات الخليجية والغربية في سوريا، ويتسارع رفع تدريجي للعقوبات الغربية.

• ستكون سوريا في موقع يسمح لها بتشكيل محور توازن جديد في الشرق الأوسط.

ثالثًا: مشروع اتفاق "أبراهام السوري”… في طور التشكّل

تعمل أطراف خليجية وأوروبية حاليًا كوسطاء في محادثات غير معلنة بين الحكومة السورية وإسرائيل، تشمل عناصر تفاوضية متقدمة:

• إعلان منطقة جنوب سوريا (درعا – القنيطرة – السويداء) منزوعة السلاح الثقيل.

• تعهّد سوريا بمنع أي وجود لخلايا أو أفراد مرتبطين بطهران.

• وقف إسرائيل ضرباتها داخل سوريا، ودعم انفتاحها الاقتصادي عبر قنوات أميركية–خليجية.

• حصول سوريا على حزمة دعم اقتصادي واستثماري طويل الأجل من السعودية، والإمارات، وقطر، تشمل إعمارًا واندماجًا في منظومات الربط الإقليمي للطاقة والاتصالات.

ورغم التكتم الشديد، تؤكد مصادر متعددة أن هذه الصيغة تحظى بدفع إسرائيلي واضح، وترحيب سوري ضمني، ومباركة خليجية مدروسة.

في زمن الحرب والانهيارات، قد تولد أحيانًا فرص لإعادة البناء من الرماد.

هذا ما يحدث اليوم في سوريا، التي خرجت من العباءة الإيرانية، ووقفت على مسافة واحدة من الجميع بما فيهم اسرائيل وبدأت تعيد هندسة موقعها الجيوسياسي بهدوء وثقة.

مع انشغال إيران بالحرب، وتسارع الحديث عن تفكك النظام هناك، تتحرك دمشق نحو تفاهمات إقليمية، تؤمّن لها الأمن، وتفتح لها أبواب الاقتصاد، وتُعيد إليها دورها التاريخي في توازن المشرق.

وإذا تحقق اتفاق "أبراهام السوري”، فستكون سوريا المستفيد الأكبر من زلزال الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، دون أن تطلق رصاصة واحدة.